أزمة جديدة بين واشنطن وأنقرة على خلفية إصرار تركيا على اتمام صفقة إس 400 من روسيا

تتصاعد أزمة جديدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا على خلفية إصرار أنقرة على اتمام صفقة الحصول على منظومة إس 400 الدفاعية من روسيا ورفض الضغوط الأمريكية للحصول على منظومة باتريوت بدلاً عنها والتهديدات بطردها من برنامج صناعة واستلام طائرات إف 35 الحربية الأحدث في العالم.

ومع جزم كبار المسؤولين الأتراك وعلى رأسهم الرئيس رجب طيب اردوغان ووزير الدفاع خلوصي أكار بأن بلادهم سوف تستلم المنظومة الروسية خلال الأشهر القليلة المقبلة رغم التهديدات الأمريكية، فإن الأمور تتجه على الأغلب نحو اتخاذ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قراراً حاسماً بعدم تسليم تركيا طائرات إف 35 وطردها من برنامج تصنيع الطائرة.

وعكس ما هو شائع، فإن تركيا لا تعتبر بمثابة مشتر فقط للطائرة الأحدث في العالم، ولكنها تعتبر دولة محورية في برنامج تطوير وصناعة الطائرة، وهو ما سوف يؤدي إلى توقف مؤقت وحصول تأخير إلى جانب خسائر بمليارات الدولارات ستصيب برنامج صناعة الطائرة التي تعرف أيضاً باسم “الشبح”.

وقبل أشهر ومع تصاعد أزمة الراهب الأمريكي أندرو برانسون الذي كان موقوفاً في تركيا بتهم التجسس، صادق الرئيس الأمريكي على مشروع قانون موازنة الإنفاق الدفاعي لعام 2019 والذي يتضمن “الايقاف المؤقت لعملية تسليم طائرات إن 35 المقاتلة إلى تركيا، إلى أن يتم عرض التقرير على الكونغرس للمصادقة عليه بشكل نهائي”.

ومع احتمال تطبيق هذا القرار عملياً، يجمع سياسيون ومختصون على أن هذه الخطوة سوف تؤدي إلى وقف إنتاج الطائرة بشكل فعلي، أو إعاقة إنتاجها لقرابة العامين في الحد الأدنى كون تركيا شريكة في المشروع وهي عنصر رئيسي في صناعة الطائرة.

وكان وزير الدفاع الأمريكي السابق جيمس ماتيس أبرز المعارضين لهذه الخطوة حيث بعث رسالة إلى الكونغرس في 7 تموز/يوليو الماضي، عارض فيها محاولات وقف بيع تركيا مقاتلات إف35 وحذّر من أن هذه الخطوة ستثير أزمة في سلسلة التوريد وسترفع من سعر المقاتلات.

وقال ماتيس في رسالته: “إن وقف تسليم تركيا مقاتلات إف 35 قد يدفعها إلى وقف تزويد شركة لوكهيد مارتن بقطع الغيار، ما سيوقف إنتاج المقاتلات، أو سيؤخر الإنتاج وسيستغرق تعديل الوضع وتوفير إمدادات القطع التي تصنعها تركيا من 18إلى 24 شهرا”.

وحسب المعلومات المصرح عنها رسمياً حتى الآن، فإن صناعة هذه الطائرة تتم عبر برنامج مشترك لعدد كبير من الدول وهي “تركيا والولايات المتحدة وبريطانيا وإيطاليا وهولندا وكندا وأستراليا والدنمارك والنرويج” إلا أن ثلاثا من الدول التسع لم تشارك في المشروع بشكل مباشر وهي إسرائيل واليابان وكوريا الجنوبية.

وتقول مصادر تركية إن أنقرة شاركت في برنامج مقاتلات إف 35 منذ انطلاقه عام 1999 ولعبت الصناعات الدفاعية التركية دورا فاعلا في إنتاجها، حيث تشارك 10شركات تركية للصناعات الدفاعية في صناعة أجزاء من هذه الطائرات تتعلق بالجزء الأوسط من الطائرة ومحركها بالإضافة إلى الأنظمة الكهربائية الخاصة بها.

ومثلاً، تطور شركة “أسيلسان” للصناعات الدفاعية التركية قطع مهمة في نظام “إليكتروبتيكال” للتهديف في المقاتلة وتشارك إلى جانب شركة أمريكية في تطوير جهاز مراقبة إلكتروني، كما تشارك شركة الصناعات الجوية والفضائية التركية “توساش” بشكل أساسي في صناعة الجزء الأوسط من المقاتلات.

وتتولى باقي الشركات التركية مهمات متعددة منها إنتاج الغلاف الخارجي وأبواب قسم الذخيرة والقنوات الهوائية،
وتطوير وإنتاج صواريخ موجّهة حساسة من طرازStand ـ O المقرر استخدامها في المقاتلة، كما تمت تهيئة المقاتلة الجديدة لتكون قادرة على إطلاق صواريخ تركية الصنع من طراز “كيتي” و”سوم ـ جي”.

وإلى جانب المساهمة المشتركة في تطوير وصناعة الطائرة، فإن الدول المشاركة يحق لها شراء الكمية التي تريدها مقابل سعر محدد لكل طائرة يقترب من 100مليون دولار، وأعلنت تركيا منذ سنوات أنها ستشتري 120طائرة على الأقل من هذا الطراز بقيمة إجمالية تصل إلى 16 مليار دولار، وقدمت دفعات تصل إلى مليار دولار مقابل حصولها على الدفعة الأولى من طلبيتها الكبيرة.

وقبل أشهر، تسلمت تركيا التي ساهمت في مرحلة تطوير الطائرة بقرابة1.2 مليار دولار أول مقاتلة في مراسم أقيمت في منشأة “لوكهيد مارتن” الأمريكية في مدينة فورت وورث هو في ولاية تكساس، بحضور نائب مستشار الصناعات الدفاعية التركية، سردار دميريل الذي عبر عن فخر تركيا بكونها “جزءا من مشروع تصنيع هذه المقاتلة” لكن هذه المقاتلة لم تصل تركيا بعد، حيث من المقرر أن تتسلمها فعلياً عام 2020 عقب إتمام عمليات تدريب الطيارين الأتراك عليها في الولايات المتحدة.

وكان وزير الخارجية التركي مولود جاووش اوغلو أكد على أن بلاده تواصل صناعة أجزاء من طائرة إف 35 على أراضيها، مذكراً بأنّ مشروع الطائرة مشترك بين عدة دول، وليس مشروعا يمكن لطرف ما أن يعلن انسحابه منه.

وسبق أن لوح الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن بأنه “في حال اتخاذ أي خطوة باتجاه منع أو تأخير تسليم الطائرة إلى تركيا، فأول طريق ستسلكه تركيا هو القانون والتحكيم الدولي” مضيفاً: “ينبغي على الجميع معرفة أن تركيا ليست دولة يتم التضحية بها بسهولة، سواء في مسألة مقاتلات إف 35 أو بمواضيع أخرى، فتركيا ليست بدون بدائل” وذلك في إشارة إلى تهديد تركي سابق بالحصول على طائرات حربية روسية متطورة كبديل عن طائرات إف 35.

وكان خبراء أمريكيون استبعدوا أن توافق وزارة الدفاع الأمريكية على تمرير قرار ترامب الأخير لتجنب توجيه ضربة كبيرة للمشروع الأضخم تمويلاً في تاريخ وزارة الدفاع الأمريكية، ففي حال استبعاد تركيا بشكل نهائي من البرنامج سوف يتكبد الشركاء الآخرون في صناعة الطائرة خسائر بمليارات الدولارات بالإضافة إلى زيادة الأعباء المالية عليهم، إلى جانب خسارة بيع تركيا قرابة 120طائرة، كل ذلك إلى جانب تعرض البرنامج إلى انتكاسة كبيرة بفعل توقف الشركات التركية عن تزويده بالقطع التي تصنعها هي من الطائرة وبالتالي من المتوقع أن يتوقف البرنامج إلى أشهر طويلة إلى حين تأمين قطع بديلة.

وإلى جانب ذلك يتوقع أن تخوض تركيا معركة قانونية مع الإدارة الأمريكية من خلال القضاء الدولي باعتبارها شريكا أساسيا في المشروع وساهمت في مراحل التطوير بمبالغ مالية كبيرة إلى جانب دفعها قرابة مليار الدولار مقابل استلامها أول مجموعة من هذه الطائرات.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *