بعد صدمة فيضان ليبيا.. لماذا يجب الاهتمام بإزالة الطمي؟

خلّف الفيضان الذي شهدته ليبيا أطنانا من الطمي ردمت الشوارع والمنازل في مدينة درنة شرقي البلاد، وبينما تسابق فرق الإنقاذ الزمن، لإزالة الآثار المدمرة لهذا الحدث النادر، فإن الخبراء يؤكدون أن إزالة الطمي، كما حدث في فيضان باكستان الأخير، يجب أن يحظى باهتمام كبير.

ويُستخدم مصطلح “الطمي” بشكل عام للإشارة إلى الرواسب التي جرفتها مياه الفيضان، ولكن الخبراء يرون أن الوصف الأفضل هو “التربة الرسوبية”، إذ يسمح لهم هذا الوصف بالتفرقة بين 3 أنواع من الرواسب، وهي الطمي والرمل والحصى، فيشير الأول إلى درجة حجم معينة من الرواسب تتراوح بين 0.002 ملم و0.063 ملم، بينما يشير الثاني إلى حجم يتراوح بين 0.063 ملم و2 ملم، أما الأخير فيتراوح بين 2 و60 ملم.

معرفة نوع الرواسب
ويعد الطمي الأكثر شيوعا بين رواسب الفيضانات، وتفوق كثافته كثافة الماء مرتين ونصف المرة، ولذلك، فإن تراكمه بعد الفيضانات قد يسبب ضغطا على المباني، ويحول دون إعادة تمهيد الطرق بشكل آمن، لذلك يجب الإسراع بإزالته، حسب عباس شراقي أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بجامعة القاهرة في تصريحات هاتفية للجزيرة نت.

وتحرص كل المناطق المهددة على معرفة نوع الرواسب التي تأتي بها الفيضانات، لاتخاذا التدابير الهندسية المناسبة، كما تظهر الدراسة المنشورة في عدد مايو/أيار من دورية “جورنال أوف هيدرولوجي”، التي تتبعت نوعية الرواسب في أثناء أحداث الفيضانات في حوض نهر هوانغفو في شمال هضبة اللوس بالصين، إذ وجدت أن الرمل الخشن (56.89%)، كان أعلى من الطمي (41.81%) والطين (1.3%).

وفي الحالة الليبية، فإن الصور تشير إلى أن الطمي هو المكون الأكبر، والمكان الأنسب بعد رفعه، هو استخدامه كمخصب للأراضي الصحراوية، حسبما يشدد شراقي، الذي حذر من إعادته مره أخرى لمجرى النهر، لأن ذلك من شأنه التقليل من القدرة الاستيعابية للنهر، بما يؤدي إلى أن يكون هناك فيضان من المياه مع أي أمطار غزيرة.

ورغم وجود 3 أنواع من الرواسب، فإن الاهتمام ينصرف دوما إلى الطمي، وهو ما يرجعه زكريا هميمي، نائب رئيس الاتحاد الدولي لأخلاقيات علوم الأرض في تصريحات هاتفية لـ “الجزيرة نت”، إلى الدور الذي يلعبه حجم الطمي.

ويقول إن “حجم الطمي في غاية الأهمية، لأنه يتحكم في مدى تصريف التربة في أثناء هطول الأمطار في المستقبل (أي النفاذية)، والخصائص الهندسية مثل القوة والقدرة على التحمل، وحيث إن تصريف الرواسب الناعمة مثل الطمي للمياه، مع الحد الأدنى من المسام، يكون سيئا، مقارنة بالرواسب الخشنة من الرمل أو الحصى، فإن وجوده يمكن أن يسبب خطرا على المباني، لا سيما عند حدوث زلزال، حيث إن الطمي لديه قدرة على التسييل”.

ويحدث “التسييل” عندما تفقد التربة بشكل كبير صلابتها وقساوتها تحت تأثير إجهاد مطبّق كالاهتزاز أثناء حدوث الزلازل أو أي تغير مفاجئ في الحالة الإجهادية، إذ تسلك المادة التي عادة ما تكون صلبة في هذه الحالة السلوك السائل.

ويتفق هميمي مع ما ذهب إليه شراقي من أن الأراضي الصحراوية في ليبيا قد تكون هي المكان الأنسب لنقل الطمي لها، محذرا هو الآخر من التعامل باستهانة مع هذا الخطر، لكنه يشير في الوقت نفسه، إلى حالة يكون فيها الطمي غير خطير، وهي عندما يكون تراكمه في حده الأدنى (أقل من 15 مم)، وفي منطقة مفتوحة، ففي هذه الحالة ليست هناك حاجة لإزالته، لأنه سيتآكل ويختفي مع مرور الوقت.

ويقول شراقي إنه “حتى يتم البدء في إعادة إعمار درنة، يجب تقييم مستوى تراكم الطمي في المدينة، وإزالته من المناطق التي شهدت تراكما كبيرا، وتجب إعادة النظر في إعادة البناء داخل الوادي، وقصر البناء على منطقة الدلتا، مع اتخاذ إجراءات السلامة اللازمة عند إعادة بناء سدود درنة، أسوة بالإجراءات التي اتخذتها باكستان بعد فيضان صيف 2022”.

وبينما لم تتعاف باكستان إلى الآن بشكل كامل من تداعيات هذا الفيضان، ولا تزال عمليات إعادة البنية التحتية من الطرق والجسور جارية، فإنها عالجت بشكل كبير أنظمة السدود لديها لتقليل المخاطر المستقبلية، وهذا يجب أن تبدأ فيه ليبيا على الفور، كما يوضح شراقي.

ويجري عبر إقليم “خيبر بختونخوا” الشهير في باكستان 8 أنهار رئيسية، بالإضافة إلى سلاسل الجبال والتلال والسهول الخضراء المسطحة والهضاب القاحلة، وهذا يجعله عرضة للزلازل والانهيارات الأرضية والفيضانات المفاجئة وفيضانات البحيرات الجليدية وذوبان الأنهار الجليدية.

وبعد فيضان الصيف الماضي، اتخذت السلطات الباكستانية بعض الخطوات للاستعداد، إذ قامت بتركيب نظام إنذار مبكر على 7 من الأنهار الرئيسية لرصد مستويات المياه، وتم تعزيز السدود، وإصلاح وتعزيز ضفاف الأنهار التي خرقتها الفيضانات.

بناء مختلف للسدود
ويقول شراقي “تحتاج ليبيا إلى تنفيذ إجراءات شبيهة تتضمن إعادة بناء السدين في درنة بالخرسانة، لأنه تم بناؤهما قبل حوالي نصف قرن، بين عامي 1973 و1977، من قبل شركة إنشاءات يوغوسلافية، باستخدام الصخور والطمي، وهذا النوع يعرف بالسدود الركامية، التي يمكن أن تكون مقبولة في مناطق غير مأهولة بالسكان، لكنها مرفوضة تماما في حالة درنة، حيث توجد تحت السد مدينة كبيرة، يبلغ تعداد سكانها ما لا يقل عن 100 ألف نسمة”.

ويضيف “يجب أن تكون هذه السدود الجديدة مزودة بنظام إنذار مبكر، ويجب أن تكون مزودة بمفيض طبيعي لتصريف المياه الزائدة عند ارتفاع منسوب مياه النهر، وإلى جانب ذلك، يجب الاهتمام بالصيانة الدورية ومراقبة حالة السد”.

وفي حال توفرت الإمكانيات المادية يرى شراقي أن “إنشاء السدين في درنة يمكن أن يتم خلال عام واحد، لأنهما من السدود قليلة الارتفاع، وذات السعة التخزينية المحدودة، إذ يبلغ ارتفاع أحدهما 75 مترا، أما الآخر فيبلغ ارتفاعه 45 مترا، فهما لا يقارنا بسد ضخم مثل السد العالي في مصر، والذي يبلغ ارتفاعه 3800 متر”.

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.