تفسير قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ…} الآية
للشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله
( س: مذكور في القرآن الكريم: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة:256] فما معنى هذا؟
( ج: قد ذكر أهل العلم رحمهم الله في تفسير هذه الآية ما معناه: أن هذه الآية خبر معناه: النهي، أي: لا تكرهوا على الدين الإسلامي من لم يرد الدخول فيه، فإنه قد تبين الرشد، وهو دين محمد ﷺ وأصحابه وأتباعهم بإحسان، وهو توحيد الله بعبادته وطاعة أوامره وترك نواهيه مِنَ الْغَيِّ وهو: دين أبي جهل وأشباهه من المشر-كين الذين يعبدون غير الله من الأص-نام والأول-ياء والملا-ئكة والأن-بياء وغيرهم، وكان هذا قبل أن يشرع الله سبحانه الج-هاد بالس-يف لجميع المشر-كين إلا من بذل الجز-ية من أهل الكتاب والمج-وس، وعلى هذا تكون هذه الآية خاصة لأهل الكت-اب والمج-وس إذا بذلوا الجز-ية والتزموا الصغ-ار فإنهم لا يكرهون على الإسلام لهذه الآية الكريمة ولقوله سبحانه في سورة التوبة: قَا-تِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْ-يَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29] فرفع سبحانه عن أهل الكتاب الق-تال إذا أعطوا الجزية والتزموا الصغار.
وثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ أنه أخذ الجز-ية من مج-وس هجر، أما من سوى أهل الكت-اب والمج-وس من الك-فرة والمشر-كين والملا-حدة فإن الواجب مع القدرة دعوتهم إلى الإسلام فإن أجابوا فالحمد لله، وإن لم يجيبوا وجب جها-دهم حتى يدخلوا في الإسلام، ولا تقبل منهم الجز-ية؛ لأن الرسول ﷺ لم يطلبها من ك-فار العرب، ولم يقبلها منهم، ولأن أصحابه  لما جاه-دوا الك-فار بعد وفاته ﷺ لم يقبلوا الجزية إلا من أهل الكت-اب والمج-وس، ومن الأدلة على ذلك قوله سبحانه: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْ-تُلُوا الْمُشْرِ-كِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: 5] فلم يخيرهم سبحانه بين الإسلام وبين البقاء على دينهم، ولم يطالبهم بجز-ية، بل أمر بق-تالهم حتى يتوبوا من الش-رك ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فدل ذلك على أنه لا يقبل من جميع المش-ركين ما عدا أهل الك-تاب والمج-وس إلا الإسلام، وهذا مع القدرة. والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقد صح عن رسول الله ﷺ أحاديث كثيرة تدل على هذا المعنى منها: قول النبي ﷺ: «أمرت أن أقا-تل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دما-ءهم وأموا-لهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل» متفق على صحته، فلم يخيرهم النبي ﷺ بين الإسلام وبين البقاء على دينهم البا-طل، ولم يطلب منهم الجز-ية، فدل ذلك: أن الواجب إكراه الكف-ار على الإسلام حتى يدخلوا فيه ما عدا أهل الك-تاب والمج-وس لما في ذلك من سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، وهذا من محاسن الإسلام، فإنه جاء بإنقاذ الكف-رة من أسباب هلا-كهم وذل-هم وهو-انهم وعذا-بهم في الدنيا والآخرة إلى أسباب النجاة، والعزة والكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة، وهذا قول أكثر أهل العلم في تفسير الآية المسئول عنها.
أما أهل الكت-اب والمج-وس فخصوا بقبول الجز-ية والكف عن قتا-لهم إذا بذلوها لأسباب اقتضت ذلك، وفي إلزامهم بالجز-ية إذ-لال وص-غار لهم، وإعانة للمسلمين على جها-دهم وغيرهم، وعلى تنفيذ أمور الشريعة ونشر الدعوة الإسلامية في سائر المعمورة، كما أن في إلزام أهل الكت-اب والمج-وس بالجز-ية حملا لهم على الدخول في الإسلام، وترك ما هم عليه من البا-طل والذ-ل والص-غار؛ ليفوزوا بالسعادة والنجاة والعزة في الدنيا والآخرة.
وأرجو أن يكون فيما ذكرنا كفاية وإيضاح لما أشكل عليكم.
وأسأل الله  أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه، إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته )
مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (287/8).تفسير قوله تعالى: {لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ…} الآية
للشيخ العلامة عبد العزيز بن باز رحمه الله
( س: مذكور في القرآن الكريم: لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ [البقرة:256] فما معنى هذا؟
( ج: قد ذكر أهل العلم رحمهم الله في تفسير هذه الآية ما معناه: أن هذه الآية خبر معناه: النهي، أي: لا تكرهوا على الدين الإسلامي من لم يرد الدخول فيه، فإنه قد تبين الرشد، وهو دين محمد ﷺ وأصحابه وأتباعهم بإحسان، وهو توحيد الله بعبادته وطاعة أوامره وترك نواهيه مِنَ الْغَيِّ وهو: دين أبي جهل وأشباهه من المشر-كين الذين يعبدون غير الله من الأص-نام والأول-ياء والملا-ئكة والأن-بياء وغيرهم، وكان هذا قبل أن يشرع الله سبحانه الج-هاد بالس-يف لجميع المشر-كين إلا من بذل الجز-ية من أهل الكتاب والمج-وس، وعلى هذا تكون هذه الآية خاصة لأهل الكت-اب والمج-وس إذا بذلوا الجز-ية والتزموا الصغ-ار فإنهم لا يكرهون على الإسلام لهذه الآية الكريمة ولقوله سبحانه في سورة التوبة: قَا-تِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْ-يَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة: 29] فرفع سبحانه عن أهل الكتاب الق-تال إذا أعطوا الجزية والتزموا الصغار.
وثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي ﷺ أنه أخذ الجز-ية من مج-وس هجر، أما من سوى أهل الكت-اب والمج-وس من الك-فرة والمشر-كين والملا-حدة فإن الواجب مع القدرة دعوتهم إلى الإسلام فإن أجابوا فالحمد لله، وإن لم يجيبوا وجب جها-دهم حتى يدخلوا في الإسلام، ولا تقبل منهم الجز-ية؛ لأن الرسول ﷺ لم يطلبها من ك-فار العرب، ولم يقبلها منهم، ولأن أصحابه  لما جاه-دوا الك-فار بعد وفاته ﷺ لم يقبلوا الجزية إلا من أهل الكت-اب والمج-وس، ومن الأدلة على ذلك قوله سبحانه: فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْ-تُلُوا الْمُشْرِ-كِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [التوبة: 5] فلم يخيرهم سبحانه بين الإسلام وبين البقاء على دينهم، ولم يطالبهم بجز-ية، بل أمر بق-تالهم حتى يتوبوا من الش-رك ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فدل ذلك على أنه لا يقبل من جميع المش-ركين ما عدا أهل الك-تاب والمج-وس إلا الإسلام، وهذا مع القدرة. والآيات في هذا المعنى كثيرة.
وقد صح عن رسول الله ﷺ أحاديث كثيرة تدل على هذا المعنى منها: قول النبي ﷺ: «أمرت أن أقا-تل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دما-ءهم وأموا-لهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل» متفق على صحته، فلم يخيرهم النبي ﷺ بين الإسلام وبين البقاء على دينهم البا-طل، ولم يطلب منهم الجز-ية، فدل ذلك: أن الواجب إكراه الكف-ار على الإسلام حتى يدخلوا فيه ما عدا أهل الك-تاب والمج-وس لما في ذلك من سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة، وهذا من محاسن الإسلام، فإنه جاء بإنقاذ الكف-رة من أسباب هلا-كهم وذل-هم وهو-انهم وعذا-بهم في الدنيا والآخرة إلى أسباب النجاة، والعزة والكرامة والسعادة في الدنيا والآخرة، وهذا قول أكثر أهل العلم في تفسير الآية المسئول عنها.
أما أهل الكت-اب والمج-وس فخصوا بقبول الجز-ية والكف عن قتا-لهم إذا بذلوها لأسباب اقتضت ذلك، وفي إلزامهم بالجز-ية إذ-لال وص-غار لهم، وإعانة للمسلمين على جها-دهم وغيرهم، وعلى تنفيذ أمور الشريعة ونشر الدعوة الإسلامية في سائر المعمورة، كما أن في إلزام أهل الكت-اب والمج-وس بالجز-ية حملا لهم على الدخول في الإسلام، وترك ما هم عليه من البا-طل والذ-ل والص-غار؛ ليفوزوا بالسعادة والنجاة والعزة في الدنيا والآخرة.
وأرجو أن يكون فيما ذكرنا كفاية وإيضاح لما أشكل عليكم.
وأسأل الله  أن يوفقنا وإياكم وسائر المسلمين للفقه في الدين والثبات عليه، إنه خير مسئول. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته )
مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز (287/8).

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.