هيئة كبار العلماء..لا جديد!!

بقلم الشيخ سفيان ابو زيد

يقصد كل أصحاب تخصص لترسيخ تخصصهم وتطويره والتعاون على قضاياه فيتفقون على تشكيل تجمع او اتحاد او هيئة أو جمعية…بغض النظر عن التسميات، يكون لها صوت وتأثير ودفاع عن ذلك المجال أو التخصص وتوضيح مواقفه، وتصحيح مفاهيمه، والدفاع عن حقوق أهله، وأطلق بصرك ستجد أمامك كثيرا من الهيئات الوطنية أو الدولية رسمية او مدنية في تخصصات مختلفة، ومن تلك المجالات والتخصصات، المجال الديني الذي له حضوره وخصومه وقضاياه ومواقفه وإشكالاته واحتياج الناس له، فتقوم تلك الهيئات والتجمعات على المساهمة في صيانة هذا المجال الحساس والمهم وعلى الدفاع عنه وعلى تطويره وتفعيله، وأي شرف و أي مسؤولية اخطر ولا اعظم من صيانة دين الله والمساهمة في حفظه وتطويره، ومن هنا سميت الفتوى توقيعا عن الله، فالمفتي يجتهد بصدق وتجرد ما أمكنه لتوضيح مراد الله ويسأل الله السلامة والعافية..

هذه الهيئات العلمائية كلا وجزءا تكون مصداقيتها بمدى ثباتها على تلك المقاصد والمرامي وإن تخلل ذلك أخطاء تقديرية او ظرفية فالعلماء بحور وزلاتهم أقذار وإذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث والحكم عند المالكية يسري على ما دون القلتين ما لم يتغير ويغلب القذر! وكذلك مما يساهم في ترسيخ تلك المصداقية هو محاولة التجرد والتحرر ما أمكن وعدم الازدواجية خاصة في القضايا الحاسمة والمصيرية والمبادئ والقيم والأصول، وكذلك المواكبة لقضايا الأمة والدفاع عن دينها والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ووقوف أمام الظلم والاستبداد مهما كان أصله ومنطلقه، والاعتراف بالخطإ، والسعي إلى التجديد والمراجعة والتطوير الذاتي وليس الموعز، وكلما زاغت تلك الهيئات عن هذه المعالم إما اتباعا لنظام أو لحزب تتحرك بإشارته وتسكن بأمره، تنتظر قراره لتصدر فتوى على مقاسه، وأحيانا تستبق القرار لتتعامل مع إشاراته وخواطره ومزاجه، فتجتزئ أقوال العلماء وتلوي أعناق ومفاصل النصوص وتحرف الكلم عن مواضعه، وأحيانا تاتي الفتوى جاهزة من الأقبية لا تكلف تلك الهيئة إلا التوقيع والختم، واحيانا قد تكون تلك الفتاوى والقرارات موافقة لثوابت الأمة وقضاياها ومواقفها، ولكن لأن ذلك يوافق توجه (طال عمره) أو ذلك الحزب في تلك اللحظة، ليس لأن تلك القضايا تستحق!!

فتسقط تلك الهيئة بذلك سقوطا مدويا فاضحا، ينكرها القريب قبل البعيد، والصديق والرفيق، والتلميذ والمريد..
وهذا ما كانت عليه هيئة كبار علماء آل سعود منذ أن أنشئت وإلى يومنا هذا، ولم يتغير في ذلك شيء إلا توجه آمرها وولي نعمتها، فلما كان التوحيد والحكم بما انزل الله والولاء والبراء والكتاب والسنة والجهاد والسلفية والعقيدة والدعاء على الصهاينة ومدح الإخوان وووو كانت تخدم ولي النعمة كانت المنابر والأقلام والمطابع والبرامج تصدح وتصدع بها وتتحدث عنها وتحث عليها وتضعها في اولويات أجندتها، ولما غير ولي النعمة بوصلته واتجاهه إلى التعايش والتسامح والسماح بالإلحاد وإقحام الأديان والعلمنة والتطبيع وذم الإخوان والتغريد على وتر الإرهاب، انبرت لذلك مفتية مقررة محررة مستدلة داعية خطيبة واعظة كاتبة مؤلفة..

وما الموقف من إيران بمبعدة عن هذا التحكم، فالعداء لإيران وتصويب النظر والفتوى إليها ليمر التصهين من الخلف، وبعد ذلك سيكون لهم شأن وموقف آخر مع التشيع والتأيرن، أدلته واستدلالاته جاهزة الأدراج..

إذن فالخطر ليس في التوجه الجديد، وإنما في البنية التحتية لهذه الهيئة وغيرها من الهيئات التي تدار عن بعد او التي صنعت على عين جهات لتسوغ توجهاتها وقراراتها وسياساتها دون اعتراض أو نصح أو تعديل أو تصويب مؤلهة بذلك أصحاب تلك القرارات منزهة لهم عن الزيغ والخطأ..

وليس العيب أن تكون هذه الهيئات رسمية أو تابعة لنظام أو دولة أو متعاملة مع المؤسسات الأخرى مساهمة في مسيرة الإصلاح، شريطة ان تنهج التحرر وتحاوله ما أمكن في قراراتها لا تنتظر الإملاءات ولا إشارات، ولكن البؤس كل البؤس في تلكم الهيئات التي أنشئت لذلك أو تنتظر ذلك أو تتقرب بذلك..

وهناك بقية باقية من العلماء الذين يصبرون ويصابرون ويجاهدون وينافحون ويكافحون للثبات على المبدأ وعلى الحق، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، سلمهم الله وحفظهم وثبتهم، وعلى الأمة أن تقف إلى جانبهم كما ضحوا من اجلها، وتقصدهم كما بذلوا لتوعيتها والدفاع عن حقوقها ومقدساتها..

ومن هنا ينبغي على العقلاء والأحرار من علماء هذه الأمة أن يتواصوا بالثبات والمراجعة والتجديد، وأن تساهم هيئاتهم في إخراج جيل من العلماء على نفس النهج حتى يضيق الخناق على تلكم المناشف التي يمسح فيها الطغاة أقذارهم ليثبتوا طهارتها والقذر لا يطهر بالإجماع..

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.