فقه التغيير

عندما تكلم عالم الاجتماع السياسي ابن خلدون عن قضية الوصول إلى الحكم ، ( ويسميه : الملك ) أوقضية تغيير الحكم السابق ، وضع له شرطان : قوة الطالب وضعف المطلوب ، وقوة الطالب تأتي من وجود ( العصبية ) ويقصد بها : القوة الجماعية التي تمنح القدرة على المواجهة أوالقدرة على الدفاع ، أو هي الهيئة التي يتكاتف أعضاؤها في سبيل الهدف المشترك ، أي مانسميه اليوم : القاعدة الشعبية الواسعة والمفعول السياسي لهذا التكتل .
وبرأي ابن خلدون ، إن تغيير الأوضاع الفاسدة لا يتأتى بمجرد الدعوة إلى أوضاع أفضل ، بل لابد من قوة تنصر الدعوة ، فإذا اجتمعت الدعوة الدينية وكان من ورائها تكتل كبير كانت الفرصة للنجاح أكبر ، لأن الوجهة واحدة والمطلب واحد والدين يذهب التحاسد والتفرق .
وإذا قيل إن العصبية مذمومة في الشرع يرد ابن خلدون : العصبية المذمومة هي ماكانت على باطل كما كانت في الجاهلية ، قال صلى الله عليه وسلم : ” إن الله أذهب عنكم عُبية الجاهلية وفخرها بالآباء أنتم بنو آدم وآدم من تراب ” أما إذا استعين بها على حق فلا ذم فيها كما قال صلى الله عليه وسلم ” خيركم المدافع عن عشيرته مالم يأثم ” وكما جاء في الحديث : ” رحم الله أخي لوط لقد كان يأوي الى ركن شديد ومابعث الله نبياً من بعده إلا في ثروة من قومه ” أي في منعة من قومه ، وقد استفاد الرسول صلى الله عليه وسلم من معاضدة بني هاشم له مؤمنهم وكافرهم ، ومنّ الله عليه بأن آواه الى عمه ( ألم يجدك يتيماً فآوى ) كما استفاد النبي شعيب عليه السلام من قبيلته ( قالوا ياشعيب مانفقه كثيراً مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفاً ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز ) هود / 91 .
قال الشيخ الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان : ” بين تعالى في هذه الآية الكريمة أن نبيه شعيباً عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام منعه الله من الكفار وأعز جانبه بسبب العواطف العصبية والأواصر النسبية من قومه الذين هم كفار ، وهو دليل على أن المتمسك بدينه قد يعينه الله وينصره بنصرة قريبه الكافر ”
عندما تقوم اليوم الحركات الإسلامية باستلام الحكم أو المشاركة في الحكم ، هل كانت تبني أمورها على السنن الكونية في الغلب والتمكين ؟ أو على معرفة بطبائع العمران ؟ الذين ثاروا في سوريا عام 1980 على نظام الأسد العاتي المؤيد من قبل الغرب والشرق القريب والبعيد كانوا مئات وكانت النتيجة كارثية ذهب فيها خيرة شباب سوريا وقد عرفتهم كنت هناك يومها رحمهم الله ، وعندما وصلت الحركة الإسلامية الى الحكم في مصر هل كانوا يملكون عصبية مادية أومعنوية تحميهم ؟ وحتى لوقيل أنهم يملكون عدداً كبيراً هم الذي انتخبوهم ولكنهم ضيعوا هذه العصبية ، والسودان حكموها ثلاثين سنة ثم أضاعوها في يوم واحد ، ماذا كانوا يفعلون أين عصبيتهم التي تمنعهم ؟ وهكذا في تونس وهو أسؤا .
سيقال ليس الآن وقت النقد ( وطبعاً لا نتشفى لا سمح الله فقد حزنا على الأخوة في مصر وما صارت إليه الأمور ) وفي الجزائر وقفوا مع العسكر ضد جبهة الإنقاذ ، أكل هذا لا يستحق المراجعة والنقد البناء ؟ ولوفعلوا هذا أي مراجعات حقيقية لقلنا الحمد لله سيستفيد المسلمون من الأخطاء ويعدون أنفسهم للمرحلة القادمة . يقول ابن خلدون عن الثوار الذين يقومون على أهل الجور : ” إذا ذهب أحد هذا المذهب وكان محقاً ولكنه قصّر به الانفراد عن العصبية طاح في هوة الهلاك ، وإن كان من الملبسين ( أي خرج طلباً للدنيا والرئاسة ضمناً ويتظاهر بأنه من أجل الدين ) فأجدر أن تعوقه العوائق لأنه أمر الله لا يتم إلا برضاه والإخلاص له والنصيحة للمسلمين ”
محمد العبدة

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.