أحوال تركية مايو – يونيو :2021 :محور سوريا

كانت الساحة التركية خلال الشهر الماضي متخمة بالأحداث في الداخل والخارج. فعلى المستوى الداخلي، أحدثت فيديوهات رجل المافيا “سادات بكر” ضجة كبيرة، كما افتتح الرئيس أردوغان مسجد تقسيم، في حدث تاريخي بارز، كذلك اكتشفت تركيا مخزونًا جديدًا من الغاز الطبيعي في البحر الأسود.

أما خارجيًا، فهناك توقعات حول استمرار المحادثات المصرية-التركية قريبًا، بينما تمر العلاقات مع السعودية والإمارات بفتور كبير. وفي ليبيا، تدور الأحداث سريعًا وسط إشارات سلبية من معسكر حفتر تهدد المسار السياسي. كما ثار جدل الشهر الماضي حول ترسيم الحدود البحرية بين تركيا وفلسطين، على غرار ما حدث في ليبيا؛ إلا أن هناك بعض التحديات في سبيل ذلك.

وفيما يخص أوروبا والولايات المتحدة، فقد جرت اتصالات ولقاءات عدة مع القادة الأمريكيين والأوروبيين؛ إلا أن الأطراف المشاركة لم تستطع التوصل إلى حل للمسائل الجوهرية الخلافية حتى الآن.

عقد رئيس النظام السوري، بشار الأسد، انتخابات أعيد فيها انتخابه لولاية رابعة، في البلاد التي عم فيها الخراب والدمار بعد عقد من حرب طاحنة، جراء تمسك الأسد بالسلطة، واستجلابه للقوات الروسية والإيرانية والميليشيات التابعة لهما، للاستقواء بهم على الشعب السوري.

وبالطبع، فإن تركيا أحد أهم اللاعبين على الساحة التركية، وتوجهاتها حول ما يجري على الساحة السورية من أحداث معتبرة ومؤثرة بصورة أو بأخرى. وكما هو متوقع، فقد جاء الموقف التركي من الانتخابات الأخيرة بالرفض التام، وعدم اعتراف بالنتائج المترتبة عليها. فابتداءًا، رفضت تركيا التصويت في الانتخابات على أراضيها، حيث صرح معاون وزير خارجية النظام السوري، أيمن سوسان، أن كلًا من تركيا وألمانيا رفضتا إجراء التصويت في الانتخابات الرئاسية السورية على أراضيهما، معتبرًا أن ذلك القرار له خلفية سياسية وينطلق من موقفها تجاه سوريا.

كما أصدرت وزارة الخارجية التركية بيانًا قالت فيه إن الانتخابات التي يجريها النظام السوري، غير شرعية ولا تعكس الإرادة الحرة للشعب. وأكدت أن هذه الانتخابات أجريت في ظل ظروف غير حرة وغير عادلة وتتعارض مع نص وروح قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 بشأن التسوية السياسية للصراع السوري، ودعت إلى عدم السماح لمحاولات النظام الرامية إلى تأمين شرعية مصطنعة عبر الانتخابات التي تعرف نتائجها أصلًا

وبالطبع، فإن الموقف التركي نابع من عدم جدية النظام السوري وحليفيه روسيا وإيران في التوصل إلى تسوية سياسية تشمل كامل التراب السوري. ولذلك ألمحت الخارجية التركية في بيانها أن “الانتخابات تكشف في نفس الوقت عن النهج غير الصادق للنظام تجاه العملية السياسية”، وأنه من المهم ضمان استمرار العملية السياسية برعاية من الأمم المتحدة وعلى أعين وقيادة السوريين دون انقطاع.

وفي الموقف التركي الأخير، تأكيد على أن أنقرة ما زالت بعيدة عن تطبيع العلاقات مع النظام السوري، رغم التقارير التي تتحدث عن أن تركيا ستعيد علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الأسد. كما أن في ذلك تأكيد على استمرار الوضع على ما هو عليه على الساحة السورية، ما يعني أن مسـألة بقاء القوات التركية في الشمال السوري مؤكدة، فمن الصعب جدًا أن تترك القوات التركية سوريا في ظل عدم وجود تسوية شاملة لها ضمانات حقيقة لإنفاذها.

“قسد” تتلقى تطمينات أمريكية

تعد مسألة الدعم الأمريكي لتنظيم “بي كا كا” وتوابعه، أحد أبرز الأزمات بين أنقرة وواشنطن. ولا يكاد يمر لقاء أو اتصال بين مسؤولين أتراك وأمريكان إلا وتفتح تركيا حوارًا حول هذا الموضوع. ومع وصول الرئيس جو بايدن إلى البيت الأبيض، ازداد الحديث حول المدى الذي قد يذهب إليه بايدن في دعمه للتنظيمات الانفصالية في الشمال السوري.

ومن الواضح، أن إدارة بايدن عازمة على زيادة الدعم لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، حيث أعلن قائد التنظيم في شمال وشرق سوريا مظلوم عبدي، عن تطمينات تلقاها من قائد القوات الأميركية في العراق وسوريا، بول كالفيرت، وقائد القيادة المركزية الأميركية كينيث ماكينزي، خلال اجتماع معهما. وكتب على حسابه في تويتر: “لقد تلقينا رسائل عن الوجود المتواصل لقوات التحالف والتعاون المشترك لمحاربة تنظيم “داعش” والجهود المبذولة لحماية المنطقة واستتباب الأمن فيها”

بل يبدو أن إدارة بايدن ستذهب إلى أبعد من ذلك، حيث أصدرت وزارة الخارجية الأميركية، بيانًا قالت فيه إنّ القائم بأعمال مساعد وزير الخارجية جوي هود، برفقة كل من نائبة مساعد وزير الخارجية الأميركية والممثلة الخاصة بالنيابة لسوريا، إيمي كترونا، ونائب المبعوث الخاص لسوريا ديفيد براونشتاين، ومديرة مجلس الأمن القومي للعراق وسوريا في البيت الأبيض، زهرة بيل، زاروا مناطق “الإدارة الذاتية” شمال شرقي سوريا

وكان الهدف من هذا الوفد الموسع، إجراء اجتماعات مع كبار المسؤولين في “قوات سوريا الديمقراطية” و”مجلس سوريا الديمقراطية” (مسد، الجناح السياسي لقسد)، وزعماء العشائر في الرقة ونظرائهم العسكريين من “قسد” والجهات الفاعلة الإنسانية.

ووفق مصادر تحدثت لموقع العربي الجديد، فإن مهمة الوفد الرئيسية تقديم تقرير مفصل لوزارة الخارجية الأميركية، لرسم الاستراتيجية الأميركية حيال الشمال الشرقي من سوريا، وترتيب البيت الداخلي للتنظيمات الكردية، للخروج باتفاق بين فرقاء هذا البيت لتشكيل مرجعية سياسية واحدة تمثلهم في استحقاقات الحل السياسي للقضية السورى

وعلى هذا، فإن من الواضح أن إدارة بايدن تسعى بشكل جدي لإشراك التنظيمات الانفصالية بشكل رسمي، في أي عملية سياسية قادمة في سوريا، وبالتالي الوصول لإقامة كيان رسمي تحكمه “قسد” في شمال سوريا، الأمر الذي يعد خطًا أحمر بالنسبة لتركيا. ولهذا، فإن احتمالية أن تقوم تركيا بعملية عسكرية جديدة ضد “قسد” تظل مفتوحة.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.