قضاة تونسيون يهددون بغلق المحاكم وعميد المحامين يدعو للتعامل مع “الأمر الواقع

تونس- بلغت المعركة بين الرئيس التونسي قيس سعيّد والمجلس الأعلى للقضاء ذروتها بإغلاق مقره بالسلاسل الحديدية وتطويقه أمنيا منعا لدخول أعضائه، فيما حذرت أسلاك قضائية من مغبة هذا الإجراء مهددة بالتصعيد وخوض كل أشكال النضال دفاعا عن استقلالية القضاة ورفضا لتركيعهم.

ومنذ توليه السلطة، لا يخفي الرئيس سعيّد بحسب مراقبين عداءه للجهاز القضائي برمته من خلال توجيه اتهامات لاذعة للقضاة بالفساد وعدم الاستقلالية وخضوعهم إلى لوبيات المال ومصالح الأحزاب السياسية، كما يعتبر أن القضاء وظيفة وليست سلطة.

ومرّ الرئيس من مرحلة إطلاق التهديدات والوعيد ضد المجلس الأعلى للقضاء -أعلى سلطة قضائية مستقلة- إلى التنفيذ من خلال تكليف وزيرة العدل لإعداد مشروع قانون للمجلس الأعلى للقضاء تلاه قرار بإلغاء جميع امتيازات أعضائه.

وانتهى الأمر بالرئيس إلى إعلان توجهه نحو حل المجلس في تصريحات له من مقر وزارة الداخلية، معتبرا أنه “بات في عداد الماضي”، وبانتظار إصدار قانون أو مرسوم مؤقت بشأن تسييره.

ما موقف القضاة؟
وسبق أن عبرت أسلاك قضائية عن رفضها لقرارات 25 يوليو/تموز وتوصيفها بأنها انقلاب على الشرعية الدستورية، ما دفع سعيّد للتعليق في أحد تصريحاته بالقول “ما أسمعه وأزدريه أن يتحدث قاض عن انقلاب” مضيفا “ما دخله في ذلك؟ واجب التحفظ يقتضي أن يلتزم الصمت ويطبق القانون بكل أمانة”.

وفي حديثه للجزيرة نت أكد رئيس الجمعية التونسية للقضاة الشبان مراد المسعودي رفضهم لقرار الرئيس حل المجلس الأعلى للقضاء، مؤكدا أنهم سيخوضون كافة أشكال النضال بما فيها غلق المحاكم وتقديم استقالاتهم بشكل جماعي.

وشدد المسعودي على أن القضاة متمسكون بالعمل تحت سلطة قضائية مستقلة ممثلة أساسا في المجلس الأعلى للقضاء دون غيره، وليس تحت سطوة إجراءات أو مراسيم يقرها الرئيس ووزيرة العدل بشكل أحادي، لافتا إلى أن الإصلاح يكون في إطار قوانين وعبر آلية التشاور.

وحذّر رئيس الجمعية من مخطط يسعى له الرئيس التونسي بالسيطرة على جميع السلطات والتي بدأها باستهداف السلطة التشريعية من خلال تجميد عمل البرلمان، وصولا لغلق مقر المجلس الأعلى للقضاء تمهيدا لحله.

وكان رئيس المجلس الأعلى للقضاء يوسف بوزاخر قد أكد صباح اليوم منع مجموعة من موظفي المجلس من الدخول للمقر، مشددا على أنهم سيواصلون عملهم بالمقر أو دونه.

وقال بوزاخر إن التعليمات بإغلاق مقر المجلس “غير شرعية ولا تستند إلى القانون”، كما حمّل وزارة الداخلية التونسية مسؤولية ما يحدث.

وعبرت أسلاك قضائية عن رفضها القاطع لرغبة الرئيس في حل المجلس الأعلى للقضاء، معتبرة أنها خطوة نحو تركيع القضاة وسيطرة الرئيس عليه على غرار جمعية القضاة الشبان، والجمعية التونسية للقضاة، ونقابة القضاة التونسيين، وجمعية القاضيات التونسيات واتحاد القضاة الإداريين.

هل يرغب الرئيس في تركيع القضاء؟
من جانبه، اعتبر عميد المحامين إبراهيم بودربالة -في تصريح للجزيرة نت- أن غلق مقر المجلس الأعلى للقضاء بالسلاسل الحديدية ومنع موظفيه من الدخول لا يعدو كونه ترتيبات إدارية لتنفيذ قرار رئيس الجمهورية الذي لم يصدر بعد في مرسوم رئاسي.

وأكد بودربالة أن القضاء بحاجة إلى إصلاح وأن هذا الأمر محل إجماع حتى من القضاة أنفسهم، وفق قوله، لافتا إلى أن هيئة المحامين طالبت منذ أشهر بتغيير تركيبة المجلس الأعلى للقضاء، وبالخصوص في الأعضاء المنتمين لسلك المحاماة بهدف إتمام عملية الإصلاح.

وشدد على أن إصلاح القضاء شأن لا يعني القضاة وحدهم بل أيضا قطاعات أخرى، منها المحامون وعدول الإشهاد والتنفيذ والدولة الممثلة في وزارة العدل تحت إشراف رئيس الجمهورية المسؤول بشكل رئيسي عن تطبيق القانون في البلاد.

وحول المخاوف التي أثارها القضاة من رغبة الرئيس في الاستيلاء على صلاحيات السلطة القضائية بحل المجلس الأعلى للقضاء، اعتبر عميد المحامين أنه بعد الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها رئيس الجمهورية باتت السلطة التشريعية في يد الرئيس وأصبح من الضروري التعامل مع أي مراسيم يصدرها “كأمر واقع”.

وكانت أحزاب سياسية وتنسيقيات داعمة للرئيس قيس سعيد قد طالبت خلال وقفات احتجاجية أمس أمام مقر المجلس الأعلى للقضاء بحله وبتطهير القضاء من الفساد والفاسدين، على حد تعبيرهم.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.