أسرار من استعداد المقاومة لطوفان الأقصى!

ياسر عبدالعزيز

زهاء الخمسة أشهر والمقاومة في غزة متماسكة، بل وعملياتها الدفاعية توقع خسائر في معدات وأفراد جيش الاحتلال ما لم توقعه الجيوش العربية طوال معارك الصراع العربي “الإسرائيلي” منذ أن نشأ الكيان المحتل، حتى لو أخذنا بتقديرات المتحدث العسكري لجيش الاحتلال، بعد أن يسمح الرقيب بالنشر، لكن الأهم من عدد القتلى هو تلك الهيبة التي كسرتها المقاومة، ووضعه أمام المرآة ليرى حقيقة نفسه فيضعها في حجمها.

ولعل الاستعدادات العسكرية بداية من الأنفاق المعقدة التصميم، ومتنوعة الأهداف من أنفاق دفاعية إلى أخرى هجومية وثالثة للإعاشة ورابعة للتصنيع العسكري وخامسة متخذة كمخازن عتاد وذخيرة، لهي شاهد على هذا الاستعداد لمعركة فاصلة عرفت المقاومة أنها ستأتي لا محال، وعليه فإن التحصينات كانت جزءا من هذا التخطيط، لكن أضف إلى ذلك عمليات التطوير العسكري رغم الحصار وقلة المورد والمواد، حتى إن المعركة السيبرانية التي سبقت المعركة والممتدة خلالها لهي شاهد على هذا الإعجاز البشري الذي حققته المقاومة خلال السنوات الماضية.

عن الفرد وإعداده أكتب هذه السطور، فالسر الحقيقي الذي أعدت المقاومة لمعركة طوفان الأقصى، هو ذاك، وهنا لا أتكلم عن عناصر المقاومة وقياداتها، وإنما أتكلم عن حاضنة المقاومة، أعني هذا الشعب الصامد الصابر المحتسب

وفوق كل ذلك فإن إعداد الفرد المقاتل هو أهم كل هذه العناصر، والفرق في ذلك واضح، بين المقاتل في صفوف المقاومة، الذي يقاتل بأقل إمكانيات وبين الفرد في جيش الاحتلال المدرع والمجهز بكل أنواع الحماية والتسليح، فالأخير يملك من العتاد والتكنولوجيا، وتصاحبه أعلى أنواع التكنولوجيا من طائرات مروحية وطائرات مسيرة وطائرات تجسس وأقمار صناعية، لكنه بمجرد المواجهة يهرب، ويفر، ولطالما نقلت المقاطع المصورة صراخ جنود الاحتلال عند المواجهة، لذا فإن إعداد الفرد هو أهم ما أعدت المقاومة لمواجهة الاحتلال.

وعن الفرد وإعداده أكتب هذه السطور، فالسر الحقيقي الذي أعدت المقاومة لمعركة طوفان الأقصى، هو ذاك، وهنا لا أتكلم عن عناصر المقاومة وقياداتها، وإنما أتكلم عن حاضنة المقاومة، أعني هذا الشعب الصامد الصابر المحتسب، الذي تهدم منازله، ويقتل أحبابه، ولا يزال متمسك بخيار المقاومة، شعب يرضى الجوع على المذلة، يفرح لاستشهاد ابن، ويزفه وكأنه حقق أقصى ما يتمنى، شعب يتمسك بالأرض، ولو كان الثمن روحه.

في كل جيوش العالم هناك إدارة متخصصة للتوجيه المعنوي تكون دورها في الغالب الإعداد المعنوي والتأهيل النفسي وتنمية مشاعر الولاء والانتماء بين أفراد جيشها بما يمكنهم من تنفيذ مهامهم وواجبـاتهــم بكفاءة عالية، ولأن فلسطين أرض رباط فإن هذه المعاني تعدت أفراد المقاومة لتشمل إعداد حاضنة شعبية واعية محصنة تعرف واجباتها تجاه قضيتها المركزية، القدس، وواجباتها تجاها الأرض التي يعيشون عليها، ولعل الوضع في الضفة الغربية والمهان الذي كان يعيشه أهلها قبل أن يختاروا خيار المقاومة، على قدر المستطاع، لكان شاخصا أمام أعين أهالي غزة، فسهل الأمر على المقاومة في بث روح المقاومة والصمود في نفوس المدنيين، وجعلهم يرفضون المآلات التي قد يجلبها سلام زائف.

كان الاهتمام بالتعليم من قبل الحركة وتربية النشء أهم أسرار التجهيز لمعركة طوفان الأقصى، فذلك الجيل الذي جهز المعركة، ونفذها بكل تفاصيلها اللوجستية والعسكرية إنما تربى في مساجد غزة ومدارسها التي لقنته أن القضية المحورية لهذا الشعب هي تحرير الأقصى

على إثر نتائج الانتخابات التشريعية في 2006 وفوز حركة حماس بالأغلبية، ثم سيطرتها على قطاع غزة في 2007 وسعت الحركة إلى جانب بناء قدرتها السياسية والإدارية والعسكرية، إلى بناء محددات المجتمع الذي سيتم إدارته، فتوسعت في بناء المساجد ودور تحفيظ القرآن، وأولت الأنشطة التربوية للنشء أهمية قصوى، وأنفقت عليه من غير تقطير، وعلى مستوى المساجد اهتمت بالدعاة، وشجعت على حفظ القرآن والأحاديث في، وأعطوا الأولوية في نشاطهم للنضال ضد الاحتلال والتوعية به على المستوى الديني أو التوعوي السياسي عبر كل المنابر المتاحة، على قاعدة المزج بين الدين والوطنية، وغيروا النظرة العامة لحركتهم المبنية على منهج الإخوان المسلمين، وطرحوا منهجا جديدا يمزج بين النهج الإصلاحي المعروف عن جماعة الإخوان المسلمين، وذلك النهج المقاوم الذي يطلبه الظرف والمكان.

فقد كان الاهتمام بالتعليم من قبل الحركة وتربية النشء أهم أسرار التجهيز لمعركة طوفان الأقصى، فذلك الجيل الذي جهز المعركة، ونفذها بكل تفاصيلها اللوجستية والعسكرية إنما تربى في مساجد غزة ومدارسها التي لقنته أن القضية المحورية لهذا الشعب هي تحرير الأقصى وإخراج المحتل، من منطلق عقدي، وجعلت كل قرار يبتعد عن هذا الهدف إنما هو خيانة للأرض والشعب، وأن أرض فلسطين ملك لأجيال المسلمين إلى يوم القيامة، لا يصح التفريط بها أو بجزء منها، وأن المعركة مع الاحتلال ليست معركة على اقتسام حدود، ولا خلافا على قطعة أرض، بل هي معركة وجود ومصير، وهي المعاني التي أطلقتها الحركة مع تسعة من الفصائل في بيانهم الرافض لاتفاقية أوسلو.

لا يمكن لهذه العناصر المسلحة تسليحا خفيفا أن تقاوم تكنولوجيا الاحتلال، ومعها خمس دول غربية، ومن ورائهم عشرات الدول سوء بالسلاح أو المال أو الدعم السياسي، إلا بحاضنة شعبية صابرة صامدة ارتضت الجوع والقتل والتشريد على أن تبيع شرفها المتمثل بالمقاومة، فهنيء ما زرعت حماس، وتحصد ثماره تأييدا وصبرا من شعب أعجز الكلمات عن وصفه، وأعجز التاريخ فأوقف عقاربه، وجعل المستقبل أصعب على الأجيال القادمة بهذه التضحيات والثبات.

شاهد أيضاً

الوضع في سوريا

كل ما يقوله مسترزقو اليوتيوب والشاشات عن تغييير كبير قادم لسورية، كذب، وكل من يقول أن التظاهر السلمي والحل السياسي والقرار ٢٢٤٥ سيسقط النظام، كذاب، أو على الأقل واهم وهماً كبيراً، للأسباب التالية :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *