بعد مرور 19 عاما.. هكذا يستذكر العراقيون الغزو الأميركي لبلادهم

الغزو الأميركي للعراق شكل حدثا محوريا بمنطقة الشرق الأوسط كانت ذريعته امتلاك أسلحة دمار شامل، مما أدى إلى إسقاط نظام الرئيس صدام حسين وخسائر بشرية قُدرت بمليون قتيل ومصاب.

بغداد- استذكر العراقيون اليوم الموافق 20 مارس/آذار ذكرى الغزو الأميركي لبلادهم عام 2003 الذي أطاح بنظام الرئيس الراحل صدام حسين، واسترجعوا اللحظات الأولى لبدء الحرب، وما عاشوه من أحداث.

ففي فجر هذا اليوم من عام 2003 توالت الانفجارات في بغداد، واستهدفت الغارات الجوية مقرات القيادات العراقية. وقتها أعلن الرئيس الأميركي آنذاك جورج بوش الابن بداية حرب “الحرية من أجل العراق” وعبرت القوات البرية الأميركية البريطانية -انطلاقا من الكويت- سياج ميناء أم قصر ومحاصرة الميناء من غربه وشماله، وقطع طريقه المؤدية إلى البصرة وشبه جزيرة الفاو. واستقرت قوة بريطانية قبالة بلدة أبو الخصيب وقطعت جميع الطرق المؤدية إليها.

ونشر الإعلامي مقداد الحميدان صورة على حسابه في تويتر لأجواء مغبرة في بغداد، وعلق عليها بالقول “قبل 19 عاماً، الأجواء كانت هكذا، كان يوماً مؤلماً .. كَئيباً، والكل يترقَّب، وترقَّبنا، وتوالت علينا النَّكَبات”.

وكتب الإعلامي عمر حامد، على حسابه في تويتر “قبل 19 سنة بدأت عملية غزو العراق بحجج كاذبة، ضربت واشنطن القانون ومجلس الأمن والعالم عرض الحائط وغزت العراق” مضيفا “بوش الابن كان يبشر بالحرية والديمقراطية وبناء البلد، لكن تجربتهم الحقيقة كانت التدمير”.

وقال الناشط السياسي حيدر الزبيدي، عبر حسابه على تويتر “أتذكر كان عمري 6 سنوات، لا أعرف ماذا يحدث غير سماع أصوات القصف، خلال خروجي مع عائلتي من بيتنا لنجتمع كلنا في بيت جدي، حيث كنا نعتقد أننا إذا تجمعنا بمكان واحد سنشعر بالأمان”. وأضاف “العراق خسر الكثير من العراقيين نتيجة الحرب والقصف، وفي النهاية وصلنا إلى هذا الحال الذي نعيشه اليوم وجميع التضحيات ذهبت سدى”.

وشكل هذا الغزو حدثا محوريا في منطقة الشرق الأوسط كانت ذريعته امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، مما أدى إلى إسقاط نظام صدام وخسائر بشرية قُدرت بمليون قتيل ومصاب وملايين المشردين، وخسائر مادية للطرفين تقدر بتريليونات الدولارات، وانزلاق البلاد في عنف طائفي بلغ ذروته خلال 2006-2007.

يوم 4 سبتمبر/أيلول 2002، قالت شبكة تلفزيون “سي بي إس” (CBS) الإخبارية الأميركية إنها حصلت على وثائق تظهر أن قرار غزو العراق اتخذه وزير الدفاع الأميركي آنذاك دونالد رامسفيلد بعد ساعة من وقوع هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على واشنطن ونيويورك.

وأضافت الشبكة أن الوثائق تفيد بأن رامسفيلد خاطب معاونيه العسكريين قائلا “فكروا فيما إذا كان مناسبا ضرب صدام حسين في الوقت نفسه وليس فقط أسامة بن لادن” رغم أن كل التقارير الأميركية ألقت باللوم في تلك الهجمات على تنظيم القاعدة بقيادة بن لادن.

وجاءت تسريبات الشبكة في وقت نقلت فيه الإدارة الأميركية بقيادة بوش الابن تركيزها من أفغانستان إلى العراق، وكثفت جهودها لإقناع قادة الكونغرس والرأي العام الأميركي والعالمي بخططها لغزوه، إثر تصريحات لبوش اتهم فيها العراق بأنه “حليف لتنظيم القاعدة” قائلا “ليس خيارا بالنسبة لنا ألا نفعل شيئا إزاء التهديد الخطير الذي يشكله البرنامج العراقي لإنتاج أسلحة إستراتيجية”.

خريف 2002، نشرت الحكومة البريطانية برئاسة توني بلير تقريرا يحذر من “المخاطر التي يشكلها امتلاك العراق أسلحة دمار شامل” وذلك في محاولة لكسب تأييد شعبه والرأي العام العالمي لصالح القيام بغزو العراق.

ورغم ذريعة أسلحة الدمار الشامل المعلنة فإن أسبابا أخرى مختلفة (سياسية واقتصادية وحتى حضارية) ظلت قيد التناول في وسائل الإعلام العالمية وأروقة السياسة الدولية، وأصبح بعضها أكثر إقناعا للمراقبين انطلاقا من سير الأحداث ومآلات الحرب وتكشف أسرار تحضيراتها.

وفي طليعة تلك الأسباب تحمس الحكومتين الأميركية والبريطانية لوضع اليد على ثروة العراق النفطية الهائلة، فقد تحدثت تقارير عديدة عن التحريض على الغزو من طرف مسؤولي شركات نفط أميركية كبيرة، من بينها مثلا مجموعة هاليبيرتون النفطية التي كان ديك تشيني نائب الرئيس الأميركي آنذاك يتولى إدارتها حتى عام 2000.

كما أكدت وثائق سرية حكومية بريطانية وجود علاقة قوية بين شركات ومؤسسات نفطية وعملية غزو العراق، وقالت إن خططا لاستغلال الاحتياطي النفطي العراقي تمت مناقشتها بين مسؤولين حكوميين وبين كبريات الشركات النفطية العالمية، وخاصة البريطانية منها (بينها شركات “شل” و”بي بي” و”بي جي”) قبل عام من تاريخ غزو بغداد.

مطلع يناير/كانون الثاني 2003، أعلن بوش -في خطاب ألقاه بقاعدة “فورت هود” بولاية تكساس وهي أهم القواعد العسكرية الأميركية- أن بلاده جاهزة ومستعدة للتحرك عسكريا “إذا رفض العراق نزع أسلحة الدمار الشامل التي يملكها” وأضاف أن بلاده “لا تريد غزو العراق وإنما تحرير الشعب العراقي” وأعرب عن ثقته في “تحقيق نصر حاسم لأن أميركا تمتلك أفضل جيش في العالم”.

واتهم بوش صدام بأنه يمثل تهديدا حقيقيا لأميركا وحلفائها لأنه “استخدم” أسلحة الدمار الشامل سابقا كما استخدامها ضد شعبه، واتهمه بـ “تحدي مطالب الأمم المتحدة بعدم تقديم إقرار جدير بالثقة عن برامجه للأسلحة النووية والبيولوجية والكيميائية لمفتشي المنظمة الدولية” الذين استأنفوا عملهم بتفتيش العراق أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2002.

وفي 7 مارس/آذار 2003، أبلغت الحكومة البريطانية النائب العام اللورد بيتر هنري غولدسميث بضرورة إعداد قرار بشأن مدى مشروعية شن الحرب على العراق دون الحاجة لقرار أممي جديد لإضفاء الشرعية على الغزو، وهو ما وافق عليه اللورد بعد أن ظل يرفضه طوال الأشهر السابقة، حسبما كشفته وثائق بريطانية سرية نشرتها حكومة ديفيد كاميرون يوم 30 أبريل/نيسان 2010 بشكل استثنائي وربما غير مسبوق.

حصيلة إجمالية
استمرت 19 يوما عملياتُ الغزو -الذي أطلقت عليه واشنطن ولندن “عملية الحرية من أجل العراق”- من بدايته وحتى السيطرة على بغداد، واجهت فيها القوات الغازية مقاومة من الجيش العراقي الذي كان يقاتل دون غطاء جوي.

أما الفترة الواقعة بين لحظة سقوط العاصمة يوم 9 أبريل/نيسان 2003 وحتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2007 فقد بلغ فيها عدد العمليات العسكرية الأميركية ما يناهز 569 عملية عسكرية، في محافظات ومناطق عراقية تتفاوت في كثافتها، حيث تأتي بغداد أولا ثم الأنبار ثم بقية المحافظات، ونُفذ 35% منها عام 2007 وحده.

وتتفاوت التقديرات للعدد الإجمالي لقتلى الغزو من العراقيين تبعا لجهة صدورها، فقد أفادت دراسة لمعهد الاستطلاعات البريطاني صيف 2007 بأن عدد هؤلاء الضحايا بلغ حتى ذلك التاريخ حوالي مليون شخص، من أصل 26 مليونا سكان العراق. وكان تقرير للمجلة العلمية البريطانية “ذي لانسيت” صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2006 قدر عددهم بما لا يقل عن 655 ألف قتيل.

أما منظمة الصحة العالمية فتعتقد أن حصيلة القتلى العراقيين تتراوح بين 104 آلاف و230 ألفا، وهو قريب من تقديرات وثائق ويكيليكس المسربة عام 2010 والتي أشارت لمقتل 109 آلاف عراقي منذ بداية الغزو. بينما اعترف الجيش الأميركي بمقتل نحو 77 ألف عراقي بين يناير/كانون الثاني 2004 وأغسطس/آب 2008، بينهم نحو 63 ألف مدني، والباقون من العسكريين.

وفي استطلاع أجراه مركز “أو آر بي” (ORB) استند إلى مقابلات ميدانية تبين أن حصيلة القتلى العراقيين بلغت مليونا و33 ألف قتيل منذ الغزو عام 2003، في حين تتحدث بعض التقديرات عن مقتل 654 ألف عراقي، 600 ألف منهم ناجمة عن أعمال عنف وفق دراسة قامت بها جامعة جونز هوبكنز الأميركية.

ووفق “هيئة إحصاء الضحايا العراقيين” فإن عدد القتلى العراقيين الذين سقطوا برصاص أميركي تخطى 106 آلاف و348 قتيلا، بينما ذكرت بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق “يونامي” أن حصيلة هؤلاء الضحايا منذ بداية الغزو الأميركي بلغت 359 ألفا و549 قتيلا حتى عام 2016.

وأفادت صحيفة ذي ديلي تلغراف البريطانية يوم 16 مارس/آذار 2013 -في دراسة لتكاليف الغزو نشرت حصيلتها بمناسبة ذكراه العاشرة- أنه كلف الولايات المتحدة وحدها ما يزيد على 801 مليار دولار، وقالت إن الدراسة لو أضافت الفوائد المرتفعة المترتبة على الديون الأميركية بسبب الحرب فإن فاتورة الغزو قد تزيد على 3 تريليونات دولار.

وفي 18 ديسمبر/كانون الأول 2011، أعلنت الولايات المتحدة أن جيشها أكمل انسحابه من العراق ذلك اليوم، تطبيقا للاتفاقية الأمنية الموقعة مع حكومة بغداد عام 2008، وبعد أن رفضت الأخيرة منح آلاف الجنود الأميركيين حصانة قانونية. وكانت بريطانيا بدأت سحب قواتها من جنوبي العراق مطلع أبريل/نيسان 2009 وأكملته بشكل نهائي يوم 22 مايو/أيار 2011.

ليست نزهة
على الضفة الأخرى، لم يكن الغزو نزهة لواشنطن، فبعد أن قادت القوات الأميركية عملية الغزو على رأس تحالف وصل قوام قواتها فيه إلى 150 ألف عنصر عسكري، وتكبدت خسائر جسيمة، أعلنتها وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” بعد انسحاب قوات بلادها من العراق عام 2011.

وفقدت الولايات المتحدة -وفقا لأرقام البنتاغون- 4487 عنصرا بالعراق منذ الغزو حتى الانسحاب، بينما تجاوز عدد الذين أصيبوا خلال العمليات العسكرية 32 ألف عنصر.

أما بريطانيا، الشريك الرئيس لواشنطن في الغزو، فقد فقدت 179 عنصرا من عسكرييها، ووصل عدد قتلى بقية دول التحالف مجتمعين إلى 139 عنصرا، هذا غير الخسائر المادية التي تحملتها واشنطن.

وتصل الخسائر المادية التي تكبدتها الولايات المتحدة في عملية الغزو إلى 1.1 تريليون دولار حسب دراسة أعدتها جامعة براون، والتي تعتقد أن الرقم سيصل إلى 2.2 تريليون بعد عام 2050، نظرا لرعاية المحاربين القدامى والمصابين وتبعات أخرى، وهو ما يفوق بكثير تقديرات الحكومة الأميركية التي تراوحت بين 50 و60 مليار دولار.

وفقدت الولايات المتحدة منذ 2003 حتى 2011 ما مجموعه 129 مروحية بين طائرات قتالية أو ناقلة، سقط معها أكثر من 277 قتيلا وحدها، أما على الأرض فقد تكبدت خسارة أكثر من 860 مركبة، تتوزع بين الدبابات والعجلات وناقلات الجنود.

رغم ذلك كله، يعتقد البعض أن خسائر الولايات المتحدة هذه لا تمثل شيئا لها مقابل المكاسب التي حققتها بالغزو أو بعد الغزو.

المصدر : الجزيرة + وكالة سند
حول

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.