ما أفلح قوم ولوا أمرهم عسكرا

تحدث الناس كثيرا فيما جرى في شهادتي الشيخين محمد حسين يعقوب ومحمد حسان بين متشف ومنتقد وشامت وساخر ومدافع مسوغ ومنصف موضوعي ومادح مبالغ..
وبغض النظر عما جرى في الشهادتين من اسئلة وأجوبة وأحداث وهل هي حقيقة شهادة أم استنطاق ومحاكم تفتيش؟

بغض النظر عن كل ذلك، فمناقشته والحديث عنه هو حديث عن العرَض مع الغفلة عن السبب والدافع، وهو تلك الطامة الكبرى والمصيبة التي حاقت بكثير من بأمتنا منذ عقود بل قرون وهو كارثة الاستبداد، الذي شوه كل الشيء ودمر كل شيء وعاث في كل شيء، خاصة لما تولى زمامه، وسطا على سدة حكمه العسكر الذين مكانهم الحدود والسدود..

هذا التشويه المقزز بدأ في نظام الحكم وسرى في كل ميادين ومجالات الحياة:

فشوه السياسة فلا الحرية بقيت حرية، ولا الديموقراطية حافظت على طهارتها، ولا مجلس النواب قام بدوره، ولا صندوق الاقتراع أنتج صوت الأغلبية، ولا الأغلبية نفذت ولا المعارضة عارضت، تشويه في تشويه رسوم ومصطلحات تلاك وتلاك لا طعم لها ولا مذاق ولا رائحة ولا أثر، بل قلبت وشوهت وتعسكرت..

وشوه الإعلام، فأصبح بوقا وببغاء يردد ما كتب له من خلف الكاميرا أو المايكروفون دون احترام للعقول أو الفهوم، فصار المزيف للحقائق والقالب للمفاهيم، والمزين للظلم، والمصفق لكل قرار، والمشيد بكل قمع، والمجتهد في التشويه، والمسبح بحمد ولي النعمة..
بعد ان كان صوت الحق والشعب والحرية والعدل والنقل للحقيقة والامانة والنزاهة في النقل..

وشوه أهل الدين والفكر، فصاروا بين مقموع مدفوع مشوه متروك مهمل مطروح ومهان، وبين مزين وملمع ومسخر لنور الوحي وإشعاع الفكر لإخفاء ظلمة الظلم تدليسا وكذبا وافتراء… فكر واستدلال عند طلب السيد، مع قرابين تقدم قبل الطلب، وبعد الطلب، في جو مقزز يبعث على الغثيان..حينما تسخر الطهارة لتلميع النجاسة، ويسخر النور لتجميل الظلام، وتستعمل مكامن الأمانة للتسويق لأوكار الخيانة..

وشوه القضاء، الذي هو مناط العدل الحامي للحقوق، المدافع عن المظلوم، الرافع لكل مظلمة، الخافض لكل سوط في غير حق، فصار القاضي جلادا وحزازا للرقاب، ومتجاهلا للمظالم والحقوق، مدافعا عن الظلم والاستبداد، بل سوطا في يده يرمي به حيث شاء وأراد، وصارت المحاكمات مهازل تشمئز منها الفطر والعقول السليمة، وصارت الشهادات محاكم استنطاق وتفتيش محددة الجواب وإلا فالقطع للرقاب..

وشوه الاقتصاد والثقافة والتعليم والصحة والمجتمع والمواطن والإنسان، والعقل والدين وكل شيء سرى إليه التشويه، ومن ذلك التشويه مناقشة الأعراض والوقوف عندها والتنابز بالألقاب مع الغفلة عن الدوافع والأسباب، تشويه في تشويه في تشويه يدفعنا إلى قول : ما أفلح قوم ولوا أمرهم مستبدا خاصة إذا كان عسكرا..

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.