نصوص الصحابة والسلف في النهي عن البدع

لم تكن البدع الحادثة في الأمة بمتأخرة بل عايشها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم ونهوا عن الجلوس إلى أصحابها، فالدين قد اكتمل وما لهؤلاء المبتدعة إلا الاغترار بما هم عليه، كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : «كفى بخشية الله علمًا، وكفى بالاغترار به جهلًا» [مصنف ابن أبي شيبة 19/ 331]، قال ابن سعدي: «أمر الله بخشية الله التي هي رأس كل خير؛ فمن لم يخشَ الله لم ينكفّ عن معصته ولم يمتثل أمره».
ومع تزيين الباطل في القلوب تنتشر البدع ويرى فاعلها أنه على هدى وخير أكثر ممن التزم السنة، قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : «‌‌كل بدعة ضلالة، وإن رآها الناسُ حسنَةَ» [شرح أصول الاعتقاد (رقم 126)]، وقال سفيان الثوري: «ما من ضلالة إلا ولها زينة؛ فلا تعرض دينك إلى من يبغضه إليك» [الإبانة (462/2)] وأخذ حذيفة بن اليمان رضي الله عنه حجرين فوضع أحدهما على الآخر ثم قال لأصحابه: هل ترون ما بين الحجرين من النور؟ قالوا: يا أبا عبد الله ما نرى بينهما من النور إلا قليلاً، قال: والذي نفسي بيده لتظهرن البدع حتى لا يُرى من الحق إلا قدر ما بين هذين الحجرين من النور، والله لتفشون البدع حتى إذا ترك منها شيء قالوا: تركت السُنة [البدع والنهي عنها لابن وضاح القرطبي رقم 151].
ورأى ابن مسعود رضي الله عنه أناسا في المسجد بأيديهم حصا يعدون بها التسبيح فقال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون، وهذه ثيابه لم تبل، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد.أو مفتتحوا باب ضلالة؟! قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه.إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن قوما يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم. وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، ثم تولى عنهم.
فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوراج [سنن الدارمي وبعضه في مصنف ابن أبي شيبة، وصححه الألباني في السلسلة].
وكان الصحابة رضِي الله عنْهم يُعزِّرون رؤوسَ المبتَدِعة بالهجر وبالضرب إذا كانوا قادرين على ذلك؛ فلمَّا قدم صَبِيغ بن عِسْل من البصرة إلى المدينة وكان خارجيًّا، وبلغ عمر بن الخطاب رضِي الله عنه أمرُه، فعزَّره بالجلد والهجر؛ فعن السائب بن يزيد قال: بينما عمر رضِي الله عنه ذات يوم جالِسًا يغدي الناس، إذ جاء رجلٌ عليه ثياب وعمامة، فتغدى حتى إذا فرغ قال: يا أمير المؤمنين، ﴿ وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا * فَالْحَامِلَاتِ وِقْرًا ﴾ [الذاريات: 1 – 2]، فقال عمر: أنت هو؟! فقام إليه وحسر عن ذراعيه، فلم يزل يجلده حتى سقَطت عمامته، فقال عمر: والذي نفس عمر بيده، لو وجدتك محلوقًا لضربت رأسك، ألبِسُوه ثيابًا واحملوه على قتب، ثم أخرجوه حتى تقدموا به بلاده، ثم ليقم خطيبًا، ثم يقول: إنَّ صبيغًا ابتغى العلم فأخطَأَه، فلم يزل صبيغ في قومه حتى هلك، وكان سيد قومه [رواه اللالكائي في “اعتقاد أهل السنة” (1136)، وصحَّحه الحافظ ابن حجر في “الإصابة” (1/199)]، فكان صَبِيغ بن عِسْل بالبصرة كأنَّه بعير أجرب يَجِيء إلى الحِلَق، فكلَّما جلس إلى حلقه قاموا وتركوه، فإنْ جلس إلى قومٍ لا يعرفونه، ناداهم أهل الحلقة الأخرى: عزمة أمير المؤمنين [رواه اللالكائي في “اعتقاد أهل السنة” (1140)].
قال أبو داود السجستاني: قلت لأبي عبد الله أحمد بن حنبل: أرى رجلا من أهل السنة مع رجل من أهل البدعة، أترك كلامه؟ قال: لا، أو تُعْلِمه أن الرجل الذي رأيته معه صاحب بدعة، فإن ترك كلامه فكلمه، وإلا فألحقه به، قال ابن مسعود: «المرء بخدنه» [طبقات الحنابلة (160/1)].
قال يونس: «احفظوا عني ثلاثًا إن مت أو عشت: لا يدخل أحدكم على ذي سلطان يعظه ويعلمه القرآن، ولا يخلون بامرأة شابة وإن أقرأها القرآن، ولا يمكن سمعه من ذي هوى»[الإبانة (442/2)].
قال مفضل بن مهلهل: «لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته وفررت منه، ولكنه يحدثك بأحاديث السنة في بدو مجلسه، ثم يدخل عليك بدعته، فلعلها تلزم قلبك، فمتى تخرج من قلبك؟» [الإبانة (444/2)].
سئل أحمد بن حنبل عن رجل له جار رافضي يسلم عليه؟ قال: «لا، وإذا سلم عليه لا يرد عليه» [طبقات الحنابلة (14/2)] قال أحمد بن سنان: «لأن يجاورني صاحب طنبور أحب إلي من أن يجاورني صاحب بدعة؛ لأن صاحب الطنبور أنهاه وأكسر الطنبور، والمبتدع يفسد الناس والجيران والأحداث» [الإبانة الكبرى (469/2)] قال سفيان الثوري: «ما من ضلالة إلا ولها زينة فلا تعرض دينك إلى من يبغضه إليك» [الإبانة (462/2)] قال الحسين بن علي البربهاري: «واحذر صغار المحدثات؛ فإن صغار البدع تعود حتى تصير كبارا» [طبقات الحنابلة (19-18/2)]

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.