طامة العقل الجزئي (2)

من مظاهر ذلك العقل الجزئي..

أن يتجاوز كل مهازل ومنكرات ومفاسد وطوام تلك المحاكمة القمعية الاستنطاقية الفاشية التفتيشية، وأن يقف عند منكر عظيم جلل لو رفع لصار المسلمون اولياء صالحين، ولزاحموا الصحابة الأكرمين، ولنالوا من العزة والقوة والسؤدد ما يحررون به الاقصى وغيره من الأراضي السليبة…
لو رفع لصار المسلمون في مصاف الدول العظيمة التي يحسب لها ألف حساب..
لو رفع لدانت لنا المشارق والمغارب..
لو رفع لصلحت الأخلاق، وعدمت الرذائل وصفت النفوس..
لو رفع لتحقق الإيمان وعلا التوحيد وفعلت المراقبة والمحاسبة والمشارطة..
لو رفع لزالت المنكرات والفواحش
لو رفع لصلح أمر الشباب وزال الإلحاد وعمت العفة..
لو رفع لعم العدل وأطلق سراح المظلومين وزال الاستبداد والظلم..
يا ترى ما هو هذا المنكر اللعين الذي لم يذكر منكر غيره او اعظم منه او يدانيه في تلك الشهادة الحرة الأبية..
إنه منكر قول : إن الأشاعرة من أهل السنة..

إنها طاااااااامة العقل الجزئي

لو سلمنا أنه منكر من القول وزور وبهتان وضلال، ألم يرد في تلك المحاكمة منكر غيره! أو أعلى منه! أو مثله!!! ألم تكن تلك المحاكمة منكرا في حد ذاتها يجب ان يستوقف حريصا مثلك على الصدح بالحق، والنهي عن المنكرات، وتتبعها بتلك المسجات الدقيقة!!
أليس الاستبداد منكرا اعظم واطم !!
أليس الظلم منكرا أخطر وأفظع !!
أليس ذلك الاستنطاق ظلم وعدوان !!
أليس الكذب والبهتان والافتراء والتأليب على المظلومين والاستعداء عليهم منكر وزور!!
أليس التأله والحكم على نوايا الناس ومقاصدهم منكر وضلال!!

أين مجساتك المنكرية من هذه المنكرات!!
أم أن هؤلاء الأشاعرة هم من سفك الدماء وهتك الأعراض، ودمر الإنسان والبنيان
هم من اعتقل وانتهك وافسد وألحد وتآمر

إنها طاااااامة العقل الجزئي

هذا على فرض ضعيف هزيل فريِّ على أنه منكر، فكيف لو علمنا أن أولئك الأشاعرة هم عامة الأمة منذ قرون وهم من حمل الدين والفقه والحديث والأصول والرواية والتاريخ كابرا عن كابر بصدق واجتهاد وإخلاص وربانية ورسوخ، قد يقع منهم الخطأ، لكنه مغمور في بحور صوابهم وخيراتهم..

فالمنكر هو الوقوف عند هذه المسألة..
والمنكر تجاوز منكرات عظام جسام والوقوف عند هذه المسألة
والمنكر هو نسف تاريخ تليد وهدم صروح بعقل جزئي جريئ..

ولست هنا أصطف في صف ذلك القاضي الكومبارس او ذلك المتغني بالأشعرية وهو في الحقيقة لا مذهب له إلا الانبطاح للبيادة وما أمر به المشير.. ولو وقف أمام ذلك القاضي الكومبارس أحد أعلام المذهب الأشعري الصادقين المنافحين للظلم لاستنطقه..

وأرى من المضيعة أن أشيد بالأشاعرة او مذهبهم ودوره في نشر الإسلام وتوطيد دعائمه، في هذا المقام، فذلك متواتر وسلسل، لا يُذكَّر به متجاهل او حاقد أو غافل أو جاهل أو صاحب عقل جزئي..
وأرى بأن الوقوف عند هذه الفرية والرد عليها والنقاش حولها من المضيعة ومن حكايات الخلاف ومظاهر ذلك العقل الجزئي..

ولو كنت صادقا حقا في بيانك للضلال لصدحت بتلك الضلالات الواضحات الجليات التي وقعت في تلك المحاكمة الضالة..
ولو كان هذا المسؤول ذا عقل في أدنى مستويات الكلية الحكمة وإن كان يرى ضلال الأشاعرة لقال للسائل معلما له مهذبا له: دع عنك هذا واقبل على ما هو أهم وأخطر..

فهذه إحدى مظاهر ذلك العقل الجزئي الذي ابتليت به هذه الأمة، ولا خلاص لها إلا بمكافحته..

سفيان أبوزيد

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.