الشباب.. صوت التغيير في عالم الظلام

عبد الله عتر

لماذا يتحرك الشباب بمظاهرات واحتجاجات ضخمة مناصرة لغزة في البلاد الغربية أميركا وأوروبا، بينما يخيم سكون مدهش بين شعوبنا وشباب منطقتنا الأقرب رحما ودينا؟

لم يعد هذا السؤال ملاحظة ذكية بل حقيقة فاقعة تضرب العين، فيبدو أن لدينا مشكلة حقيقية في فهم التغيير وتقنيات تحريك الصخرة الاجتماعية، ولخطورة ذلك فقد تولى صاحب الرسالة الخاتمة رسم خارطة التغيير بنفسه حين قال في حديثه المشهور: (من رأى منكم منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان). رواه مسلم وأبو داود.

يتطلب التغيير وجود حركة مناهضة ومدافعة، تواجه المنكر والظلم الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وتضغط على الجهات التي تمارسه، بحيث يترتب على هذه المواجهة والضغط زيادة احتمالية التغيير، بدون الحركة الضاغطة لا يوجد تغيير.

التغيير التعبيري يكون بالرأي المناهض للمنكر والظلم والضغط على الجهات والأشخاص، وهو استخدام للقوة الناعمة ويمثلها اللسان كصورة مجازية (فليغيره بلسانه)

حركات التغيير الخمسة
هذه الحركة وقوة الضغط تقع بين ثلاث درجات أساسية، التغيير باليد والتغيير باللسان والتغيير بالقلب، وهي تجسد ثلاث إستراتيجيات كبرى لاستخدام قوة التغيير: التغيير المادي هو استخدام لقوة السلطة والتدخل المباشر الصلب، والتغيير التعبيري استخدام لقوة التعبير والكلمة في الضغط، والتغيير القلبي استخدام لقوة النفس:

حركة التغيير المادي: التدخل الملموس المباشر وإحداث تغيير في العناصر المادية للمنكر والظلم القائم، ومواجهة أصحاب المنكر والظلم بالقوة ومحاولة إيقافهم وإضعاف مواردهم وضرب مصالحهم، فهو استخدام للقوة الصلبة وهو ما تعبر عنه اليد كصورة مجازية (فليغيره بيده).
حركة التغيير التعبيري: التعبير عن الرأي المناهض للمنكر والظلم والضغط على الجهات والأشخاص، وهو استخدام للقوة الناعمة يمثلها اللسان كصورة مجازية (فليغيره بلسانه).
حركة التغيير النفسي: يناضل الشخص هنا لإحداث التغيير في نفسه كي لا يسمح للظالمين وأصحاب المنكر أن يسيطروا عليها ويجعلوها موالية لهم، المثير للانتباه أن التغيير الفردي الداخلي يتجه لمواجهة القلب نفسه من أن يتصالح مع المنكر والظلم وليس لتغيير المنكر والظلم في الواقع، أي أنك تواجه نفسك وتضغط عليها ان تبقى منحازة للحق والحقيقة، وهذا ما يعبر عنه القلب كصورة مجازية (فليغيره بقلبه).
بين التغيير باليد واللسان توجد درجة مضمرة هي التعبير الحاشد العلني، فهي في تصنيفها العام مجرد تعبير عادي عن الرأي في الأوساط هنا وهناك، لكن علنيتها وحشدها وتنظيمها يمنحها قوة ضغط تقارب قوة التغيير المادي، بل تتجاوزه في بعض الحالات، وهناك درجة بين التغيير باللسان والقلب هي حركة التغيير النفسي الجماعي، بأن يتداول الناس رفضهم للمنكر في مجموعات ودوائر مغلقة وكيف يمكن أن يواجهوه، كأن يحدثوا أصدقاءهم وعائلتهم ومن تربطهم بهم علاقات ثقة، الهدف هنا أن يغيروا أنفسهم ونفوس من حولهم من الدوائر القريبة التي يمكن التأثير فيها، لكنهم لا يتحركون لمواجهة المنكر والظلم مباشرة لا باليد ولا باللسان.

إذا رتبنا درجات التغيير التي يمكن للحركة أن تنشط فيها نجدها هكذا:

بالحق وتواصوا بالصبر)، لأن التواصي يوفر شبكات قوية قادرة أن تحمل فوقها الكثير من القضايا والقيم والمصالح، وعلى قدر تماسك تلك الشبكات تكون مؤهلة لحمل قضايا أكبر.

درجات التغيير مفتوحة والممكن أكبر مما نتخيل

بالنسبة للشباب خاصة شباب وشابات الجامعات في البلاد الإسلامية فإن أمامهم مساحة واسعة جدا للحركة ضمن درجات التغيير، والعاجز من ظن أن الأبواب كلها قد انغلقت وليس هناك إلا طريقة واحدة، يمكن أن تبدأ عملية التغيير بمبادرة وفكرة يتجرأ شاب أو شابة على طرحها بين أصدقائه ويصر عليها حتى يتجاوب معه عدد صغير، ثم يتحول معهم إلى فريق يضع خطة للتغيير من خلال التعبير عن الرأي والموقف، ويبحث الأشكال والأساليب المناسبة للبيئة والوضع القانوني والسياسي في بلده.

ويستقطب للحراك شخصيات مهمة في الجامعة والمجتمع العام، وينسق مع الجهات التي تتحرك في سياق الجامعات القريبة والبعيدة. أشكال التعبير مفتوحة، ابتداء بالاعتصامات والوقفات وانتهاء بحملات إلكترونية ونشاط على وسائل التواصل الاجتماعي وتحديات تيك توك ومراسلة إيميلات مع شخصيات مؤثرة.

لكل بلد ظروفه ومعطياته التي تتيح أشكالا من التغيير وتحجب أشكالا أخرى، لكن المهم أن لا ينزل الشباب والشابات إلى القاع، فهذا حال العاجزين الذين هم في درجة أضعف الإيمان. فدرجات التغيير مفتوحة والممكن أكبر مما نتخيل. هناك التغيير النفسي الجماعي بأن يتحرك كل شاب وشابة ويثير القضية في دوائره القريبة، وهناك التغيير التعبيري العادي بأن يعلن دعمه لفلسطين وفضح جرائم الاحتلال في الأوساط المتاحة حوله، ثم هناك التغيير التعبيري الحاشد بأن يشارك مع مجموعات منظمة تضغط على الرأي العام والسياسات.

شاهد أيضاً

300الف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *