بين “العدل الإحسان” والسلطات المغربية.. حل سياسي أم إشكال قانوني؟

بعد إغلاق السلطات ستة منازل لأعضاء في جماعة “العدل والإحسان”، أكبر جماعة إسلامية بالمغرب، عاد ملف الجماعة إلى النقاش العام، عبر تجدد الجدل حول مدى قانونية الجماعة، التي تأسست نهاية سبعينيات القرن الماضي، على يد الشيخ عبد السلام ياسين (1928: 2012).

تعتبر السلطات المغربية “العدل والإحسان” جماعة “محظورة”، فيما تقول الأخيرة إنها حصلت على ترخيص رسمي في الثمانينات.

خلال الشهر الماضي، أغلقت السلطات ستة منازل لأعضاء بالجماعة في عدة مدن، فأعلنت الأخيرة أنها تعتزم اللجوء إلى القضاء.

لم يصدر عن السلطات تعقيب، فيما تقول وسائل إعلام محلية إن “أصحاب تلك المنازل أجروا تعديلات إنشائية عليها دون ترخيص”، وكانت تشهد اجتماعات “غير مرخصة”، وتتخذها الجماعة “مساجد سرية”.

تعسف من السلطة

وفقا لرئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، (أكبر جمعية حقوقية بالمملكة)، أحمد الهايج ، فإن “القانون والدستور يكفلان حق الأفراد والجماعات في التنظيم والتعبير وإبداء الرأي”.

وأضاف الهايج: “نحن ضد أي تضييق على المواطنين، وما تتعرض له جماعة العدل والإحسان من مضايقات بكل أشكالها هو انتهاك للقوانين”.

وزاد بأن “إغلاق السلطات لعدد من المنازل لا سند قانونيا له، وإنما تعسف في استعمال السلطة للتضييق على الجماعة”.

إغلاق السلطات لعدد من المنازل لا سند قانونيا له، وإنما تعسف في استعمال السلطة للتضييق على الجماعة

واعتبر أن “سب ما تتعرض له الجماعة هو عدم تقيدها بالخطوط الحمراء التي تضعها الدولة”.

ورأى أنه “على الدولة أن تحترم سيادة القانون، وفي غياب ذلك لا يمكن التقدم كثيرا نحو بناء ديمقراطية حقيقية في البلد”.

مواقف خفية للجماعة

بينما قال حفيظ الزهري، محلل سياسي مغربي، إن “العدل والإحسان تاريخيا لها مواقف متشددة بخصوص قضايا وإشكالات عديدة يعرفها البلد”.

واعتبر الزهري، أن “التوتر بين السلطات والجماعة له ما يبرره، فالجماعة اختارت أن تعمل من خارج المؤسسات، وتمتنع عن الدخول في العملية الديمقراطية، بينما الممارسة الديمقراطية تتم فقط عبر الانتخابات، التي ترفض الجماعة المشاركة فيها”.

وتقول الجماعة إن العملية الانتخابية فاسدة وتفتقر إلى الشفافية.

وأردف الزهري: “وبالتالي أي جماعة أو تيار سياسي تختار الاشتغال من خارج المؤسسات، سيكون بينها وبين السلطة تشنج وتوتر”.

وأضاف أن “المفروض من قيادة الجماعة أن تكون واضحة في مواقفها، وتدخل الممارسة السياسية من داخل المؤسسات لتتضح مواقفها بجلاء، فللجماعة مواقف خفية لا تعبر عنها بالوضوح اللازم”.

نقاش متكرر

ذهب المعطي منجب، محلل سياسي مغربي، إلى أن “الجماعة تعود غالبا إلى النقاش العمومي حين يُمارس عليها التضييق، كما حدث عند منع مخيماتها في الشواطئ، ثم إغلاق منزل أمينها العام الحالي أحمد العبادي، قبل وفاة عبد السلام ياسين، مؤسس الجماعة”.

واستطرد منجب: “بعد إغلاق منازل أعضاء في الجماعة قبل أيام، رجعت الجماعة بقوة إلى النقاش العمومي، لا أدري هل رغبة من السلطة، أم دون رغبة منها”.

وتابع: “الواقع اليوم أن الجماعة تعاني من ضغط السلطات، عبر التضييق على اجتماعاتها وإغلاق المنازل، والضغط على الجمعيات التي تحضر لأنشطتها وتعبر عن التضامن معها”.

وقالت الجماعة، في 8 فبراير/ شباط الماضي، إن قرار اقتحام وإغلاق منازل لأعضائها في عدة مدن هو “قرار مركزي سياسي للدولة، وليس قرار إداري أو أمني أو اجتهاد لجهة ما محلية”.

وأضاف عبد الواحد المتوكل، عضو الدائرة السياسية للجماعة، في مؤتمر صحافي: “لن نسقط في ردود الأفعال، ولن نُستدرج إلى العنف المضاد، وسنظل بجانب القوى المطالبة بالحرية والعدالة ومناهضة الفساد والاستبداد”.

قانونية الجماعة

مع كل أحداث تعيشها الجماعة، يتجدد النقاش حول وضعيتها القانونية، فبينما تصفها السلطة بـ”الجماعة المحظورة”، يقول قياديوها إنها “جماعة قانونية، وتشتغل في إطار القانون المغربي”.

وقال عبد العزيز نويضي، عضو هيئة المحامين بالرباط: “من الناحية القانونية تؤكد الوثائق أن الجماعة هيئة معترف بها”.

وتابع: “إن كانت هناك مشاكل سياسية فيجب مناقشتها بآليات أخرى، أما الجانب القانوني فتحسمه الوثائق التي بحوزة الجماعة وأطلعتنا عليها”.

وشدد على أن “الجماعة تعمل في إطار الدستور والقوانين، ولا تنهج السرية، ولا هي خارجة عن القانون، رغم موقفها من النظام وانتقادها له”.

وزاد بقوله: “ما يحدث هو إمعان في التضييق على هؤلاء الناس.. لأنهم مواطنون لا يجب حرمانهم من حق الملكية (حيازة العقار)، ولا حرمانهم من التمتع بحقوقهم، إلا بقرار قضائي ومحاكمة عادلة”.

وتابع: “يجب البحث عن معالجة مناسبة للمشكل، فالموضوع كبير جدا.. إن كانت القضية سياسية فيجب أن يكون الحل سياسيا، دون الاعتداء المادي على حقوق المواطنين”.

وقال المتحدث باسم الجماعة، رئيس دائرتها السياسية، فتح الله أرسلان، في 8 فبراير/ شباط الماضي، إن “الجماعة تنظيم قانوني ولا يعمل في السرية”.

وأضاف في مؤتمر صحافي: “سبب إغلاق المنازل غير مرتبط بتنظيم تجمعات غير مرخص لها، والتجمعات الخاصة لا تتطلب تصريحا، فكل الناس يقومون بتجمعات بمنازلهم، والنقابات والأحزاب أيضا، ولا يحصلون على التصريح المسبق”.

وأعفت مؤسسات حكومية مغربية، خلال فبراير/ شباط 2017، نحو 130 عضوا بجماعة “العدل والاحسان” من مناصب حكومية (تمت إعادتهم إلى مناصب أخرى كانوا يتولونها سابقا)، وفصلت أئمة تابعين لها من مساجد، دون إعلان أسباب

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *