اللجؤ إلى الله و تعليق القلب به

لي صديق عادة ما أخرج معه للتنزه في البر والأماكن البعيدة عن المدنية والمتنزهات البرية؛ فأنا وهو لا نحب الأسواق ولا المولات ولا يستهوينا  صخب الحياة المعاصرة.
نتسامر عادة على كؤوس من الشاي الذي يحسن صاحبي إعدادها إذا ما خرجنا بإتقان جعلني أزهد الشاي في أي مكان آخر؛ لدرجة التدقيق الشديد في اختيار أوراق الشاي بل ونوع المياه التي توقد عليها النار أو الحطب؛ فأكاد أنتظر اجتماعنا وكأنه إدمان .. وأنا أصلًا شخص لا يكاد يشرب الشاي نهائيًا إلا معه.
لا تخلو أحاديثنا عادة من الكلام في مذهب إمامنا وهو الميثاق الأعظم بيننا من غير عقد ولا اتفاق؛ فصاحبي مدرس للفقه الحنبلي في جامعة الإمام، وهو يتقن المذهب بدرجة كبيرة تبارك الله .. وهو من أزهد من رأيت في الدنيا رغم شرف نسبه جدًا.

ذات مساء في أحد اللقاءات حكى لي عن قريب له جاء من محافظة بعيدة لمراجعة جهة ما في أمر ترقية له في عمله أو شيء قريب من هذا.
قال لي مستنكرًا: لو أنه استنصحني لقلت له ابذل الحد الأدنى من السبب، ولا تأت ولا تشق على نفسك بالسفر، ثم قال لي: هذا مذهبي في أمور الدنيا؛ بذل أقل سبب ثم اتجه إلى الله عز وجل وأعلق قلبي به.

وقع في قلبي هذا الكلام وكأني أعرفه لأول مرة، وكأنه صفعني صفعة وقد ألم بي منذ زمن قريب أمر دنيوي أرهقني فاستحييت من نفسي وقد بالغت في أسبابه الدنيوية وتعلقت بها ولعلي خُذلت من جهتها.

ثم تطرق للكلام عن الدعاء وقال لي كلمة لا أكاد أنساها؛ قال: قالوا – يقصد العلماء -: من دعا الله بغير تضرع فقد اعتدى!

يا الله! ما أبلغ هذه الكلمة وما أصعبها على نفسي!
كم من مرة دعونا الله فيها بلا خشوع ولا تضرع ولا افتقار تام ونظن أننا نحسن عملًا وتعبدًا.

هذه والله هي!
كلمة السر: التضرع حال الدعاء والانسلاخ من هذه الأسباب والأشخاص والناس والدنيا وترقي القلب في منازل السماء.

يُخيل إليّ أن ثمة غفلة تستحكم من قلوبنا تجعلنا لا نعي هذه الحقائق الإيمانية حال الممارسة العملية وإن علمناها في الكتب؛ فحُرمنا خيرًا كثيرًا بهذه الغفلة الإيمانية.

نحفظ جميعًا ونستظهر ما يذكرونه في كتب الاعتقاد من أن المقادير والأمور تجري بيد الله وأن الله هو المتصرف في الكون وكل هذه المعاني، ومع ذلك لا نكاد ندعو الله إلا قليلًا وإن دعونا فلا نتضرع ولا نتذلل؛ بل ندعو وقلوبنا في واد بعيد عن هذه المعاني رغم تصديقنا لها.

يذكرون أن فتى كان يختلف إلى أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، فيسألها وتحدثه، فجاءها ذات يوم يسألها فقالت: يا بني هل عملت بعدما سمعت مني؟
فقال: لا والله يا أمَّه.
‏ فقالت: يا بني فبما تستكثر من حجج الله علينا وعليك!

كتبت هذا الكلام لنفسي أولًا فأنا أحق الناس به ثم أشارككم إياه لعل فيكم من هو في مثل حالي، والله المستعان

أحمد سيف

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.