البيت النبوي أول بيت في الإسلام..


علي محمد الصلابي

سارع إلى الإسلام بنات النبي (صلى الله عليه وسلم)، كل من: زينب، وأم كلثوم، وفاطمة، ورقية، فقد تأثرن قبل البعثة بوالدهن صلى الله عليه وسلم في الاستقامة، وحسن السيرة، والتنزه عما كان يفعله أهل الجاهلية، من عبادة الأصنام، والوقوع في الآثام، وقد تأثرن بوالدتهن؛ فأسرعن إلى الإيمان. وبذلك أصبح بيت النبي صلى الله عليه وسلم أول أسرة مؤمنة بالله تعالى، منقادة لشرعه في الإسلام، ولهذا البيت النبوي الأول مكانة عظمى في تاريخ الدعوة الإسلامية؛ لما حباه الله به من مزايا، وخصه بشرف الأسبقية في الإيمان، وتلاوة القرآن، وإقام الصلاة؛ فهو: أول مكان تلي فيه وحي السماء بعد غار حراء. وأول بيت ضم المؤمنة الأولى سابقة السبق إلى الإسلام. وأول بيت أقيمت فيه الصلاة. وأول بيت اجتمع فيه المؤمنون الثلاثة السابقون إلى الإسلام: خديجة، وعلي، وزيد بن حارثة. وأول بيت تعهد بالنصرة، ولم يتقاعس فيه فرد من أفراده -كبارا أو صغارا- عن مساندة الدعوة.

من استقامة التربية كان بناته (رضي الله عنهن) من السابقات إلى التصديق، والإيمان، وهكذا كان للبيت النبوي مكانته الأولى، والواجب يدعو إلى أن يكون قدوتنا، والأنموذج الذي نسير على هديه، في المعاشرة، ومثالية السلوك بالصدق

يحق لهذا البيت أن يكون قدوة، ويحق لربته أن تكون مثالا، ونموذجا حيا لبيوت المسلمين، ولنسائهم، ورجال المؤمنين كافة؛ فالزوجة فيه طاهرة، مؤمنة، مخلصة، وزيرة الصدق، والأمان، وابن العم المحضون، والمكفول مستجيب، ومعضد، ورفيق، والمتبنى مؤمن، صادق، مساعد، ومعين، والبنات مصدقات، مستجيبات، مؤمنات، ممتثلات.

اكتسى هذا البيت بأبهى حلل الإيمان، وأضاء أركانه قبس نور التصديق، فكان بين الزوجين التجاوب، والتكافل، وتم بذلك تجسيد معنى قوله تعالى في محكم تنزيله: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلـمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلـمَّا أَثْقَلَت دَّعَوَا اللّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحاً لَّنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ﴾ [الأعراف: 189].

وفيه أيضا تجسيد ما روي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) في مجال التربية في قوله: “ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه” [البخاري (1358) ومسلم (2658)].

ومن استقامة التربية كان بناته (رضي الله عنهن) من السابقات إلى التصديق، والإيمان، وهكذا كان للبيت النبوي مكانته الأولى، والواجب يدعو إلى أن يكون قدوتنا، والأنموذج الذي نسير على هديه، في المعاشرة، ومثالية السلوك بالصدق، والتصديق، في الاستجابة، والعمل لكل من آمن بالله ربا، وبمحمد نبيا، ورسولا. إن الحقيقة البارزة في المنهج الرباني تشير إلى أهمية بناء الفرد الصالح، والأسرة الصالحة كأول حلقة من حلقات الإصلاح، والبناء، ثم المجتمع الصالح، ولقد تجلت عناية الإسلام بالفرد المسلم، وتكوينه، ووجوب أن يسبق أي عمل آخر، فالفرد المسلم هو حجر الزاوية في أي بناء اجتماعي، ولهذا كانت الأسرة هي التي تستقبل الفرد منذ ولادته، وتستمر معه مدة طويلة من حياته، بل هي التي تحيط به طوال حياته، هي المحضن المتقدم الذي تتحدد به معالم الشخصية، وخصائصها، وصفاتها، كما أنها الوسيط بين الفرد، والمجتمع، فإذا كان هذا الوسيط سليما قويا؛ أمد طرفيه – الفرد والمجتمع – بالسلامة، والقوة.

التأمل في نقطة البدء بهذه الدعوة التي توجهت إلى امرأة كخديجة رضي الله عنها، ومولى كزيد بن حارثة، وصبي كعلي بن أبي طالب، وبقية أسرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ليدل دلالة واضحة على أن الدعوة الإسلامية موجهة لكل الناس

ولهذا اهتم الإسلام بالأسرة، واتجه إليها، يضع لها الأسس التي تكفل قيامها، ونموها نموا سليما، ويوجهها الوجهة الربانية؛ لتكون حلقة قوية في بناء المجتمع الإسلامي، والدولة الإسلامية التي تسعى لصناعة الحضارة الربانية في دنيا الناس.

ويظهر هذا الاهتمام بالأسرة من حركة الدعوة الإسلامية منذ ساعتها الأولى؛ إذ كان من قدر الله تعالى أن يكون أول السابقين إلى الإسلام امرأة (خديجة رضي الله عنها)، إشادة بمنزلة المرأة في الإسلام، وأنه يرسي قواعده على الأسرة، وصبي (علي رضي الله عنه)، إشارة لحاجة الدعوة إلى البراعم الجديدة، واهتمامها بالجيل الناشئ؛ لتسير في مراحلها الصحيحة لبناء المجتمع، ثم الدولة، ثم الحضارة.

وإن التأمل في نقطة البدء بهذه الدعوة التي توجهت إلى امرأة كخديجة رضي الله عنها، ومولى كزيد بن حارثة، وصبي كعلي بن أبي طالب، وبقية أسرة النبي صلى الله عليه وسلم ، ليدل دلالة واضحة على أن الدعوة الإسلامية موجهة لكل الناس – صغيرهم، وكبيرهم، ذكرهم، وأنثاهم، وسيدهم، ومولاهم – فلكل هذه الشرائح الاجتماعية من الرجال والنساء، والأطفال، والموالي دوره المنتظر في البناء الاجتماعي، وإقامة الدولة، وانتشار الحضارة.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *