زكريا ابو خلال و السلفية

أخطر ما يهدد المجتمع، ويحرف بوصلة الإصلاح، ويفسد هوية المجتمع هو الأفكار الناطقة عن تطرف وعدم توازن..

وهذا ما أفرز لنا هذين الموقفين..

فالذي أزعجه وأرعبه سجود بوخلال ونقاب زوجته، واهتمامه بحفظ القرآن، وإمامته للاعبين، وإعجابه ببعض العلماء والدعاة المحسوبين على التيار السلفي، ووضع كل ذلك في سلة السلفية، رغم أن كل تلك المظاهر هي مظاهر الإسلام المجمع عليها بين كل المسلمين على اختلاف تياراتهم ومذاهبهم، ومراتب تدينهم..ولكن الذي أدى إلى ذلك الانزعاج والرعب، هو ما تعتمل به النفوس والعقول من لوثة الحقد والكراهية والإقصاء والعنصرية والتعصب، وكلها صفات جامعها التطرف، فما الذي يضرك إن رأيت لاعبا متألقا خلوقا طيبا يظهر شعائر دينه ويعتز بها، في محفل عالمي، أعطى صورة بهية جميلة عن المغرب والمغربية و(تمغرابييت) ولو ظهر في صورة وهيئة دخيلة أخرى لأشادوا بحداثة ذلك اللاعب وتنوره وتحرره، ولنفرض أنه سلفي، هل السلفية جريمة حتى يكال لها هذا السيل من القدح والذم والتشويه والتشهير بشخص اختارها منهجا!! شريطة ألا يؤذي ولا يفسد !!

هؤلاء الذين يتشدقون بالتحرر واحترام القانون، والتسامح والحداثة، هم أول من يقع في نقيض ذلك في أغلب الأحوال، لأنها مجرد ادعاءات موجهة ازدواجية، فنحن متحررون إلا مع الإسلام، نحترم القانون إلا مع الإسلام، نتسامح إلا مع الإسلام، هذا منهجهم وهذا ديدنهم..

وهذا لعمري هو عين التطرف والإرهاب..

في ضفة أخرى نجد حملة تحمل عنوانا ” لا تتزوج موظفة ” مرمى هذه الحملة، أنه إن عزف الشباب عن الزواج بالموظفات فإن الفتيات سيمتنعن عن التوظف والعمل، لأنه سيصبح ذلك العمل مانعا لها من الزواج، وبالتالي سيقل أو ينعدم تهافت الفتيات على التوظيف..

وهذا لعمري تطرف من لون آخر، فيه من الاستعجال والجهل بقواعد التغيير والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وانقلاب المفاهيم والتهور وعدم الرجوع إلى أهل الاختصاص في العلم الشرعي وسنن التغيير والمقاصد، فيه من كل ذلك وغيره الشيء الكثير، جامعه التطرف..

فظاهرة توظيف النساء وزيادة النساء على الرجال في نسبة التوظيف، وأثر ذلك على دور المرأة الأساسي في تربية الأبناء وبناء الأجيال، له أسباب ودوافع وحيثيات كثيرة متشعبة تحتاج إلى مراكز بحث وخبراء من مختلف التخصصات لدراستها وتوزينها وإيجاد حلول توفيقية بين التوظيف والدور، على المستوى القانوني والاجتماعي والثقافي والفكري والإعلامي، وليس بحملة ساذجة لا تزيد الموقف إلا ارتكاسا وتوغلا..

وفي ظل عدم وجود تلك المراكز، وتلك الدراسات، بل رفضها وعدم الالتفات إلى ذلك كله، على صاحب الحملة أن يفكر في برامج ومشاريع تنبه إلى أهمية القوامة لدى الرجل، وأهمية دور المرأة في تربية الأجيال، وما يحتاج إليه ذلك الدور من زاد علمي وتربوي وفكري وشرعي، وترسيخ ذلك الدور في كيان المرأة، فقد تجد من الموظفات من تحملن هذا الهم أكثر من ربات البيوت!!

ما هكذا يا صاحب الحملة تعالج هذه القضية!!

هذا هو مربط الفرس، والمنطلق الأساس، هو التفعيل وليس التحريم والإقصاء والتشويه والتشهير..

فإشكالية التطرف الفكري والتصوري تبقى دائما أصل كل انحراف فكري أو سلوكي، لذلك قلت في مواطن مشابهة أن الجهاد المقصود في قوله تعالى ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا، وإن الله لمع المحسنين )
هو جهاد الوصول إلى الوصفة الوسطية المرادة من صاحب الشرع، فذلك الوصول يحتاج إلى جهاد واجتهاد وتسديد وتقريب، ومن كان هذا همه، فهو المهدي، وهو في هداية، بها مكلل، وبها محفوف، وبها محفوظ، وبها يرتقي إلى درجة الإحسان والإتقان..
اللهم اجعلنا منهم يا رب…

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.