فرق بين التخلص من الظالم وبين تكفيره

د ياسر عبد التواب

هناك فرق بين الكفر كفعل او قول وبين تكفير من يقوم به
لاحتمال الجهل او السهو او الخطأ او الاضطرار

كما أن هناك فرق بين التخلص من الظلم والظالمين أو المعتدين وجواز ذلك ؛ وبين من يمانع عن مواجهتهم خشية تكفيرهم أو اعتقاد عدم زوال عصمة دمائهم مهما فعلوا !

وهناك أيضا فرق بين إجراء أحكام الدنيا في تكفير من بدا لنا كفره وبين أحكام الآخرة التي قد يعذر الله تعالى من يقول أو يفعل لعلمه تعالى بعلل أو أعذار لا نعرفها

فنحن نجري الأحكام على الناس وفقا لما يبدوه لنا ويظهر من أقوالهم وأفعالهم التي لا تحتمل التأويل

والله تعالى يتولى سرائرهم وفي هذا عصمة للأبرياء وإبعادا لدعوى الأدعياء وافتئات المفترين على غيرهم بأنهم يجرون عليهم التكفير بمنامات ومشاعر وأوهام !

كما قال عمر رضي الله عنه يَقُولُ : ” إِنَّ أُنَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمُ الْآنَ بِمَا ظَهَرَ لَنَا مِنْ أَعْمَالِكُمْ ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ وَلَيْسَ إِلَيْنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ اللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ ، وَإِنْ قَالَ إِنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ ” .
رواه البخاري

كما أن هناك فرق بين القول ولوازم ذلك القول

اي بين المعنى المباشر والمعاني غير المباشرة المبنية عليه

وهذا مما يعرفه العلماء في هذه القضايا الشائكة

يصلح مثلا على ذلك قول الرجل من بني إسرائيل لأهله إن أنا مت فاحرقوني ثم ذروا الرماد فو الله لئن قدر الله علي ليعذبني عذابا شديدا

فمقتضى كلامه ولوازم قوله يستلزمان الشك في قدرة الله تعالى عليه بعد فعله هذا في توهمه
وكما يتضمن معنى نفي البعث والقيامة

وقد قال هذا جهلا منه لكن من خشية عقوبة الله تعالى فغفر له

وفي نفس الوقت يجب أن ننتبه إلى عظم ذنب استباحة الدماء المعصومة

أريد أن أطلق هذا على من يبادر بالتكفير وعلى من يتوقف عن المطالبة بالحقوق المعتدى عليها بدعوى عدم الانخراط في ذلك خشية الوقوع في التكفير فكلاهما على خطأ

فإنَّ اول ما يقضى بين الخلائق في الدماء

والمسلم معصوم الدم والمال ، لا تُرفعُ عنه هذه العصمة إلاّ بإحدى ثلاث ؛ إذ يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لا يَحلُّ دمُ امرىءٍ مسلم إلاّ بإحدى ثلاث : كَفَرَ بعدَ إسلامهِ ، أو زَنَى بعد إحصانهِ ، أو قَتَلَ نفساً بغير نفس )) رواه الترمذي وغيره عن عثمان رضي الله عنه مرفوعا
فبخلاف الكفر هناك ايضا ما يبيح الدماء حال الاعتداء كالقتل بغير حق او الزنا

وما عدا ذلك يجب التريث والتثبت والتوقف فيه فحرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة ، بل من الدنيا أجمع . وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (( والذي نفسي بيده لقتل مؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا )) رواه النسائي عن ابن عمرو

فأقول رغم خطورة الانجراف في التكفير أو استباحة الدماء المعصومة إلا أنه في حال وضوح الاعتداء ومع القدرة على مقاومة المعتدين فهناك مخرج شرعي لمن يقاوم الظلم وهو ما ورد في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه وإن قتل كان في النار وأن من قتل دون ماله فهو شهيد
وهذا تبويب الإمام
وهذا نص الحديث
عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال فلا تعطه مالك قال أرأيت إن قاتلني قال قاتله قال أرأيت إن قتلني قال فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو في النار )

فليس مقاتلة المعتدين – بضوابطها وبعد استفراغ كافة الحلول وتجنب كافة المواجهات – بممنوعة شرعا بل تتحكم في ذلك المصالح والمفاسد ان كان الأمر متعلقا بحالة فردية
فيحددها بنفسه إن كان يملك القدرة على تمييزها

أما إن كان اتخاذ هذا القرار مما يتطلب مواجهات شاملة أو جزئية تتعلق بطائفة أو جماعة أو شعب فهذا كله يتطلب اجتهادا جماعيا من الثقات من أهل العلم وأصحاب القوة وأرباب الخبرة من المخلصين ولا ينفرد به اشخاص ولا جماعة ولا حتى العلماء دون أصحاب القوة ولا العكس بطبيعة الحال

وهو مخرج مهم للتخلص من الظلمة لكن عواقبه خطيرة حين الخطأ

فيلزم في استخدام هذا العلاج الحذر والتريث والقياس المتعقل

ومع. لك ننتبه إلى أن من يظلم شخصا أو يعتدي عليه أهون ممن يظلم شعبا ويمنعه حقوقه المشروعة

وهو بذاته أهون ممن يخون شعبه ويتعمد إيذاءه ويبادر في تجهيله وإذلاله لمصلحة الأعداء وخيانة لدوره

أو حتى سعيا وراء مصالح جائرة يتوهمها لنفسه أو لطائفته أو لحاشيته من الفسدة

فمقاومة هؤلاء أولى حين نجد القدرة دون الحاجة لتكفيرهم

وفق الله الجميع لما يحبه ويرضى

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.