الموجة السلفية و الحكام العرب

في زمن ليس بالقريب، كانت الموجة السلفية مهيمنة على سائر العالم الإسلامي، حتى كان الأزهر ودار الإفتاء المصرية يتحرجون في الحديث عن مسائل الأضرحة والقبور والاستغاثة والنذور ونحو ذلك!

كان ذلك يبدو انتصارا للتوحيد!

لكن أهل الفهم والوعي من العلماء وأصحاب البصيرة والهمّ والعمل كانوا يُحَذرون من الاعتناء بشرك القبور وغض النظر عن شرك القصور..

لقد أهلك الناس أنفسهم في محاربة ما يجري عند الأضرحة من شركيات، بينما تركوا الحكام يفعلون ما شاءوا من تضييع للشريعة والإتيان بالقوانين الوضعية وبناء سياساتهم الخارجية والداخلية على ما يناقض الشريعة!

فإذا بفارس التوحيد أخذ يحمل حربته وقوسه وسيفه لينزل بهم على عموم الناس، وهم غالبا من أهل الجهل الذين هم بحاجة إلى التعليم والإرشاد.. بينما هو نفسه قد انتصب حارسا على القصر الذي يُشرك الحاكم فيه بالله، ويحمل الناس على مظاهر الشرك، يشرعن له ما يفعل!

نحن الآن ارتددنا إلى الخلف مرحلة جديدة..

الموجة السلفية في انكسار في زمن محمد بن سلمان ومحمد بن زايد.. والموجة الصوفية في تصاعد بعدما أتيحت لها مساحات مدعومة عالميا.. وتحاول طوائف من الأشعرية والصوفية الانتقام من المرحلة الماضية..

وإذا ببعض هذه المؤسسات، ودون أي داعٍ، تفتح بنفسها معركة الأضرحة والقبور لتثبت وتؤكد وترسخ أن ما يفعله الناس عندها جائز، مع الدعوة لاعتبار النوايا مهما كان الظاهر، وبذل حسن الظن مهما كان العمل!!

هذا عن القبور، فماذا عن القصور؟!

أما القصور يا صاحبي، فهؤلاء فيها أهل توحيد.. توحيد الحاكم لا توحيد الله!!

فلا تقبل تلك المؤسسات -لا السلفية ولا الصوفية- من يشرك بالحاكم شيئا، ويبذلون في الحفاظ على جناب توحيد الحاكم ما لا يبذله سلفي قح عتيد في الحفاظ على جناب توحيد الله!

ولا اعتبار عندهم في ذلك للنوايا ولا لحسن الظن.. فإن صدر عنك قول أو شبه قول، أو ندّ عنك عمل أو شبه عمل، فيه مساس بجناب توحيد الحاكم فأنت خارجي تكفيري إخواني داعشي لا تقبل لك توبة، وما لك عندهم من جزاء إلا العذاب الشديد في نار الحاكم وسجونه!

فنحن الآن في زمن توحيد القصور وشرك القبور!!

ولا بأس عند مشيخة السوء أن تذهب لتطلب من أضرحة آل البيت حاجتك، وهم الذين ماتوا أو قُتِلوا قبل قرون وحاجتهم في أنفسهم لم يستطيعوا قضاءها وقتما كانوا أحياء، ولكن البأس كل البأس أن تطلب حاجتك بل أن ترفع صوتك في حضرة الحاكم الحي تسبب في جحيم عيشك وذهاب دنياك ودينك معا!

محمد ألهامي باحث مصري

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.