حاتم أبو ريالة.. مقدسي هدم الاحتلال الإسرائيلي بيته 7 مرات

رغم تهديد الاحتلال المتواصل بتغريمه تكاليف الهدم في حال عدم تنفيذه ذاتيا. يرفض حاتم أبو ريالة هدم منزله بيده، ويقول ” كأنك تقول لأحدهم اشنق نفسك، لم آخذ تهديدهم بالحسبان وأرميه وراء ظهري، فصعب أن أهدم تعبي بيدي”.

بينما كان المقدسي حاتم أبو ريالة ينتظر قرارا قضائيا ردا على التماس قدمه ضد هدم منزله في بلدة العيساوية بالقدس المحتلة، فوجئ صباح أمس الأربعاء بقوات كبيرة من شرطة الاحتلال الإسرائيلي وآلياته تهاجم منزله تمهيدا لهدمه للمرة السابعة في تاريخ هذا المنزل.

يعتقد أبو ريالة أنه عاش وجع كسر ظهره 8 مرات، واحدة حين وقع من علو وكُسر عموده الفقري في إحدى مرات الهدم، والبقية حين دمرت جرافات الاحتلال منزله 7 مرات متفرقة على مدى 23 عاما.

ورغم أن سياسة هدم المنازل باتت فصلا ثابتا في حياة المقدسيين، فإن هدم بيت أحدهم 7 مرات يعد سابقة عاشها أبو ريالة (43 عاما) وزوجته وطفلاه، الذين يعيشون الفزع ذاته في كل مرة وكأنه يحدث أول مرة، يجلس الأب على كرسيه المتحرك وحوله عائلته باكين، في وقت تنهش فيه جرافات الاحتلال جدران منزلهم.

مباغتة من دون إنذار
يقول أبو ريالة للجزيرة نت إنه كان ينتظر جلسة محكمة قريبة للنظر في قرار الهدم، ونام آمنا مع عائلته في البيت، ليستيقظ على صراخ جنود الاحتلال وعُمّال البلدية يطالبونه بإخلاء المنزل سريعا تمهيدا لهدمه.

ويذكر الرجل أنه غادر مع عائلته من دون تفريغ المنزل كما حدث في معظم المرات التي لم يعطوا فيها فرصة لإنقاذ ممتلكاتهم من داخله.

حجّة جاهزة
وفي المرات السبع تشابه موقع الهدم ومشهده وحجّته، وهي البناء دون ترخيص، الذريعة ذاتها التي استخدمها الاحتلال منذ بداية عام 2022 الجاري لهدم 79 منشأة مقدسية، و279 منشأة في عام 2021 وقبلها آلاف المنازل.

ويؤكد أبو ريالة أنه تقدم لبلدية الاحتلال في القدس بطلب ترخيص لبناء منزل منذ عام 2010، لكنها تذرعت بعدم جاهزية الخريطة الهيكلية لمنطقة البناء، ثم عاود الطلب عام 2019 من دون أن يلقى ردا حتى اليوم.

جلس أبو ريالة على كرسيه المتحرك يتفقد الركام بعد مغادرة الجرافات، ويتحدث عن مُصابه فتخونه دمعته ويشيح بوجهه، ثم يعود ليتنقل بصعوبة بعد هدم الاحتلال ممر كرسيّه الخاص، ثم يحدّق في الركام مفكرا كيف سيبني بيته من جديد.

بالعودة إلى الوراء، يوثق الرجل هدم بيته زمنيا ابتداءً من عام 1999، وبعده على التوالي في أعوام 2001 و2003 و2009 و2020 و2021، والأحدث عام 2022. ويقول للجزيرة نت إنه في إحدى المرات لم يستلم أي إخطار شفوي أو ورقي، فقد هدم بيته مع 8 بيوت أخرى مجاورة في الحي ذاته.

وكان 2009 العام الأقسى على الرجل وعائلته، حين جاءت قوات الاحتلال لهدم بيته واستفزته وأبعدته عن المكان، ليقف مستنفرا على شرفة مفتوحة في البيت المجاور، ويسقط منها ويصاب بكسر في العمود الفقري، مما تسبب له في شلل نصفي أقعده عن المشي. أما المصاب الثاني فكان هدم البيت بالكامل بعد 6 سنوات من الاستقرار فيه وتجهيزه وتأثيثه بأفضل شكل.

رفض الهدم الذاتي
وتتنوع حالات الهدم في القدس المحتلة بين هدم ذاتي قسري، أي تقوم العائلة بهدم منزلها بيدها تحت تهديد الاحتلال الإسرائيلي بتدفيعها تكلفة الهدم بآلياته وعناصره، وبين هدم جرافات الاحتلال المنزل.

لكن اللافت أن أبو ريالة رفض في كل المرات هدم بيته بنفسه، رغم تهديد الاحتلال المتواصل بتغريمه تكاليف الهدم في حال عدم تنفيذه ذاتيا. ويعلل للجزيرة نت ذلك قائلا “رفضت الهدم الذاتي، كأنك تقول لأحدهم اشنق نفسك، لم آخذ تهديدهم بالحسبان ورميته وراء ظهري، صعب أن أهدم تعبي بيدي”.

تساءلنا عن سر صبر أبو ريالة وعن عزمه في كل مرة البناء من جديد، فقال “لا أخفي أن مشاعري متداخلة، بين أمل وخيبة، بين فتور وعزيمة، لكن مشهد الركام يدفعني لإزالته وخلق مشهد جديد، وجودي في هذه المدينة وتشابه مأساتي مع مآسي غيري يعطيني صبرا وقوة”.

البدء من الصفر
رغم ثباتها، فإن مشهد صمود عائلة أبو ريالة يخفي انشغالها الدائم بمستقبل مجهول، مليء بالديون ومتطلبات العائلة وتأمين مسكن مستقر لها.

ولا يحصي الأب خسائره المالية التي مُني بها منذ الهدم الأول، بين إعادة بناء وتأثيث ودفع مخالفات للاحتلال وتكاليف إزالة الردم، لكنه يؤكد أنها وصلت إلى أكثر من 400 ألف دولار، نصفها منذ عام 2019 فقط.

ويصف أبو ريالة “قهر الرجال” الذي يعشيه قائلا “من المفترض أن أؤمن مستقبل أولادي لكنني أبدأ من الصفر كل مرة، فكل تعبي يضيع سدى. والآن بعد 23 عاما من الشتات والخوف، الآن نحن مشتتون بين عائلتي وعائلة زوجتي، سأبني من جديد البيت، لأن الأمر أمسى ندا بند، ومحاولة لكسر رأسي وعزمي حسب اعتقادهم”.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.