تأملات في قصص سورة الكهف

القصة الثانية في سورة الكهف تتحدث عن فتنة الدنيا المال والبنون، وكيفية النجاة من هذه الفتنة بنسبة الفضل إلى -سبحانه وتعالى- والاعتراف له بكل خير، وتذكر الباقيات الصالحات والعمل لها، وتذكر الآخرة وأن هذه الحياة فانية.

القصة الثالثة وفيها فتنة العلم وكيفية النجاة منها بالتواضع والاعتراف بالجهل، وأن يعلم الإنسان بأن ما خفي عليه اكثر بكثير مما اطلع عليه وعلمه.

والقصة الرابعة: وفيها فتنة الملك وكيفية النجاة منها بالتواضع لله -عز وجل- والسير في الناس بالسيرة الصالحة ودرء الفتن بين الناس.

وفي أثناء الكلام عن هذه القصص جاء الكلام عن المحرك والمغزى لهذه الفتن كلها وهو الشيطان الرجيم: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ)، فيأتي التحذير من إتباعه والسير ورائه (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاء مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) [الكهف:50].

هذه السورة أيها الأحباب من يقرأها بتأمل وتدبر وتفكر يعرف هذه الفتن وكيف ينجو منها خاصة إذا تأمل في أولها وآخرها فأول هذه السورة يقول الله -عز وجل- فيه (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّمًا..) [الكهف:1 – 2]، الإشادة بالقرآن، وأن القرآن هو الكتاب المستقيم الذي يدل على الصراط والطريق القويم وأن العبد إذا تمسك به فإنه سيوصله إلى الله -سبحانه وتعالى- ولن يأخذه إلى سبيل آخر.

ثم يأتي الإشارة إلى العمل الصالح (لِّيُنذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا) [الكهف: 2- 3]، بشارة بالخير وبشارة بالنعيم المقيم، وهذه المعاني التي بُدئت بها السورة هي نفسها التي ختمت بها السورة يقول الله -سبحانه وتعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا * خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا) [الكهف:108].

العمل الصالح وثوابه (قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) [الكهف:109]، كلام الله وعلى رأسه القرآن (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [الكهف:110].

التوحيد والعمل الصالح الإشادة بالقرآن، والأمر بالتوحيد والإيمان، والحث على العمل الصالح وذكر الثواب والجزاء الذي يترتب عليه هذه المعاني هي التي ابتدأت بها السورة وبها خُتمت كذلك.

نعود إلى الدجال أيها الأحباب، حين يخرج الدجال في آخر الزمان إنما يفتن الناس بمال ودنيا أو بعلم يخدعهم به أو بملك كاذب أو بفتنة للناس فيفتتن الناس به فينقاد بعضهم لبعض، فإذا علم الإنسان هذه الفتن وقرأها في سورة الكهف؛ فتنة العلم والدنيا، والملك وضغط الناس يعلم كيف ينجو منها ويسلم -بإذن الله عز وجل- خاصة إذا عمل بأول السورة وآخرها فتمسك بالقرآن واعتصم بالتوحيد والإيمان ولازم العمل الصالح وتذكر ثواب الله -عز وجل- وما ينتظره في الآخرة عند ذلك لا تضره فتنة الدجال أبداً.

يذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- فتنة الدجال ويقول: “إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه”، أي أنا الذي سأناظره وأحاجه وأدفعه عنكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرئ حجيج نفسه، أي فكل واحد موكل بنفسه يدفع عن نفسه فتنة الدجال، قال: “فمن أدركه فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف؛ فإنه جواركم من فتنته” (رواه مسلم).

اللهم يا ربنا يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا لطول والإنعام، اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *