المَخاض والميلاد

منَ المقال الأسبوعي الشيخ كمال خطيب

عيسى عليه السلام وُلِد من غير أب، ومحمد صلى الله عليه وسلم ولد وقد مات الأب. فمولد عيسى من غير أب تعلن قدرة الله سبحانه التي لا تتقيد في خلقه للأشياء بقانون الأسباب والمسببات التي نرى العالم يسير عليها في نظامه الذي أبدعه. ومولد محمد وقد مات الأب تعلن قدرة الله ومعية الله وضمان الله للرزق والحفظ والرعاية.
كم كان صعبًا وقاسيًا على مريم الطاهرة البتول وهي تتلوى تحت آلام وأوجاع المخاض، إنه مخاض ولادة من غير أب ولا زواج وهي رمز الطهر والعفاف {فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة فقالت يا ليتني متّ قبل هذا وكنت نسيًا منسيًا} آية 22-23 سورة مريم. إنه ألف سؤال وسؤال في رأس مريم الطاهرة عمّا سيقوله الناس في هذا الميلاد وهذا المولود، وإنه مليون سؤال بل كل أسئلة الدنيا في رأس آمنة في لحظات المخاض عن مآل وحال المولود القادم، يرى الدنيا من غير أب يحتضنه وقبلة حب من والد يضمه ويضعها على جبينه.
لكن وبعد المخاض وبعد الزفرات وبعد الألم وبعد الدموع وبعد الدماء فقد جاء عيسى وجاء محمد، فكان الخير وكانت البركة وكانت الرحمة بل وكانت الطمأنينة {فكلي واشربي وقرّي عينًا} آية 26 سورة مريم.
وإن أمتنا اليوم أمّة الإسلام أمّة محمد والمسيح، ما أنصف دين مريم كما أنصفها الإسلام، وما برأ كتاب مريم مثلما برأها القرآن من ألسنة السوء وأقلام الشر، ولا كان عيسى في مقام أسمى وأرفع من المقام جعله فيه الإسلام.
أمّتنا هذه تمر اليوم بمخاض عسير وآلام لا يعلمها إلا الله سبحانه. ومن لهيب سياطها أنها تدفع ضريبة إنصافها للمسيح وأمه وتدفع مهر انتمائها لمحمد صلى الله عليه وسلم ونسبه الشريف ودينه الخاتم لكل الديانات والرسالات.
إنها الحرب السافرة علينا من كل جانب والسهام المصوّبة إلينا من كل حدب، لكننا على يقين أن بعد هذه الآلام وهذه الدموع وهذه الدماء أنه بعد هذا المخاض العسير حتمًا ويقينًا سيكون الميلاد بإذن الله. ميلاد نصر الإسلام وفرج الإسلام و دولة الإسلام بل ميلاد نزول المسيح عليه السلام. وكما بشر بأخيه أحمد قبل أن يولد {ومبشرًا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} آية 6 سورة الصف. فإنه الذي لمّا ينزل فلن يقبل من أحد أبدًا إلا السير على طريق أحمد صلى الله عليه وسلم.
إننا على موعد بعد المخاض مع الميلاد، وحتى يكون ذلك فعلينا أن نقرّ عينًا كما قال الله لمريم أم المسيح وهي تلده {وقرّي عينًا} . وكما رأت آمنة أم محمد النور يخرج منها وهي تلده وقد قال هو ذلك صلى الله عليه وسلم “أنا دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى ورأت أمي أنه يخرج منها نور أضاءت منه قصور الشام”.
فقرّوا عينًا أيها المسلمون المظلومون المستضعفون، واطمئنوا وثقوا بوعد الله الآتي، وكونوا على يقين أن بعد الكرب فرجًا وبعد العسر يسرًا، وبعد المخاض ميلادًا وأي ميلاد.
نحن إلى الفرج أقرب، فأبشروا .
رحم الله قارئًا دعا لنفسه ولي ولوالديّ ولوالديه بالمغفرة
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *