بين اتباع السنة وتطبيقها واتباع الحديث وتطبيقه

بقلم الأستاذ الشيخ سفيان ابو زيد

وأنا أستمع لواعظ الجمعة والمذكر بحديثي النهي عن اللغو أثناء الخطبة وأن من لغا فلا جمعة له، وما ذكر فيها من شروط وقيود وهيئات …

فتح الله علي بهذه الكلية التي قد أكون مسبوقا إليها في لفظها أو معناها، ولا يزيدني ذلك إلا فخرا وشكرا لله على الموافقة:

كل اتباع للسنة وتطبيق لها هو اتباع للحديث وتطبيق له، وليس كل اتباع للحديث وتطبيق له هو اتباع للسنة وتطبيق لها في نفس الأمر…

معنى هذه الكلية:
أن المقصود أصالة وأولا هو اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وطريقته في أفعاله وأقواله وصفاته وتقريراته التي قالها بصفته نبيا مبلغا ليس فيها خصوصية ولا مقام خاص لا يقتدي به فيه إلا من اتصف بذلك المقام…
وهذا الاتباع وذلك التطبيق لا يكون إلا بعد جمع الصورة المتكاملة لذلك الفعل أو الصفة في هيئاته وجوانبه، وذلك القول أو التقرير في قيوده وشروطه وسياقاته، حتى نأتي بالفعل أو مقتضى القول أو التقرير بوجهه الكامل المتكامل القريب مما فعله أو أمر به أو نهى عنه صلى الله عليه وسلم…

وكلما اجتهدنا في جمع أجزاء صورة ذلك الفعل، و قيود وشروط وسياق ذلك القول أو التقرير، كان الاتباع والتطبيق قريبا نقيا صافيا متجردا… مؤتيا أكله ومراده ومقصده من تشريعه…
وكلما كانت صورة الفعل ناقصة أو جزئية أو كان القول مبتور القيود والشروط، أو منتزعا من سياقه وجوه، سيكون التطبيق مجزءا بل قد يكون مشوها مبتورا بعيدا عن مراده ومقصده…

ومورد هذا الاتباع ومناطه قد يكون في حديث واحد متحد الرواية واللفظ، وهنا يكون اتباع السنة في تطبيق ذلك الحديث، إلا أن هذا نادر وقليل ومحدود الأثر…
أو أن يكون موزعا في روايات حديث واحد، أو أحاديث مختلفة، بألفاظ متعددة…
عندها لا يمكن تطبيق السنة واتباعها إلا بالاطلاع على كل تلك الروايات، والجمع بينها الجمع العلمي الموضوعي المتقن، ودراسة شروطها وقيودها وعامها وخاصها، وناسخها ومنسوخها، وقطعيها وظنيها، وتأمل سياقاتها وهيئاتها وأجواءها… وكل ذلك باستصحاب المقاصد والمعاني…
عندها سنحصل على تطبيق جامع شامل متكامل لتلك السنة مؤت أكله ومقصده…
وكلما اجتهدنا في تلك الدراسة والتأمل، توصلنا إلى نتائج متقدمة…
وكلما اقتصرنا على المناط الجزئي، واختصرنا مسافة الاستقصاء ووقت الجمع، وجهد التأمل، حصلنا على نماذج رديئة مشوهة، يقال عنها سنة وماهي بالسنة… فيكون تطبيق الحديث بعيدا كل البعد عن تطبيق السنة…

قد يقول قائل: إذا كانت صورة الفعل أو الهيئة غير كاملة من خلال المروي فهل يؤثر ذلك على الاتباع والتطبيق؟

نحن موقنون بأن الخطاب الشرعي بكل أشكاله من قول أو فعل الذي أراد الله أن يصل إلينا ويبقى محفوظا قد تكفل بحفظه وقد تحقق حفظه، لذلك العبرة بالاستقصاء والتتبع وبذل الجهد، وما توصلنا إليه هو السنة المطلوبة، وما قد نظنه من نقصان الصورة هو مجرد وهم…

وقد يقول قائل: هذا التتبع أو الاستقصاء قد يجعل المسلم غير المتخصص عاجزا عن تطبيق السنة، لما فيه من عسر وتكلف؟

الجواب: ليس المقصود هو تعسير الطريق إلى التسنن، ولكن لابد أن يكون الطريق الصحيح والرصين، إن كان القصد اتباع السنة على مراد ومقصود صاحبها، وليس مجرد التسنن، كما أنك إذا أردت أن تعمل أي عمل دنيوي كبر أم صغر، فإنك تعمله وفق دراسة وعلم ومقادير، بسُطت أو تعقدت إن أردت أن تصل إلى مقصد ذلك العمل…

وتلك الدراسة وذلك التطبيق يقوم به العلماء المتخصصون المتحررون ما أمكن من كل سطوة لعقل بشري، مع الاستفادة من جهود السابقين…

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

300الف نازح من رفح وإسرائيل تواصل الغارات على جباليا

استشهد وأصيب عدد من الفلسطينيين في سلسلة غارات شنتها الطائرات الحربية الإسرائيلية مساء السبت وفجر اليوم الأحد على مناطق سكنية شمالي قطاع غزة،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *