الرباط الموصول.. بين البيت الحرام ومسرى الرسول صلى الله عليه وسلم

كتب بواسطة الشيخ عبد الله العمر

لقد أنزل الله تعالى آية تتلى في سورة تحمل اسم ( الإسراء)، وهو المسير ليلاً حيث السكينة والصفاء والهدوء والثبات. وذلك من المسجد الحرام في مكة ( أم القرى) إلى المسجد الأقصى في القدس الشريف.
قال تعالى {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.
ولقد مرّت في الآية الكثير من المقاصد القريبة معناها والبعيدة ومنها تحديداً في كلمتين ( باركنا) و (لِنُريه).
فما هي المباركة وأين؟!
إن من المفسرين من قال أن ما تعنيه الكلمة إنما هي البركة بالثمار والأنهار لا سيما وأن القرآن قد أقسم بالتين والزيتون وهما أكثر ثمار بلاد القدس وما حولها من بلاد الشام، ولكن من معنى المباركة أيضاً أن تلك البلاد خصها الله تعالى بالنبوات والمعجزات وصولاً إلى مسرى خاتم الرسالات.
وأيضاً البركة في اعتبار تلك الأرض أرض الرباط إلى يوم القيامة.
والرباط هو عنوان الجهاد حيث تبقى السنان والرماح كما البنادق والمدافع دفاعاً عنها حامية وأحزمة الرجال مشدودة وأعينهم نحوها معصوبة واعية.
ورسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: “لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك”، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: “ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس” أخرجه الطبراني.
وأما كلمة {لِنُريه} فقد رأى رسول الله أول قبلة توجه إليها في صلاته. كما رأى إخوانه من الأنبياء وصلى بهم إماما .. وكان المسجد الأقصى المحطة الفاصلة بين مكة والسماء ..
والسؤال هنا : ما الرباط بين مكة مهد الرسالة وبين القدس مسرى الرسول عليه الصلاة والسلام؟!
والجواب: هو أنّ مكة هي أرض منبع التوحيد ، وحرم الله الآمن لقوله تعالى { إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ } (سورة آل عمران : آية 96)
وأما القدس فهي أرض الجهاد والرباط وما حولها إلى يوم القيامة ؛ فإذاً هناك رباط بين عبادتين لا تتم للأمة بيان هويتها ولا ترتفع رايتها إلا بهما وهما: التوحيد والجهاد.
حيث أن أرض مكة شهدت مولد الدعوة ورفع راية التوحيد وتحطيم معالم الشرك والوثنية.
وأما القدس فهي ليست كأي مدينة فهي من حيث التاريخ تعود بتاريخها إلى أكثر من خمسة الآلاف سنة. وبذلك تُعدّ واحدة من أقدم مدن العالم وكثرة الأسماء التي أُطلقت عليها تدل على عمق تاريخها.
حيث أنه مر عليها حضارات سادت وبادت، من حكم سيدنا داوود وولده سليمان عليهما السلام ومن ثم احتل الملك البابلي نبوخذ نصر المدينة ، واستولى عليها الإسكندر الأكبر لتصبح عاصمة الإمبراطورية الرومانية المسيحية الوثنية ثم احتلها الفرس فترة من الزمن لتعود إلى حكم الرومان وبعدها ثم الفتح الإسلامي لها في نهاية عصر الفاروق الخليفة عمر رضي الله عنه تحت قيادة القائد الإسلامي أبو عبيدة الجراح رضي الله عنه ، ومن ثم بعد خمسة قرون من الحكم الإسلامي احتلها الصليبيون وأمعنوا في أهلها قتلاً وذبحاً ورفعوا راية الصليب على قبة الصخرة وقيّد الله للأمة القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي ليُطهرها من رجس الاحتلال وبعدها استولى عليها المغول من جديد وأوغلوا في أهلها القتل والسحل، وقيض الله من جديد المظفر قطز والظاهر بيبرس ليعودا بالمدينة إلى أهلها وبقيت تحت الحكم الإسلامي العثماني آخر مراحل الخلافة العثمانية الإسلامية وبعد سقوطها احتلها الإنكليز وانتدبوها فترة من الزمن ليدخلها تحت كنفهم وبتواطأ منهم ومن أذنابهم المستعربين اليهود الغاصبين تحت راية صهيونية حاقدة لتبقى مدينة الجهاد والسلام تحت حرابهم إلى يومنا هذا..
نسأل الله أن يُعيد لتلك البلاد المباركة فلسطين حريتها وللقدس مجدها وعزّتها وأن يعود الرباط الموصول بينها وبين أرض التوحيد..

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.