(اللهم بك) باء تجلت بكل معانيها…

الحلقة الثالثة

من معاني الباء المصاحبة أو الحالية:

وهي التي يحسن في موضعها (مع) ويمكن استبدالها مع مجرورها بالحال كما قال تعالى (قد جاءكم الرسول بالحق) أي مع الحق، او محقا، وتسمى كذلك باء الحال..

فما مكمن المصاحبة في مقام (اللهم بك…) ؟

من صفات الله تعالى المعية (وهو معكم أينما كنتم) و(إن الله مع الذين اتقوا) هذه المعية التي لها دلالات المراقبة والقيومية والنصرة والحماية والتوفيق والتسديد والتحصين، وكل دلالة من هذه الدلالات هي ضرورة من الضرورات..

فالمعية منها قدري وهو إحاطة الله عزوجل بالإنسان واطلاعه عليه ومراقبته، وقيوميته سبحانه على خلقه، وهذه لا انفكاك للإنسان عنها، ولا انعزال ولا خروج عن سلطتها، مهما توارى، ومهما تحصن..

ومنها كسبي، وهو ما يتطلع له العبد من نصرة الله وتأمينه وتحصينه وحمايته وتوفيقه وتسديده، والعفو عنه والتجاوز عن زلاته، فاعتقاد العفو والتجاوز ناتج عن الإيمان بالمعية والمراقبة، فلا غنى للإنسان عن هذه المعية، مهما قويت أسبابه، وتعددت إمكاناته، وتطورت دفاعاته وحماياته، فيبقى دائما عاجزا فقيرا ضعيفا محتاجا ومضطرا لتلك المعية، وإن لم يعبر عن ذلك أو يعتقده أو يتجاهله او يعانده، فهو بحاجة ماسة إليها أدرك ذلك أم لم يدركه، لأنه تلك الحاجة هي أحد أركان مخلوقيته ( أنتم الفقراء إلى الله )

فإذا ألهتنا المعيات، وحصنتنا الحصون، وأمنتنا الأَمْنيات، حتى غفلنا أو جهلنا قدر وأهمية تلك المعية الأصلية الضرورية قلنا اللهم بك..
فالمعية هنا أمكن وأضمن وامعن…

وقد سبق أن هذه الباء تسمى الحالية أو باء الحال، وهي كذلك هنا، فهو نداء وتعرض لنفحات ذلك النداء، وتهيئ لاستقبال إجاباته، فاللهم بك بمعنى نناديك يا ألله متألهين لك متعبدين بهديك، متسننين بسنتك..فاللهم بك..

ومن معاني الباء الظرفية:

وهي التي تأتي بمعنى (في) كقوله تعالى( ونصركم الله ببدر) اي في بدر..

فما مكمن الظرفية في هذا المقام (اللهم بك) ؟

إذا ذكرت الظرفية فقد وجه النظر إلى التفاصيل، وإذا ذكرت الظرفية برز معنى الإحاطة، وإذا ذكرت الظرفية بدا معنى الحماية وكل هذه المعاني واردة في اللهم بك..

ونحن نتأمل معنى الحب في الله مثلا، نجد الحب مظروفا في الله، في أسمائه وصفاته، في ربوبيته وسننه الكونية، في ألوهيته وعبوديته وموافقة شرعه، فكذلك الأمر هنا، فإذا كان الحب مظروفا في تلك المعاني، فمن باب اولى أن يظرف المحب والمحبوب، وجميع الخلق مظروفون بربوبية الله وعبوديته، فإن كانوا مظروفين في الربوبية قدرا، فهم فقراء لظرف الالوهية والعبودية ضرورة ومآلا..

فإذا أغرقنا في التفاصيل، وغمرتنا الظرفيات، واغفلتنا الاوعية والالبسة، والظروف سراءها وضراءها، فلا غنى لنا عن ظرفية الربوبية، وظرفية الألوهية، وظرفية الوحي فعجبا لأمر المؤمن إن امره كله خير، إن أظرفته السراء تذكر ظرفية الرب بالشكر، وإن أظرفته الضراء، تذكر ظرفية الرب بالصبر.. فاللهم بك..

إلى حلقة أخرى مع تجليات أخرى لباء (اللهم بك)

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.