لماذا يصمت العالم الإسلامي عن قمع الأويغور في الصين؟

بقلم د. ا. حرابي و ه. ب. ذهبي

يبدو مستقبل أكثر من 10 ملايين من الأويغور، الأقلية المسلمة الناطقة بالتركية في الصين مظلم وكئيب بشكل متزايد.
حيث إن حملة القمع الهائلة التي تشنها الحكومة الصينية على هذه الاقلية المسلمة ، باسم “نزع الملكية” لم تثر بعد ما يكفي من الاستغراب و الجدل .
و تعود الحملة الصينية الشنيعة لإزالة أي دليل على سكانها من الأويغور المسلمين في ما تسميه الدولة الشيوعية منطقة شينجيانغ ذاتية الحكم لقومية الويغور، والتي كانت دولة قومية مستقلة إلى غاية سقوطها تحت الاحتلال الصيني واستعمارها في عام 1949.
وبعد فترة صمت طويلة بسبب محاولة الصين ربط طموحات مسلمي الأويغور بالتحرير إلى الخطاب “للحرب على الإرهاب” على المستوى العالمي.
في هذه الاثناء بدأت الآن التحركات التي تطالب بالدفاع عن هذه الاقلية المسلمة في التصاعد في الكثير من الاماكن كالأمم المتحدة والغرب للضغط على الصين لوقف الانتهاكات لحقوق الأقليات. وللأسف، أخفق المسلمون الفعليون إلى حد كبير في التدخل أو حتى الإدانة الشديدة في هذا الصدد.
فلقد كان الإسلام أحد الأهداف الرئيسية في حملة الحكومة الصينية ضد الأويغور ، وتشجع السلطات الحزبية الشيوعية ضمناً الإسلاموفوبيا حيث يتم سجن الطلاب والأكاديميين المسالمين وحتى الأشخاص العاديين فقط لكونهم مسلمين، فهذه الأقلية وقعت تحت ايدي دولة تراقب كل حركة بجودة عالية التقنية، مما يعرض شعب الأويغور المهمش لحصار وحشي. حيث أقيمت معسكرات اعتقال مع ما يصل إلى مليون سجين يتم طمس هويتهم، مما يؤدي إلى أحياء فارغة، مع ابقاء مساجد كبرى في مدينتي كاشغار وأورومكي الرئيسيتين مهجورة. كما يُجبر السجناء في المخيمات على احتضان مذاهب الحزب الشيوعي الصيني و ترك الصلاة، و الابتعاد عن التعليم الديني، و الأحبار على عدم القيام بفريضة الصوم في شهر رمضان حيث وضعت قيود و حظر بشكل متزايد. ويقال إن الذين يعصون يتعرضون للتعذيب مثل الحبس الانفرادي والحرمان من الطعام والماء والنوم وحتى الإيهام بالغرق و يتم القبض على معظمهم دون سبب واضح، بخلاف الحد من الممارسة الدينية ومحو ثقافة الأويغور الاسلامية.
وفي ظل هذه الحملة الدؤوبة التي تدعمها الدولة الشيوعية ضد المسلمين، ينبغي اعتبار الصمت الذي يسود الزعماء المسلمين والمجتمعات في جميع أنحاء العالم أمرًا يصم الآذان.

في المقابل فإنه ايضا مصير الفلسطينيين يثير الغضب في جميع أنحاء العالم الإسلامي ، وكذلك نبذ الإبادة الجماعية الذي يتعرض اليها الشعب روهينغا، بينما الى الآن لاتزال قضية الاقلية المسلمة الأويغور لا تحضى باهتمام كبير بل ربما منسية من قبل الدول المسلمة خاصة وحتى بعد أن ذكر مسؤول في الأمم المتحدة ان هناك “تقارير موثوقة” بأن البلاد الصينية تحتجز ما يصل إلى مليون من السكان المسلمين الأويغورين الناطقين بالتركية في معسكرات سموها “إعادة التعليم” ،بينما الحكومات في البلدان ذات الأغلبية المسلمة لم تصدر أي بيانات جديرة بالذكر بهذا الشأن.
في الاثناء فقد راقب السياسيون والعديد من الزعماء الدينيين الذين يزعمون أنهم يتحدثون عن الإسلام ، بصمت في وجه القوة السياسية والاقتصادية للصين. فلم تصدر دول إسلامية رئيسية مثل إندونيسيا وماليزيا وباكستان تصريحات عامة ذات مغزى حول حملة القمع ، اما المملكة العربية السعودية فهي ملهية في صراعات جانبية. حتى تركيا ، التي كانت في الماضي تقدم سياسات موالية للجماعات الناطقة بالتركية وتستضيف مجموعة صغيرة من الأويغور خاصة بها ، ظلت صامتة بينما كان رئيس الوزراء أردوغان يتعامل مع أزمة اقتصادية خاصة به.
وهكذا، فإن بكين حتى الآن تفلت من أي نقد من جانب الحكومات في جميع أنحاء العالم الإسلامي في مواجهة هذا الظلم الصارخ للأويغور ، و هو ببساطة غير مبرر على أقل تقدير. حيث يقول بيتر إيروين، مدير مشروع في مؤتمر الأيغور العالمي ، “إن أحد حواجزنا الأساسية كان عدم الاهتمام الواضح من الدول ذات الأغلبية المسلمة”، هذا ليس بسبب الجهل كما يقول عمر كانات ، مدير مشروع حقوق الإنسان الأويغور ، “إنه موثق جدا”.
حيث ان حكومات الدول ذات الأغلبية المسلمة تعرف ما يحدث في تركستان الشرقية “، وذلك باستخدام مصطلح الأويغور للمنطقة. و على العكس من ذلك ، عززت اغلب الدول الاسلامية علاقتها مع الصين أو حتى دعمت سياسة الاضطهاد التي تنتجها الصين. في عام 2017 ، قامت مصر بترحيل العديد من الأويغور العرقيين إلى الصين ، حيث واجهوا السجن، ومن المحتمل أن يكون الموت مصيرهم. و تبع ذلك تحركات مماثلة من قبل ماليزيا وباكستان في عام 2011 وحتى منظمة التعاون الإسلامي لم تتخذ أي موقف، على الرغم من أن 53 من أصل 57 عضوًا هم من الأغلبية المسلمة.

فما الذي يجعل العالم الإسلامي يتجاهل إلى حد كبير صرخات إخوانهم من الأويغور؟ الإجابات تكمن في كل من الأسباب الاقتصادية والسياسية و الدبلوماسية. بما ان الصين اصبحت شريكا تجاريا رئيسيا لكل دولة ذات أغلبية مسلمة. والعديد منهم أعضاء في بنك الاستثمار في البنية التحتية الآسيوية بقيادة الصين أو لهم شراكات مع الصين. في جنوب آسيا ، هذا يعني استثمار البنية التحتية. وتمثل الصين حوالي عُشر صادرات المملكة العربية السعودية من النفط وثلثها تقريبا، وفقا لبيانات تتبع السفن التي جمعتها بلومبرج. إنه أعلى مصدر للاستثمار الأجنبي في ماليزيا. كما ضمنت تدفق أكثر من 60 مليار دولار من القروض لمشاريع البنية التحتية الخاصة بالممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني. وهكذا، فإن الدول الإسلامية “لا تريد أن تلحق الضرر بعلاقاتها مع الصين فضحت باخوانهم المسلمين المضطهدين الأيغور. في وقت تعتبر الصين حليفاً محتملاً ضد الغرب والولايات المتحدة ، ولذلك فهي تحاول أن تظل “صامتة” ، يقول عمر كانات. وهكذا أسفرت استراتيجية الصين الاقتصادية الجغرافية عن نفوذ سياسي. وبالتالي ، فإن النخب في الدول الإسلامية تعتبر أن “إقامة علاقات إيجابية” من منظورهم مع الصين أكثر أهمية من إثارة قضايا حقوق الإنسان، ومع ذلك ، هناك أسباب سياسية ودبلوماسية أيضًا ، لأن الحفاظ على العلاقات التجارية ليس هو المحفز الوحيد. تكره بعض الحكومات جذب الانتباه العالمي لسجلاتها الخاصة بحقوق الإنسان المتهالكة. حيث امتنعت بكين إلى حد كبير عن إشراك نفسها في صراعات العالم الإسلامي. يقول ديفيد بروفي ، المحاضر في التاريخ الصيني المعاصر بجامعة سيدني: “لا تحترم هذه الدول حقوق الإنسان بنفسها ، لذا من الصعب التصور أنها ستقفز في اول فرصة لانتقاد الصين”. إضافة إلى ذلك ، يبدو أن الصين ليس لديها مكان يذكر في الخيال الثقافي للدول الإسلامية، حتى مع نمو تواجد الصين في الشرق الأوسط.

وكما يقول أليب إركين Alip Erkin ، وهو ناشط في أستراليا يدير شبكة الأويغور Bulletin “إن صمت الدول ذات الأغلبية المسلمة على المعاملة المروعة للأويغور أمر محبط وغير مفاجئ” ، حتى بينما كان جيمس ميلوارد ، الأستاذ الجامعي في جامعة جورج تاون ومؤلف كتاب مفترق الطرق الأوروآسيوي: تاريخ شينجيانغ ، “بدأت حملة القمع تتسرب إلى العلاقات الخارجية للصين. ما نراه هو الآثار السياسية المترتبة على التحول في الفلسفة فيما يتعلق بالتنوع الثقافي والتنوع العرقي في الصين”. وقد يكون من الصعب بشكل متزايد الحفاظ على صمت المجتمع الدولي حيث تنتشر سياسات الصين في شينجيانج عبر حدودها. كما أنه أمر محبط لأن مبدأ الأخوة الإسلامية أصبح أداة سياسية خارجية انتقائية لها علاقة أكبر بالسياسة الدولية للدول الإسلامية وأقل صلة برسالة بالتضامن. وهكذا فإن العالم الإسلامي لديه طريقة خاصة في تعامله من يستحق المساعدة ومن ليس كذلك.

لذا ، يبقى السؤال: هل ستقف قيادة الأمة الإسلامية، وكذلك العالم بأسره، مرة أخرى موقف المتفرج بينما تحدث إبادة جماعية أخرى مستهدفة المسلمين في الصين؟

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *