هل أنت حر!!

سؤال يبدو غريباً فطالما أنك تقرأ كلماتي هذه فأنت لست مسجوناً بالتأكيد، ولا مكبل اليدين أو محجوب العينين، وبالتالي فأنت حر…
ولكن إذا عرفنا أن الحرية بمعناها الواسع والشامل هي: التحرر من القيود التي تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه، سواء أكانت قيوداً مادية أو معنوية، والحرية تعني التخلص من العبودية للذات أو لشخص أو جماعة، عندها سنقف أمام مرآة أنفسنا لنجيب عن هذا السؤال بصدق وواقعية لا لشيء إلا لنعرف موطأ أقدامنا على خارطة الحياة، وماذا نريد لأنفسنا؟ ولماذا لسنا في حال أفضل؟ وكيف السبيل لنكون أفضل؟
هل أنت حر؟
ليكون جوابك (نعم) هذا يعني أن ليس في حياتك ما يكبلك، ويقيد إرادتك، أو يتحكم بك وبخياراتك وأفعالك، وبالتالي ليس هناك ما يشدك نحو العبودية…
وهنا سأعرض عليك جملة من المواقف والأحوال لتحدد مع كلٍّ منها إلى أي مدى أنت حر فعلاً ولست أسيراً لها، فلا هي تكبل قرارك، ولا تقيد رأيك، ولا توجه تفكيرك أو أفعالك…
أولاً: هل أنت أسير للقوالب الجامدة الجاهزة التي ورثتها عن أهلك وأجدادك في الكثير من عاداتك وتقاليدك؟، هل تتقيد بها وتفعلها تحت وطأة الالتزام المجتمعي، وخصوصاً ما اعتقدت أنها من الدين دون أن تكلف نفسك عناء الخروج من الصندوق، وتمتلك شجاعة التنقيب والتفكير لتعلم مدى انتمائها للدين أو بُعدها عنه، ولتتبصر أثرها السلبي عليك وعلى مجتمعك؟… مثال على ذلك: منع المرأة من الميراث بحجة عدم ذهاب المال للغريب أي لزوجها، والكثير من عادات الزواج والحداد والتفرقة بين الأولاد والبنات مما يخالف الدين، ولكنه محمي اجتماعياً بستار العادات والتقاليد.
ثانياً: هل أنت أسير ومنقاد لكل ما هو غربي تشعر حياله بالدونية والتبعية وتسعى لتقليده والتماهي به دون أي اعتبار لموافقته لثوابتك أو مبادئك أو عقيدتك؟ هل يأخذك اختلاطك بمجتمعات جديدة للانبهار بها، وتنسى أن الله سبحانه عندما أخبرنا أنه خلقنا شعوباً وقبائل لنتعارف عرف أننا سننبهر بالمختلف، وستقودنا عقدة النقص أحياناً لتقليده دون أن نتذكر تتمة الآية ذاتها: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) واضعاً سبحانه حداً للمقارنة والتفاضل بأنه الأتقى والأقرب لله سبحانه، وبذلك يصبح لدينا معيار لنصطفي من الجديد ما هو أتقى وأنفع، دون أن تُسلب إرادتنا فنذوب فيه دون وعي.
ثالثاً: هل أنت مدمن على التسوق وأسير لما يسميه الطب النفسي (الحمى الشرائية)؟ بحيث لا تستطيع أن تضبط نفسك عن شراء ما يعجبك، بغض النظر عن مدى حاجتك إليه أو تأثير شرائه على توازنك المالي أو قيامك بواجبك حيال من تعيل؟ هل تتسوق للتسوق دون أن يتعلق ذلك بمدى حاجتك لما تشتري؟ هل تغريك الإعلانات وعروض التخفيضات فتجد نفسك منقاداً لها دون أن تكون لك قدرة على تحكيم عقلك لقياس مدى حاجتك لهذه البضائع، ودون أن تمتلك إرادة على تجاهلها مهما سبب لك شراؤها من متاعب؟
رابعاً: إلى أي مدى أنت أسير لجهازك الذكي ولمواقع التواصل الاجتماعية أو الألعاب الالكترونية؟ كم تقضي من الوقت في التصفح غير المجدي؟ وإلى أي مدى تشعر بعدم الأمان إن كان جوالك بعيداً عنك؟ ما أول ما تفعله عندما تستيقظ؟ وما آخر ما تفعله قبل أن تنام؟ كم مرة تفتح جوالك دون أي هدف؟ وكم مرة فتحت مواقع التواصل لترد على رسالة أو تكتب منشوراً فاستغرقت ساعات في التصفح على غير هدى، ثم أغلقت جهازك ناسياً ما كنت تريد فعله؟
خامساً: إلى أي مدى أنت أسير للشهرة؟ لأن تكون معروفاً على مواقع التواصل مهما كلفك ذلك من سطحية أو ابتذال أو تزوير لحقيقتك أو انتهاك لخصوصيتك؟ إلى أي مدى أن حريص على (الإعجاب والتعليق والمشاركة) لمنشوراتك أو صورك أو حالاتك وتقيس مدى توازنك واستقرارك النفسي بما تحصل عليه من تفاعل؟
سادساً: هل أنت أسير لشهواتك وأهوائك تطيع هوى نفسك على حساب شرع ربك؟ قال تعالى: (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ) الجاثية 23.. هل تبرر ذنوبك ومعاصيك بكلمة: (عادي، وكل الناس تفعل ذلك) أو بضعفك واضطرارك؟ أم تحاسب على الدوام نفسك وتغربل أفعالك فتؤوب بعد الذنوب وتجتهد ألا تعود؟
سابعاً: هل أنت أسير لفضولك بتجربة كل شيء والسير على شفا الفتن، واقتحام غمار الشبهات للتعلم من خطئك ولو اضطرك هذا لأن تدفع أثماناً باهظة وترتكب المحرمات بشتى أنواعها وتسقط في قاعها؟ أم تستجمع قوتك وتضبط نفسك وتلجم رغبتك في معاقرة الفتن وتبتعد عن مقدماتها، وإن وقعت في شيء منها تسارع فتغير المكان كله دون أن ترجع أو تلتفت؟… قال تعالى مخاطباً نبيه لوط: (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ) هود 81
هذه بعض سجون العبودية التي تأسر نفوسنا مع العلم أن بعض السجون الحقيقية كانت لأصحابها أفقاً رحباً للحرية، فهذا يوسف يوسف عليه السلام عندما رادوته امرأة العزيز ونسوة المدينة عن أنفسهن دعا ربه فقال: (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) يوسف 33 ، فلم يكن ضعيفاً، بل علم أن الهروب من مواضع الفتنة عين القوة؟.. ففضل سجن المكان على سجن النفس، لأنه كان يعلم أن الدخول في شرك الفتنة هذه يتطلب تحدياً نفسياً رآه أصعب بكثير من محدودية حركته وأسر حريته المكانية، فابتغى بسجنه حرية لنفسه وخروجها من ربق عبوديته للشهوة أو الحرام.
معايير قيِّم وفقها نفسك لتعرف هل أنت حر فعلاً؟
يقول شمس التبريزي: (السجن ليس سياجاً وأسواراً، فقد يكون فكرة، وقد يكون لحظة زمنية، وقد يكون شخصاً)
فابتغ لنفسك الحرية ولا تكن مستبداً بحقها لعلك تكون على إزالة ما سواها من الاستبداد أقدر..

المصدر : موقع مجلة إشراقات

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.