فرنسا والإسلام.. تاريخ من العنف في لوحات

أعلن المرشح المحتمل للرئاسة الفرنسية إريك زمور، بلغة عنصرية صريحة كسرت بشكل رسمي كل التابوهات، على حد تعبير الإذاعة الألمانية دويتشه فيله، أنه سيخلص فرنسا من الحجاب والجلباب اللذين يمثلان “زي جيش محتل”.

زمور ليس الأول الذي يعبر عن كراهيته الصريحة للإسلام والمسلمين، فقد شبهت زعيمة حزب التجمّع الوطني اليميني مارين لوبان إقامة المواطنين المسلمين صلاة الجمعة على الطرقات بـ “الاحتلال النازي لفرنسا”.

الأمر لا يقتصر على اليمين المتطرف، فقد أطلق الرئيس إيمانويل ماكرون، والذي ينتمي لحزب “الجمهورية للأمام” الوسطي الليبرالي، تصريحات معادية للإسلام عدة مرات. وأكد أن الرسوم الكاريكاتيرية المسيئة للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) يجب ألا تتوقف. وتصريحات زمور ولوبان وماكرون وغيرهم ليست استثناءً، هي فقط غيض من فيض.

الجمهورية الفرنسية على وجه التحديد لديها تاريخ طويل مع الدين الإسلامي والمسلمين. وهناك عدد كبير من اللوحات التي سجلت طبيعة تلك العلاقة على مر قرون. معظم تلك اللوحات رسمها مستشرقون فرنسيون لا يمكن أن يكونوا بأي حال منحازين للعرب والمسلمين ضد بني جلدتهم.

الحملة الفرنسية على مصر والشام
غزا نابليون بونابرت (الذي يعتبره زمور قدوته) مصر في الأول من يوليو/تموز 1798، بحجة تحرير المنطقة من سيطرة المماليك، وبعد بسط سيطرته على الإسكندرية، احتشد له سكان القاهرة وهو في طريقه إليهم، لكنهم هزموا بسبب قلة العتاد وسوء التنظيم فيما يُعرف بمعركة الأهرامات.

صوّر الرسّام الفرنسي أنطوان غروس (1771- 1835)، في لوحة تحمل نفس الاسم، هزيمة المصريين بطريقة مهينة، حيث يظهر بونابرت على فرس أبيض في حلة عسكرية منمقة والجنود الفرنسيون من حوله يدهسون المصريين بالأحصنة ويضربونهم بالسيوف، في وقت خر معظم المصريين في اللوحة يطلبون الرحمة.

اللوحة مرسومة بطريقة كلاسيكية اهتم فيها غروس بإظهار جودة الثياب والأقمشة وديناميكية الحركة ودرامية الأحداث التي تُظهِر النصر المؤكد للفرنسيين على السكان الأصليين، وهم المصريون.

المصريون لم يستسلموا رغم ذلك. فقد اندلعت “ثورة القاهرة الأولى” ضد القوات الفرنسية لكن تم اخمادها بمنتهى الوحشية حيث قام بونابرت بمطاردة الثوار في الشوارع وأجبرهم على الانسحاب والتحصن بالمسجد الكبير، ثم أمر بضرب الجامع الأزهر بالمدفعية. كذلك أمر بإعدام الشيوخ والأئمة الذين شجعوا الناس على مقاومة الغزاة الفرنسيين.

صوّر الرسّام الفرنسي آن لوي جيرودي تريوسون (1767- 1824) -في لوحته الشهيرة “ثورة في القاهرة”– لحظة دخول الغزاة الفرنسيين المسجد الكبير. ويظهر في اللوحة الطريقة الوحشية التي تعامل بها الغزاة مع أهل هذا البلد.

ويستعرض موقع “تاريخ صورة”، التابع لوزارة الثقافة الفرنسية، تلك اللوحة معتبرًا أن قتال الفرنسيين كان “ضاريًا” وأن المصريين المتحصنين بالمسجد كانوا “متمردين”.

الأمر لم يكن أقل سوءًا بالشام حيث استولى الجيش الفرنسي على يافا ونهبها تحت قيادة بونابرت في السابع من مارس/أذار 1799. كما حاصر عكا شهرين لكنه رفع الحصار بعد أن أصاب الطاعون الدبلي عددًا من جنوده فانسحب على إثر ذلك عائدًا لمصر.

في الجزائر
استمرت الحملة الفرنسية في مصر 3 سنوات فقط، إلا أن غزو الجزائر عام 1830 كان إيذانًا ببدء 132 عامًا من الاحتلال. فقد أصبح لويس بونابرت ابن شقيق نابليون الأول إمبراطورًا للفرنسيين باسم نابليون الثالث في ديسمبر/كانون الأول 1852.

وتحت لوائه قام الجيش الفرنسي بطرد الحاميات العثمانية من الجزائر ثم شن حربًا شاملة أدت إلى سحق المقاومة المحلية بقيادة الأمير عبد القادر عام 1847. بذلك ضمت فرنسا الجزائر باعتبارها “مستعمرة فرنسية”. وفي تلك المستعمرة، ارتكبت دولة الاحتلال عددا لا حصر له من جرائم الحرب والتطهير العرقي والإبادات الجماعية.

بعدما نفى الاحتلال الأمير عبد القادر لدمشق، رأى أن تعذيب وقتل أي مجموعة تحاول الثورة سيجعل منهم عبرة إذا فكر آخرون في نفس الأمر. ومع ذلك، لم يستسلم الجزائريون. فقد كبدت المقاومة، بقيادة بومعزة المدعو الشريف محمد بن عبد الله، الذي قاد انتفاضة الغرب بجبال الونشريس وضواحيها، الغزاة خسائر فادحة.

وهو الأمر الذي جعل بومعزة مطلوبا هو وكل من سانده. فتلقى الجيش الفرنسي أوامر مباشرة من الجنرال توماس روبير بيجو، قائد القوات في الجزائر آنذاك، بالتخلص من كل العقبات التي كان من بينها عقبة احتضان القبائل لهؤلاء الثوار والتستر عليهم لحمايتهم.

بعث بيجو 5 قوافل عسكرية إلى المنطقة التي يرابط فيها بومعزة وفيالق الثوار في جبال الظهرة لمحاصرتها. اتبع الجنود سياسة الأرض المحروقة التي فرضها بيجو. وذبحت قبائل كاملة وحرقت مناطق واسعة بمن عليها من السكان.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، ارتكب الاحتلال وفق سياسة الأرض المحروقة: مجزرة قبيلة العوفية 1832، محرقة أولاد رياح 1845، محرقة الأغواط 1852، مجازر 8 مايو/أيار 1945، مجزرة 12 مايو/أيار 1956، قمع مظاهرات 11 ديسمبر/كانون الأول 1960، قمع مظاهرات 17 أكتوبر/تشرين الأول 1961 في باريس.

جديرٌ بالذكر أن معظم اللوحات التي سجلت المذابح الفرنسية بالجزائر تُزين قاعات قصر فيرساي الآن. ويقدم موقع “تاريخ صورة” نبذات عن تلك اللوحات للتذكير بأمجاد فرنسا التي على حد وصف الموقع “قامت بملحمة عسكرية مجيدة لملكية يوليو ثم للجمهورية الثانية”.

إحدى تلك اللوحات بعنوان “حصار الزعاطشة” التي رسمها جان أدولف بوسيه (1818- 1875). ويظهر فيها أهالي واحة الزعاطشة بضواحي بسكرة في الجنوب الجزائري يقاومون الغزاة. وقد أبادت فرنسا هؤلاء السكان عن بكرة أبيهم وكان عددهم يبلغ 13 ألفا.

موقف فرنسا من الإسلام لم يتغير جوهريًا منذ حملات بونابرت. فغير حظر الحجاب، أدى تهميش المسلمين، الذين يمثلون 8% من السكان، إلى انتشار البطالة بينهم، وهوما يعتبره جان بيير فيليو، أستاذ دراسات الشرق الأوسط في معهد الدراسات السياسية بباريس، سببًا كبيرًا في توجه بعض الفرنسيين المسلمين نحو العنف.

المصدر : مواقع إلكترونية

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.