طوفان الأقصى ميلاد أمة!


غادة الحلو

لقد لاحظنا في الآونة الأخيرة؛ كيف بدأ النظام العالمي الغربي بتحييد إنسانيّة الإنسان عنه وعن فطرته، فأصبحت الإنسانيّةُ تنزلُ الدركات نزولاً مُتسارعا إلى هاوية الشيطان، مُكَبِلَةً فكره وروحه، مُتحكمةً في سلوكاياته، بتغليب الماديّة في جميع مجالات حياته، من خلال نزع القيم والمبادئ عن كلّ شئ، فتتحقق الغاية في إنتاج كائن لا إنساني ولا أخلاقي ولا ديني، فهي بداية دخول العالم إلى الهاوية. كما لاحظنا تأثر العالم الإسلامي بذلك؛ فاختلطت أفكارُ المسلم الربانيّة السماويّة بأفكارِ غيره الشيطانيّة الأرضيّة حتى غابتْ عنه مقاصدُ الدينِ الكليّةِ، فأصبح يُجاهدُ في الجزيئيات مُغيباً الكليات، فاضطربت الثوابت عنده، حتى خَبت روح الدعوة إلى الله عنده والجهاد في سبيل الله، ونزل من على ثغره، وتنازع فيه الفكر مع الروح فتناقضت سلوكياته.

عمّ الفساد في الفترة التي تسبق السابع من أكتوبر بشكل زاد عن الحدّ، نتج عنه أنواع من الناس: الإنسان المُتحكِم المتأله، والإنسان المُتحَكَم به التافه الهشّ، والإنسان الغاضب المقهور الخارج عن سيطرة التحكم

وقد مُهِّدَ لهذا؛ بإسقاط الخلافة الإسلامية باسم الحريّة، ثمّ احتلال العالم الإسلامي باسم الاستعمار، ثم ثورات مدروسة باسم الربيع العربي، ثمّ وضعت أجندات هادفة في جميع المجالات؛ وذلك بعد أن استُدرج العالم بقوة شيطانيّة ملعونة بأجندة صهيونيّة معاديّة، وقد استُخدِم في ذلك الفتك بأهم ثلاث مؤسسات تربوية؛ فهُدِمَت مؤسسة الإعلام بنشر الفساد والرذيلة والأفكار الهدّامة في الفرد والمجتمع، ومُسِخَت مؤسسة التعليم بالتلاعب بالمناهج الدراسية في جميع المستويات؛ ليخرج جيلاً تافهاً مشوهاً، ووُأِدَت مؤسسة الأسرة بأن وُضِعَت لها برامج باسم تحرير المرأة؛ لتنال حريتها المزعومة فتنشق عن وليها، ثمّ اُعتمِدَ المشروع النِسوي المتحرر لتعيش المرأة بنفسها بعيداً عن الأسرة، ووُضِعَت خطة إبليسية إغوائيّة ليعزف الشباب عن الزواج؛ وشُوِهَت معالم الفطرة بالنداءات بالجندر والزواج المثلي والكلاب البشرية، وزواج الإنسان بالحيوانات بل والأشياء، ثمّ النداء بحقوق الطفل المسلوبة؛ ليتمرد على والديه، وبذلك تضيع الأسرة والمجتمع.

وبهذا؛ عمّ الفساد في الفترة التي تسبق السابع من أكتوبر بشكل زاد عن الحدّ، نتج عنه أنواع من الناس: الإنسان المُتحكِم المتأله، والإنسان المُتحَكَم به التافه الهشّ، والإنسان الغاضب المقهور الخارج عن سيطرة التحكم، وكلّ ما له علاقة بقتل الإنسان وتدميره، وتشويه كلّ ما فيه على مستوى الفكر والروح والسلوك على المستوى الفرد والجمعي، وكلّ المجالات؛ السياسيّة والاقتصادية والاجتماعيّة..

وبقدوم السابع من أكتوبر؛ تغيّر التاريخ الذي تغيّرت به البوصلة تغييراً ملحوظاً على المستوى الفردي والجمعي، الإنساني والإسلامي، الإقليمي والعالمي، والذي به تمايزت الصفوف (ليميز الخبيث من الطيّب) وكُشِفَت حقائق النّاس (العدو والمنافق، والمتخاذل والمحايد، والمؤيد والمجاهد)، وانكشفت حقائق الأجندات الصهيونيّة الشيطانيّة المعادية للإنسانيّة والساميّة، فأراد الله بمشيئته المطلقة أن يولد الإنسان من جديد على مستوى إنسانيته ابتداءً، وأن يولد المسلم من جديد على مستوى إيمانه تِباعاً، فبرزت الإنسانيّة من جديد لتساير الفطرة، وهبَّ كلّ من فهم الرسالة الإنسانيّة والربانيّة بما له وما عليه، حتى أنّ هناك من استيقظت فيه إيمانيات دفينة، حولته من اللاإنسان إلى الإنسان، أو من الكفر إلى الإسلام، أو من الإسلام إلى الإيمان بعدما فهم معاني الإسلام ومعالمه الحقيقية.

استوعب المسلمون أنّ الثبات هو ميزان التحول من الهزيمة إلى النصر، وأنّ النصر يبدأ جزئي حتى تكتمل الصورة الربانية في الأمة، ولذلك إنّ النصر الكلي قد يقصر وقد يطول، بالمدى الذي نتوب فيه جميعا إلى الله

ومع السابع من أكتوبر؛ استيقظ المسلمون من السبات الذي طال، ونهض اليقين من ركونه بوعد الله، وأنّه آتٍ وبلا شكّ ﴿فإذا جاء وعْدُ أُولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شدديد فجاسوا خلال الديار وكان وعداً مفعولا﴾ (الاسراء:5)، وبدأ المسلمون يدركون أنّ عليهم أن يكونوا عباداً الله حقّا حتى يأتي وعد الله، ووعُوا أنّ النصر معلق بالسماء يحتاج لها توبة خالصة، وهذه التوبة لا بدّ وأن تكون على المستوى الجمعي؛ وذلك من مقتضى ﴿توبوا إلى الله جميعا أيُّها المؤمنون لعلكم تفلحون﴾ (النور31)، واستوعب المسلمون أنّ الثبات هو ميزان التحول من الهزيمة إلى النصر، وأنّ النصر يبدأ جزئي حتى تكتمل الصورة الربانية في الأمة، ولذلك إنّ النصر الكلي قد يقصر وقد يطول، بالمدى الذي نتوب فيه جميعا إلى الله تعالى، ومن ثمّ فإنَّ النصر يحتاج إلى جهاد النفس ابتداءً؛ إذ فإنّ من خان حيّ على الصلاة فقد خان حي على الفلاح، وما طوفان الأقصى إلى ميلاد أمة لتسيقظ فينا القيّم الربانية، فنصبح قادرين على استيعاب مقولة إنّه لجهاد؛ نصرٌ أو استشهاد.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *