واعبد ربك حتى يأتيك اليقين..

بقلم سفيان أبوزيد

ما حقيقة هذا اليقين؟
لماذا سمي الموت يقينا في قوله تعالى (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) وفي قوله تعالى (حتى أتانا اليقين) ؟؟
وما الراجح في معنى اليقين في هذه الآيات؟؟

الجواب:
اليقين على ثلاثة مراتب:
الاولى: علم اليقين وهو عقلي فكري تصوري
الثاني: عين اليقين وهو معاين مشاهد
الثالث: حق اليقين وهو معاش ملموس
والموت تنطبق عليه تلك المراتب كلها
فالعلم به يقين لا يختلف اثنان ان هناك موت
وهو معاين مشاهد ممن يفقدون امامنا ويموتون
وهو معاش ملموس اذا جاء الاجل فإنه لا يستقدم ولا يستأخر
وليس هناك حقيقة شملت تلك المراتب الثلاثة غير الموت…

تأمل آخر: في قوله تعالى (واعبد ربك حتى ياتيك اليقين)
يمكن حمله على معنى اليقين الحقيقي وليس المجازي الذي هو الموت…
اي اعبد ربك وبالغ في عبادته بكل أصناف العبادة ووسع دائرة عبادتك له حتى تصل الى درجة اليقين الذي ليس معه شك، اليقين الفكري والتصوري واليقين المشاهد واليقين الملموس…

فإذا جاءك اليقين زدت طلبا له وعملا ودعوة ومحبة وإعجابا وتضحية وتفانيا وعبادة وطلبا وإصرارا وثباتا وصبرا وصدحا وتجديدا وتطويرا وهنا نفهم قوله صلى الله عليه وسلم ( افلا أكون عبدا شكورا ) مستزيدا طالبا راغبا محبا ومجددا…فالشكر ثمرة اليقين، وعلامة من علاماته، وليس الوقوف والوصول وترك العمل والعبادة والنظر والاستزادة، فهذا الطريق كلما توغلت في درب اليقين إلا وزدت جدية وجدة وتجويدا، وكلما تضاءل منسوب اليقين إلا وزدت خمولا ونكوصا وتخلفا واستهتارا وتعالما وادعاء..

وهذا الوجه الثاني ارجح عندي من الأول لأمور:

لأن فيه حملا لكلمة اليقين على الحقيقة، والحقيقة اولى من المجاز..
لأن موافق لسياق الآية وما قبلها، إذ ما قبلها كله دعوة إلى العمل والاجتهاد والإعراض عن المعاندين الجاهلين الشاكين المرتابين، وذكر لقصص السابقين، ونفي لأي ضيق قد يلحقك من ادعاءات ومزاعم المفترين المعاندين، وكل هذا علاجه بسلوك درب اليقين تأملا وتدبرا واستزادة وعبادة..

ولأنه موافق لمراد الوحي ومقصده، فما جاء الوحي بحججه وبراهينه وأدلته وأمثاله وقصصه وأخباره إلا ليكسبنا يقينا لا شك بعده ولا ريب فيه ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) وكذلك موافق لدعوته المتمثلة في الاستمرار على الصلاح والإصلاح (اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)

ولأنه موافق للمعنى الواسع الشامل للعبادة والعبودية، العلمية والعملية والروحية التي تدفع الإنسان إلى التزود والثبات وزيادة الطلب والعمل، وكل ذلك يزيد السالك يقينا عقليا وعمليا وروحيا، تتكسر عنده كل سهام التشكيك أو التتفيه أو التسفيه أو الإذلال أو التجميد أو الإمعية، فتخرج لنا عقلا حرا متوازنا ساميا سمو روحه، ورافعا ذلك الجسد المتعلق به عن كل انحطاط وتخلف..

ومما يزيد ترجيحا لهذا المعنى وصف اليقين بالإتيان، وكأنك ببذل السبب والاستمرار في الطلب، تدركك رحمة الفتح والتوفيق، وتترقي إلى مراقي الإبداع والابتكار، حتى يصبح المقصود قاصدا والقاصد مقصودا، فياتي اليقين بقده وقديده، راغبا فيك قاصدا إياك، تتمهد طرق السلوك اتجاهه وتتوالى وتتواتر مشاهده ومعالمه أمامك دون تأخر أو تمنع فكلما اجتهد في تحقيقه إلا وصار أعلم بمكانك منك بمكانه، فقصدك وأتاك، وعبر بالفعل المضارع في (يأتيك) للدلالة تلك الحركة المستمرة من طرف الإنسان عبادة عقلية وعملية وروحية ومن طرف اليقين إتيانا.

واليقين المطلوب النافع المفيد هو ما كان قبل الموت، وليس بعده، وإنما تكون الموت مصداقا وتصديقا مرئيا حسيا لما شاهده عقليا وقلبيا قبلها، فيكون جوابه: الحمد لله الذي صدقنا وعده.. وليس ( رب ارجعون )

اللهم اهدنا الى طريق اليقين وارزقنا التوفيق والسداد والإمداد
والله أعلم

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.