أحوال تركية مايو – يونيو:2021 :القضية الفلسطينية و الكيان الصهيوني

انتهى العدوان الإسرائيلي على غزة، بوقف إطلاق نار متبادل بين دولة الاحتلال وفصائل المقاومة الفلسطينية، بعد حرب استمرت لمدة 11 يومًا. وقد رحبت تركيا بانتهاء العدوان، إلا أن وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أكد أن وقف إطلاق النار لا يكفي، وأنه يجب توفير حماية دائم للشعب الفلسطيني.

لكن تداول البعض فكرة ترسيم الحدود البحرية بين فلسطين وتركيا، على غرار الاتفاق الذي عقدته تركيا مع ليبيا. وتبع الحديث عن اتفاق بحري، حديث آخر عن اتفاق أمني تتمكن من خلاله تركيا من مساعدة الشعب الفلسطيني أمنيًا وعسكريًا. وربما ساهم في الجدل الذي دار حول هذا الأمر، تصريح رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في حوار له مع قناة “خبر ترك” التركية، أن عقد اتفاقية لترسيم الحدود البحرية بين تركيا وفلسطين، أمر ممكن.

كما انتشر تصريح لرئيس أركان القوات البحرية التركية السابق، الأميرال جهاد يايجي، قال فيه إنه “بإمكان تركيا توقيع اتفاقية ترسيم حدود بحرية مع فلسطين”، لافتًا أن “المكاسب التي يمكن أن تحققها تركيا وفلسطين معًا من خلال هذه الخطوة، إذ يمكن إنشاء موقع لتركيا على غرار ما حدث في ليبيا، ولا يمكن لإسرائيل أن تكون عائقًا أمام تحقيق ذلك”.

لكن في الحقيقة، لا يمكن مقارنة الحالة الليبية بالحالة الفلسطينية لعدة أمور. أولها هو أن مَن يسيطر على السواحل في فلسطين هي دولة الاحتلال الإسرائيلي، حتى أنها تمنع الشعب الفلسطيني في غزة من الصيد إلا في حدود ضيقة، وتمنع الصيد أحيانًا بشكل كلي. وعلى هذا، فإن توقيع اتفاق بين الطرفين – إن تم- لن يدخل حيز التنفيذ.

السبب الثاني والمهم أيضًا في هذا السياق، هو أن السلطة الفلسطينية لا يمكن لها أن تعقد هكذا اتفاق دون توافق مع مصر، ويبدو أن الأخيرة ترفض خطوة كهذه، حيث انتقد بعض الإعلاميين المعروفين بتبعيتهم للنظام المصري تصريحات “هنية”، من باب أن السلطة الفلسطينية هي المخولة رسميًا بعقد أي اتفاق، وأنها الممثل الرسمي للفلسطينيين.

ويبدو أن قيادة حركة حماس متفطنة أن هناك تعقيدات حول عقد اتفاق بحري بين تركيا وفلسطين، حيث جاءت تعبيرات هنية متحفظة بشكل أو بآخر، واستعمل تعبيرات من قبيل أن “الأمر ممكن”. كما تعي حماس أن لمصر دورًا في هذا الأمر، ولذلك أكد هنية أنه “من الأنسب فتح المجال للنقاش حول هذا الموضوع، بمشاركة دول المنطقة”.

وبالطبع، فإن ترسيم الحدود البحرية بشكل عام يحقق استفادة اقتصادية للطرفين، لكن من الصعب تحقيق ذلك الآن للأسباب السابق ذكرها. ورغم هذا، فإنه قد يتأتى شيء من ذلك في المستقبل، إذا كانت هناك تسوية شاملة في حوض البحر المتوسط، تنخرط فيها جميع الدول المحاذية له.

كما أنه يجدر الإشارة إلى أن توقيع اتفاق بحري لا يجب بالضرورة أن يقترن باتفاق أمني، يُمكّن تركيا من لعب دور عسكري على الساحة الفلسطينية، على غرار ما حدث مع ليبيا. حيث إنه من الصعب جدًا توقيع اتفاق يمنح تركيا موضع قدم في فلسطين، لاعتبارات عدة تتعلق بقدرة أنقرة على تنفيذ اتفاق كهذا، في ظل الظروف الدولية والإقليمية الراهنة.

اتفاق تعاون أمني مع السلطة

صادقت تركيا أوائل الشهر الجاري على اتفاقية تعاون أمني، كانت قد وقعتها مع السلطة الفلسطينية عام 2018، لتدخل بذلك حيز التنفيذ. وتشمل الاتفاقية برامج التدريب والمساعدات والدعم في المجالات العسكرية والأمنية. وقالت صحيفة «يني شفق» التركية إنه سيتم تنفيذ مشاريع قصيرة وطويلة الأجل، بهدف زيادة قدرات قوات إنفاذ القانون الفلسطينية، من خلال تقديم التدريب والاستشارات والمساعدات الفنية.

وبموجب الاتفاق، تقرر التعاون في مكافحة غسيل الأموال والجرائم الإلكترونية، وتهريب الممتلكات الثقافية والطبيعية، ومكافحة تهريب المخدرات والاتجار بالبشر، ومكافحة تهريب المهاجرين والهجرة غير الشرعية. كما لفتت الصحيفة إلى أن تبادل المعلومات الاستخباراتية والتقنيات التشغيلية لمكافحة الإرهاب، هو أحد البنود البارزة في الاتفاق.

وكما هو واضح من بنود الاتفاق، فإن معظمه يتعلق بالتدريب والاستشارات، حول مهام شرطية داخلية، ما يعني أن هذا الاتفاق مختلف عما يتداول بشأن تكرار النموذج الليبي في فلسطين، من تدخل عسكري وما إلى ذلك.

وفي الواقع، فإن تصديق تركيا على هذا الاتفاق في هذا التوقيت له دلالة، حيث يأتي في سياق التأكيد على دعم تركيا للشعب الفلسطيني؛ لكن من المتوقع أن اتفاقًا كهذا لن يتحول إلى خدمة “القضية الفلسطينية” إلا بقرار سياسي من السلطة. ويبدو أن ذلك لن يتأتى إلا بتغيير في بنية السلطة الفلسطينية. وبدون القرار السياسي الفلسطيني، فإن الاستفادة الحقيقية للشعب الفلسطيني وقضيته ستظل محدودة جدًا.

فلسطين في لائحة التجارة التفضيلية

وفي سياق الدعم التركي للشعب الفلسطيني، أدرجت تركيا فلسطين ضمن قائمة البلدان التي تنطبق عليها قواعد المنشأ التفضيلية في التجارة. وهي القواعد المستخدمة بهدف إعطاء معاملة تفضيلية في تطبيق التعريفة الجمركية أو القيود الكمية على السلع المستوردة من بلد أو بلدان معينة.

وقد ثمن وزير الاقتصاد الفلسطيني، خالد العسيلي، القرار التركي، معتبرًا أن أهمية القرار تكمن في “دعم استراتيجية الحكومة الفلسطينية بتعزيز الانفكاك الاقتصادي التدريجي عن اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي، وتنويع الأسواق أمام المنتجات الفلسطينية وزيادة الصادرات وتشجيع الاستيراد المباشر”.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.