ظروف موضوعية أو نهج جديد؟ لماذا تتجاهل إسرائيل تدهور صحة الأسرى المضربين؟

في السادس من أكتوبر/تشرين الأول الماضي جمّدت المحكمة العليا الإسرائيلية الاعتقال الإداري للأسير المضرب عن الطعام مقداد القواسمة (24 عاما)، لكن ذلك لا يسمح بنقله إلى مستشفى آخر ويبقي الباب مفتوحا لإعادة اعتقاله.

كانت إيمان بدر، والدة القواسمة، تأمل أن يكون القرار التالي بعد التجميد هو الإفراج عن ابنها، كما حدث مع حالات مشابهة لأسرى أضربوا عن الطعام، لكن سلطات الاحتلال تصر على تجاهل وضعه الصحي ومطلبه رغم مضي نحو شهر على تجميد اعتقاله.

تتجه أنظار بدر إلى المحاولات التي يبذلها المحامون والمنظمات الحقوقية على أمل أن يتحقق اختراق في ملفه بعد إضراب استمر 105 أيام.

وتقول للجزيرة نت إن وضع القواسمة الصحي يزداد سوءا ولا يقوى على الحركة ويرفض أخذ المدعمات أو إجراء فحوص له من قبل المستشفى.

ولليوم الـ15 على التوالي يمكث القواسمة في قسم العناية المكثفة بمستشفى “كابلان” الإسرائيلي.

أما عماد أبو هواش فيقول إن شقيقه الأسير المضرب هشام المضرب منذ 79 يوما “أصبح غير قادر على المشي، ويحضر للقاء محاميه بواسطة كرسي متحرك”.

ويضيف متحدثا للجزيرة نت أن العائلة قلقة على وضعه الصحي بعد فحوص تؤشر على بداية تراجع في عمل الكلى، وتنتظر نتيجة جهود يبذلها محاميه جواد بولص على أمل التوصل إلى حل يحفظ حياته.

وصدر يوم الجمعة الماضي ثالث أمر اعتقال إداري بحق الأسير أبو هواش المعتقل منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وذلك في اليوم الـ71 لإضرابه.

يصر القواسمة وأبو هواش و4 آخرون مضربون عن الطعام، بعضهم منذ شهور، على تحقيق مطلب الإفراج عنهم وإنهاء الاعتقال الإداري بحقهم، لكونه اعتقالا بأمر عسكري ودون سقف زمني وبلا تهمة أو محاكمة.

وفي آخر تحديث، ذكر نادي الأسير الفلسطيني، في بيان له أمس الأربعاء، أن الأسرى المضربين 6، وهم إضافة إلى القواسمة وأبو هواش: كايد الفسفوس المضرب منذ 112 يوما، وعلاء الأعرج المضرب منذ 88 يوما، وعياد الهريمي المضرب منذ 42 يوما، ولؤي الأشقر المضرب منذ 24 يوما.

ومع أن الوضع الصحي للأسرى المضربين يشهد تدهورا متسارعا، ورغم النداءات الحقوقية، فإن إسرائيل تتجاهل مطالبهم ووضعهم الصحي “وتسعى لقتلهم ببطء”، كما يحذر حقوقي فلسطيني في حديث للجزيرة نت.

في حين يقول نادي الأسير إن كافة الأسرى المضربين “يواجهون أوضاعًا بالغة الخطورة وعلى عدة مستويات”، مضيفا أن سلطات الاحتلال “تمارس تعنتًا مضاعفا في الاستجابة لمطلبهم وتستمر بالتنكيل بهم”.

لماذا التجاهل؟
في حديثه للجزيرة نت، يفسر رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس التجاهل الإسرائيلي لمطالب الأسرى المضربين بأحد احتمالين: إما ظروف موضوعية وإما نهج جديد.

عن الظروف الموضوعية يوضح أن ملف إضراب الأسرى لدى جهاز الشاباك الإسرائيلي، ومنه تأتي مبادرات الإفراج عادة، لكن قائد الجهاز تغيّر مؤخرا، والقائد الجديد يتردد في إطلاق هذا النوع من المبادرات إما حقدا وإما بهدف التعرف أكثر على هذا الملف.

وفي 11 أكتوبر/تشرين الأول الماضي صدقت الحكومة الإسرائيلية على تعيين نائب رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار لمنصب رئيس الجهاز، خلفا لناداف أرغمان.

أما الاحتمال الآخر فيرى فارس أنه “قد يكون تغييرا في سياسة الاحتلال تجاه الأسرى والمضربين، وبالتالي التوقف عن إطلاق سراحهم بالإضراب، وتركهم يموتون أو أحدهم على الأقل، بهدف إنهاء مسلسل الإضرابات الفردية الذي حقق نجاحات في السنوات الأخيرة”.

وهنا يحذر رئيس نادي الأسير من أن “الأطباء الإسرائيليين يؤكدون أن هناك خطرا فوريا يهدد حياة الأسرى في أي لحظة، وهنا تكون المصيبة، وستكون موجة غضب كبيرة جدا”.

وعن التدخلات الهادفة للضغط على الاحتلال في ملف الأسرى المضربين، يقول إن الاعتماد يكون أساسا على الأسير نفسه، ثم الضغط الشعبي والاتصالات التي تجريها السلطة الفلسطينية.

وفي الشهر الأخير، أصدرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر نداءين عاجلين عبرت فيهما عن قلقها بشأن تدهور صحة الأسيرين القواسمة والفسفوس، وقالت إنهما في “وضع خطير للغاية”، لكن كلمات اللجنة الدولية لم تجد صداها في تل أبيب.

محاولة إنهاء الإضراب الفردي
يرى مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية حلمي الأعرج أن تعنت الاحتلال في الاستجابة لمطالب الأسرى المضربين مرده الصمت الدولي على “جريمة الاعتقال الإداري التعسفي، وإبقاء إسرائيل الدولة القائمة بالاحتلال فوق المحاسبة والمساءلة الدولية”.

وأضاف في حديثه للجزيرة نت أن الاحتلال أمام هذا الصمت “يريد أن يكسر إضراب الأسرى ويفرغ سلاح الإضراب المفتوح عن الطعام من مضمونه”.

وبهذا يريد الاحتلال -حسب الأعرج- إيصال رسالة “ضمن حسابات واهمة” للأسرى الإداريين بأن “الإضراب عن الطعام غير مجد وغير فعال، وبالتالي محاولة إيقاف السلاح الأمضى في يد الحركة الأسيرة وبيد المعتقلين الإداريين، وإجبارهم على إنهاء إضرابهم، دون تحقيق الانتصار الذي اعتادوا عليه”.

يضيف الأعرج أن سياسات الاحتلال “ستبوء بالفشل وسينتصر الأسرى”، محملا الاحتلال “المسؤولية الكاملة عن حياة الأسرى المضربين”.

قتل بطيء وجريمة حرب
ويقول الحقوقي الفلسطيني إن تجاهل الأسرى المضربين “قتل بطيء وجريمة حرب، وتلذذ من الاحتلال، وتعذيب لأسرى يعتقلون دون تهمة أو محاكمة وفي غياب معايير المحاكمة العادلة، مع إهمالهم طبيا”.

وتابع “نحن أمام جريمة مركبة لهذا الاحتلال يرتكبها مع سبق الإصرار وعلى مرأى ومسمع من المجتمع الدولي”.

وعن الحل وسبل إنقاذ الأسرى، يقول الأعرج “تغيير وتفعيل آليات القانون الدولي وتوظيفها بما يجبر هذا الاحتلال على إنهاء سياسة الاعتقال الإداري، والتزامه بالمعايير الدولية في التعامل مع الأسرى”.

ويضيف “علينا الذهاب للأمم المتحدة والجمعية العمومية، وطلب اجتماع طارئ للدول السامية الموقعة على اتفاقيات جنيف، وتفعيل كل الآليات القانونية التي نمتلكها بما في ذلك الجنائية الدولية”.

وفي مارس/آذار الماضي، قال مكتب المدعية العامة للمحكمة الجائية الدولية إنه بدأ تحقيقا رسميا في جرائم حرب مشتبه فيها في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بعد نحو 5 سنوات من التحقيقات الأولية.

أما على الأرض، فيقول الأعرج إن المطلوب “تفعيل العمل الشعبي وإعلان حالة الاستنفار القصوى لإنقاذ الأسرى”.

واتسعت في العقدين الأخيرين ظاهرة الإضراب الفردي عن الطعام وما عرف بمعارك “الأمعاء الخاوية”، وحقق أغلب الأسرى مطالبهم بتحقيق الحرية أو تحديد موعد نهائي للإفراج عنهم.

ويقتصر الأسرى المضربون على شرب الماء، ويرفضون تناول الطعام والسوائل أو المدعمات وإجراء الفحوص الطبية.

وتعتقل إسرائيل نحو 500 أسير فلسطيني إداريا، من بين نحو 4600 معتقل في السجون الإسرائيلية.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.