غارات إسرائيلية على روسيا

مرة أخرى: عن عدم ردّ النظام وحلفائه على الغارات الإسرائيلية

نشرت صحيفة هآرتس أوائل أيلول سبتمبر الجاري خبراً مفاده أن رئيس النظام بشار الأسد طالب حلفاءه، أي إيران وميليشياتها، بعدم الرد على الغارات والهجمات الإسرائيلية، وهو نفس ما كانت قد نشرته صحيفة نيويورك تايمز ولكن مع التباين حول المدة، وهل حصل ذلك منذ سنة كما ذهبت الصحيفة الأمريكية أو ثلاث سنوات كما ذهبت الصحيفة العبرية، وفي كل الأحوال نحن أمام فكرة واحدة مفادها أن الأسد لا يريد من حلفائه الرد على الغارات الإسرائيلية وهو نفسه لا يردّ بالطبع. المعطى الذي تصدّقه الوقائع على الأرض طوال السنوات الخمس بل الست الماضية، أي منذ بداية أو تحوّل الهجمات الإسرائيلية ضد مواقع ومعسكرات النظام التي تتموضع بها إيران وميليشياتها إلى فعل مستمر يكاد لا يتوقف، بينما تحوّلت إلى أسبوعية تقريباً منذ بداية العام الجاري.

عدم الرد: واقع تاريخي يعود إلى زمن والده
إذن بداية، وأولاً لا بد من التأكيد على حقيقة أن الأسد نفسه لا يرد على الغارات والهجمات الإسرائيلية المتكررة، وهذا لا يحدث بسبب الثورة وانشغاله بمحاربة الشعب السوري عسكرياً – كان يفعل ذلك طوال الوقت سياسياً وإعلامياً واقتصادياً وأمنياً – حيث لم يردّ لا هو ولا حتى والده على الهجمات والغارات الإسرائيلية المتفرقة في سوريا، والتي طالت العاصمة دمشق نفسها ولا حتى قصف المفاعل أو مشروع المفاعل النووي في دير الزور في العام 2007 الأمر الذي امتدحه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أهود أولمرت، واعتبره حكيماً كونه أي الأسد فهم الثمن الذي سيدفعه وهو مرتبط ببقاء النظام نفسه إثر الفشل ببناء توازن قوى وردع متبادل مع إسرائيل في ظل استبداد وقهر وتجويع الشعب السوري، وتحويل مقدرات وثروات سوريا التاريخية العظمى إلى ممتلكات خاصة لصالح سوريا الأسد الطائفية المتجانسة.

إذن الأسد نفسه لا يرد رغم الإهانات المتتالية حفاظاً على سلطته ونظامه، ولا يريد ولا يستطيع أصلاً فعل ذلك لنفس الأسباب السابقة كون فقط سوريا التاريخية العظمى – لا الطائفية المتجانسة حسب تعبيره الحرفي – تستطيع القيام بذلك، إضافة بالطبع إلى انشغاله بمحاربة وقتل وتشريد الشعب السوري، والتمسك بالسلطة رغماً عنه بدعم خارجي من غزاة أيضاً مثل إسرائيل لا يريدون له الرد أصلاً دفاعاً عن مصالحهم وللدقة أطماعهم.

بتفصيل أكثر، فروسيا التي استغاث بها الأسد حفاظاً على سلطته ونظامه ولو شكلياً بعد فشل إيران وحلفائه في ضمان ذلك لا تسمح له للرد حفاظاً على مصالحها مع إسرائيل “على افتراض أنه يريد ويستطيع”، كونها صاحبة التوجهات الأساسية والمركزية، بينما تحوّل نظام الأسد إلى ما يشبه الحكم الذاتي تحت سيطرتها، وللدقة سلطة شبيهة بسلطة أنطوان لحد بلبنان تحت السيطرة والهيمنة الإسرائيلية في تسعينات القرن الماضي.

ذهنية الاستقواء على الشعوب
وللعلم الأسد طلب فقط من حلفائه ولم يأمر بالتأكيد بل رجا وتوسّل أو شيء من هذا القبيل، وذكّرهم أن نظامه هو المهم لهم بحد ذاته، كونه العمود الفقري لإمبراطورية الوهم والدم الفارسية التي عاصمتها الفعلية الضاحية الجنوبية لا بيروت ولا بغداد المحتلة أيضاً. وهم يعون أصلاً هذا الأمر وعرفوا أنهم أمام صِدام لا يملكون القدرة على خوضه مع إسرائيل، لأنهم تصرفوا بالضبط مثل الأسد وبنفس ذهنية الاستقواء على الشعوب والدول العربية التي تحتلها إيران مباشرة أو عبر أذرعها وأدواتها وحشودها الطائفية.

من جهة أخرى يهدم عدم رد حلفاء الأسد فكرة الاستعداد لمواجهة إسرائيل وتحدّيها، كما تقول إيران وأدواتها صبحاً ومساء، علماً أن الدولة العبرية أعطتهم الفرصة للنزال مرة بل عشرات وحتى مئات المرات ولم يردّوا حتى قبل أن يطلب الأسد منهم ذلك زمن قاسم سليماني نفسه، بما في ذلك الهجمات والعمليات شبه المعلنة التي قامت بها إسرائيل داخل طهران نفسها وكما أقر مسؤول إيراني أنهم لن ينجرّوا إلى ما أسماها الاستفزازات والمواجهة الكبرى تقع فقط إذا ما شنت إسرائيل حرباً تقليدية واسعة وصريحة ضد إيران، وهو ما لم ولن يحدث أبداً في ظل تلاقي المصالح بين القوى الاستعمارية بسوريا والعالم العربي بشكل عام.

في السياق الإيراني يبدو الأمر متعلقاً أيضاً بمصلحة النظام الضيقة وبقائه تماماً كما هو الأمر لدى بشار الأسد وعدم الرد مرتبط كذلك بالهيمنة، وعدم التشويش على المشروع التوسعي في العالم العربي الذي يحتل الأولوية في الأجندة الإيرانية.

الصمت المدوّي يمتدّ إلى اليمن!
هنا تجب الإشارة إلى هجوم إسرائيلي استهدف أحد معسكرات ونقاط التموضع الإيراني في اليمن أثناء العدوان الأخير ضد غزة أوائل آب أغسطس الماضي حيث قُتل فيه عشرات من قوات الحرس الإيراني والحشد الشعبي اللبناني “حزب الله” واليمني” الحوثي” دون أي ردّ منهم، بل حتى دون الإعلان عن الهجوم نفسه لولا تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال أفيف كوخافي في سياق الاستعراض والتباهي بإنجازاته في ختام ولايته.

وبالطبع حصل هذا الصمت المدوي باليمن في ظل عدم الردّ على العدوان ضد غزة ورغم الخطاب الإعلامي الإنشائي عن محور الممانعة ووحدة الساحات والجبهات إلا أنهم تركوا الشعب الفلسطيني وحيداً أمام آلة القتل الإسرائيلية ليست مرّة وإنما خمس مرات في أقل من عشرين سنة.

تقريرا هآرتس ونيويورك تايمز أشارا إلى طرح حلفاء الأسد فكرة استهداف القواعد الأمريكية في سوريا بدلاً من الردّ على إسرائيل، الأمر بدأ فعلياً وعلى خجل أواخر فترة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالعراق واستهدف أساساً قواعد عسكرية حكومية تتنشر بها قوات أمريكية أساساً ثم تواصل بوتيرة أسرع مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض لاختباره وهو المهرول نحو إيران والاتفاق النووي معها، ولكن حصل التحوّل في الأسابيع والشهور الأخيرة بتعثر مفاوضات العودة للاتفاق النووي، واقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس ولذلك بدت الفكرة عديمة الجدوى أصلاً ومجرد هروب إلى الأمام من مواجهة إسرائيل مع ردّ أمريكي قوي وساحق حتى لم تعتد إيران عليه ولا حتى أوائل ولاية بايدن نفسه.

في الأخير وقبل كل ما سبق وبعده لا بد من الانتباه الى حقيقة أن عدم الردّ الجدّي من قبل النظام وحلفائه على الاحتلال الإسرائيلي ولا على الأمريكي ناجم أساساً عن الرغبة في عدم كسر الواقع الراهن في سوريا والمنطقة عموماً، والحفاظ عليه باعتباره مصلحة للنظام وداعميه وتحديداً إيران وأدواتها وحشودها الطائفية المؤتمرة بأمرها.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.