“قريبي كان أحدهم”.. إسرائيل تقتل الفلسطينيين المصابين بأمراض عقلية

تعرّض مهند توفيق عبد الهادي، الذي كان يعاني من مرض انفصام الشخصية وكان دائما يتجول في حيه في غزة، إلى القتل برصاص القوات الإسرائيلية بالقرب من السياج الحدودي.

وفي تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” (Middle East Eye) البريطاني، قالت الكاتبة هبة جمال إنه في 30 مايو/أيار الماضي سيكون قد مر عام واحد منذ أن قتلت شرطة الحدود الإسرائيلية إياد الحلاق، وهو فلسطيني مصاب بالتوحد، حيث زعمت الشرطة أنه كان يحمل “شيئا يشبه المسدس” ولاذ بالهرب عندما أمرُوه بالتوقف. في المقابل، كان الحلاق في الواقع أعزل حينها.

كان الحلاق يعمل في مؤسّسة لذوي الاحتياجات الخاصة في البلدة القديمة بالقدس، على بعد أمتار من المكان الذي تعرّض فيه لإطلاق النار. وبدأت شرطة الاحتلال في مطاردته بعد أن اشتبهت في أنه “إرهابي” نظرا “لأنه كان يرتدي قفازات”، وبينما كان الحلاق يحاول الاختباء خلف صندوق قمامة كبير خوفا على حياته، أطلقت الشرطة الإسرائيلية النار عليه وقتلته.

في الواقع، لا يعدّ قتل الفلسطينيين المصابين بمرض عقلي بالأمر الجديد بالنسبة لإسرائيل. فعلى إثر الهجوم الإسرائيلي الأخير على غزة، الذي استمر 11 يوما وأسفر عن مقتل 248 فلسطينيا على الأقل من بينهم 66 طفلا و39 امرأة، بالإضافة إلى إصابة مئات الآخرين، حبس الفلسطينيون أنفاسهم أثناء البحث عن المفقودين.

ذكرت الكاتبة أن ابن عم زوجها مهند توفيق عبد الهادي كان أحد هؤلاء الضحايا، حيث عُثر عليه ميتا في منطقة شرقي مدينة غزة بالقرب من السياج الحدودي. لم يُقتل مهند في غارة جوية أو إثر انفجار قنبلة، بل أطلق عليه جنود الاحتلال النار دون أن يرفّ لهم جفن. كان مهند يعاني من انفصام الشخصية والاكتئاب. في المقابل، عندما يتناول دواءه، يصبح يقظا وقادرا على التفاعل مع عائلته وابنه الوحيد. مع ذلك، عندما لا يكون الدواء متوفّرا يسيطر الارتباك على مهند فتجده هائما في حيّه في خان يونس. في المقابل، كانت عائلته دائما ما تجده في النهاية.

على الرغم من رؤية شهود عيان لمهند وهو يسير نحو خط الحدود وتعرّضه للقتل من قبل قناص إسرائيلي، فإن استعادة جثته كانت تشكّل خطرا على حياتهم. ولم يستطع أي أحد إعلام عائلته بالأمر، إذ بقي جسده هناك لأكثر من أسبوع، وكل ذلك فقط لأن مهنّد لم يتمكن من الحصول على أدويته، ولأن إسرائيل تصنّف كل فلسطيني على أنه “تهديد إرهابي”.

روح جميلة
تفاقمت حالة مهند في وقت لاحق من حياته عندما كان يدرس الهندسة في ألمانيا. وعلى الرغم من أنه كان يحظى بمستقبل مشرق، فإن العزلة الاجتماعية ومشاكل الهجرة أجبرته على العودة إلى منزله في غزة.

قالت الكاتبة إن زوجها عبد الله عبد الهادي كان يذكر أن مهند “كان الألطف من بين أبناء عمه. مع ذلك، قتلت إسرائيل روحا جميلة كانت تكافح أمراضها العقلية إذ كان يحاول إعالة أسرته وابنه البالغ من العمر 3 سنوات”. وتابع عبد الله حديثه “لم يكن ليؤذي أحدا. فلماذا؟ ما الذي فعله حتى يقتلوه بهذه الطريقة؟”.

لم يَسْلَم أي أحد من القتل العشوائي للفلسطينيين ولا حتى الأطفال المصابين باضطرابات نفسية وخاصة في غزة. وكان 11 طفلا من بين الذين قُتلوا في غزة هذا الشهر يخضعون للعلاج النفسي لمساعدتهم على التعامل مع عيشهم في حالة حرب مستمرة. عموما، يعاني أكثر من ثلثي الأطفال في غزة من اضطرابات نفسية، في حين تستمر أزمة الصحة النفسية في القطاع المحاصر في الازدياد.

على سبيل المثال، شارك فتحي حرب البالغ من العمر 22 عاما في احتجاجات غزّة الحدودية عام 2018، رغبة منه في أن يتعرّض للقتل العشوائي على يد أحد القناصة الإسرائيليين، إذ كان يحاول الانتحار على ما يبدو. وعندما لم يقتله القناصة، أضرم النار في جسده في شارع مزدحم في مدينة غزة. وأدّت ظروف الحصار العسكري الذي تعيشه غزة والاعتداءات الإسرائيلية كل بضع سنوات إلى تفاقم أزمة الصحة العقلية في القطاع، حيث أبلغ برنامج غزة للصحة النفسية عن أعداد متزايدة من حالات القلق والاكتئاب والانتحار.

تبرئة من الجرائم
قتلت الشرطة الإسرائيلية أشخاصا من خارج غزة من بينهم منير عنبتاوي في فبراير/شباط الماضي، وهو فلسطيني يعيش في حيفا ويعاني من مرض نفسي. ووفقا لما ورد، أصيب عنبتاوي بنوبة نفسية على إثر مشادة حصلت بينه وبين والدته التي حاولت الاتصال بسيارة إسعاف، لكنها اتصلت بالشرطة عن طريق الخطأ مما تسبّب في وفاة ابنها، إذ صرّح ضابط الشرطة بأن تصرفه كان “بداعي الخوف الحقيقي على حياته”.

نقلت الكاتبة عن شقيق الضحية في تصريح له مع “القناة 12” في مارس/آذار الماضي متهما الشرطة “باغتيال” عنبتاوي: “لماذا 5 رصاصات؟ رصاصة واحدة كانت ستقتله”. وفي الواقع، وقعت تبرئة الضابط المتورط من قبل وزارة العدل الإسرائيلية في وقت سابق من هذا الشهر. علاوة على ذلك، يتجاوز التصنيف الشامل للفلسطينيين كإرهابيين بكثير قوات الشرطة الإسرائيلية.

عبّر جيش الاحتلال الإسرائيلي على موقع تويتر عن فخره بأن هجومه الأخير على غزة كان ناجحا، واصفا حصيلة القتلى من الفلسطينيين بأنهم “أكثر من 200 إرهابي وقع القضاء عليهم”. ومن المفترض أن يشمل هذا الرقم الفلسطينيين الضعفاء أو الذين يعانون من أمراض نفسية، مثل مهند عبد الهادي، إذ تستطيع إسرائيل أن تقتل المصابين بأمراض نفسيّة وتفلت من العقاب بسهولة”.

وختمت الكاتبة حديثها قائلة: أتمنى لك أن ترقد بسلام يا مهند إلى جانب كل فلسطيني آخر مصاب بمرض نفسي وكان ضحية جرائم الاحتلال العسكري الإسرائيلي الوحشية. وعندما نردّد عبارة “فلسطين حرة”، سنتذكر حياتك الجميلة ونعمل على ضمان عدم تكرّر هذا الأمر مرة أخرى.

المصدر : ميدل إيست آي

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.