تقرير لـ”محسوم ووتش”: إسرائيل تمحو المقامات ومواقع العبادة الفلسطينية بـ3 إستراتيجيات

تكشف منظمة حقوقية إسرائيلية تعنى بتوثيق جرائم الاحتلال عن قيامه بالسيطرة على مقامات إسلامية في الضفة الغربية تمهيدا للعبث بها وتعريضها للخراب أو لتغيير هويتها. تحت عنوان “مفتوحة لليهود فقط” توقفت منظمة “محسوم ووتش” عند “سيطرة إسرائيل على سلاسل الجبال وقممها في جميع أنحاء الضفة الغربية ومن ضمنها أماكن العبادة المقدسة للفلسطينيين”.

في تقريرها المطول الذي تمت ترجمته للعربية من قبل مركز “مدار”، تستذكر “محسوم ووتش” أن مقامات إسلامية منتشرة في طول البلاد وعرضها وتمتاز بقبابها المطلية باللون الأبيض وعادة توجد لجانب كل منها شجرة كبيرة تظلل زائريها ممن يبحثون عن الصلاة والابتهالات من أجل الشفاء والبركات لدى الأولياء الصالحين ممن يعرفون على لسان العامة بأسماء مختلفة – “النبي” و”سيدنا” و”الولي” و”الشيخ” و”مقام”.

كما تستذكر أن الفلسطينيين كانوا يقومون بالحج إلى المقامات والبساتين المقدسة التي تحيط بها في أيام الأعياد، وللصلاة وإقامة الاحتفالات والطقوس الدينية، وكذلك للاحتفالات العائلية، مثل الأعراس، وإيفاء النذور، والمواسم، والاستجمام في الهواء الطلق، وربما أشهرها مقام النبي روبين جنوب مدينة يافا. وفي الضفة الغربية مقامات، لا يزال الفلسطينيون قادرين على التوجه إليها مثل مقام الشيخ القطرواني في عطارة، الشيخ حواس في دير غسانة، والشيخ عمار في دير دبوان. وتفيد المصادر التاريخية، العربية والأجنبية، بأن التقاليد المرتبطة بهذه المقامات تعود إلى قرون مضت وهناك شواهد تاريخية على زيارة المقامات في القرن العاشر. ويقتبس التقرير باحثين مثل توفيق كنعان وزئيف فلنائي اللذين أوردا قوائم مفصلة بالمقامات والأضرحة، ومنها ما اتخذت أسماءها مما ورد في الكتب الدينية المختلفة، التوراة والإنجيل والقرآن.

تمييز واضح بين المقامات لصالح التي تحمل أسماء توراتية

وتؤكد المنظمة الحقوقية الإسرائيلية أن جميع المواقع كانت مقدسة لدى المسلمين دون استثناء، بعضها وردت أسماؤها في التوراة مثل قبر يوسف وقبر راحيل والنبي صموئيل. ولكن منذ احتلال عام 1967 فرضت إسرائيل تمييزا واضحا بين المقامات لصالح المقامات التي تحمل أسماء توراتية. فقد حظيت باعتراف ضابط هيئة الأديان في جيش الاحتلال، وتم ترميمها وحراستها وتحولت إلى مواقع حجيج جماهيري لليهود.

المقامات المقدسة لدى المسلمين فقط لم تحظَ باعتراف الجيش بل تُركت مشاعا لخدمة احتياجات الاحتلال

أما المقامات المقدسة لدى المسلمين فقط فلم تحظَ باعتراف الجيش بل تُركت مشاعا لخدمة احتياجات الاحتلال. وبالمناسبة هذا هو حال معظم المقامات داخل أراضي 48 التي تتعرض للتهويد وتغيير تسمياتها الأصلية واستبدال طلاء قبابها من الأبيض إلى الأزرق. ويتابع التقرير: “هكذا فإن هذه المقامات مغلقة أمام الفلسطينيين بكونها سجينة في مستوطنات ومناطق تدريب بالسلاح الناري أو ضمن محميات طبيعية، وحالة صيانتها متدنية جدا تعرض استمرار وجودها للخطر”.

وتتنبه المحامية نيطع عمار شيف ضمن التقرير إلى أن هذه المقامات مواقع للتراث والدين تقع في الأراضي المحتلة، وبالتالي ينطبق عليها القانون الدولي، مما يتطلب الحفاظ عليها وفتح إمكانية وصول المؤمنين بها من السكان الخاضعين للاحتلال إليها.

عمليات المحو

بكلمات تقرير منظمة “محسوم ووتش”، فإن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية يتواصل، ويتم محو التراث الفلسطيني ومواقع العبادة، وبعد ذلك، وبدلا من ذلك، تنمو وتزدهر مواقع التراث اليهودي وتتم رعايتها. وحسب “محسوم ووتش” تتخذ “الإدارة المدنية” التابعة للاحتلال ثلاث إستراتيجيات تكمل إحداها الأخرى لمحو التراث الفلسطيني ومواقع العبادة في الضفة الغربية:

أولا: إدراج المقامات في مناطق عسكرية مغلقة -مستوطنات ومناطق تدريب عسكري- دخول الفلسطينيين ممنوع إليها مما يعني قطعا فوريا لإمكانية زيارة الفلسطينيين لدور العبادة ويُمنعون من الحفاظ عليها والحفاظ على تقاليد الأجداد فيها. وفي غياب جهة حكومية تمنع تقويضها وتمنع أعمال التخريب والكتابات المسيئة، فهي عمليا مواقع محكوم عليها بالمحو والدمار. هذه هي حال المقامات أيضا في مناطق التدريب العسكرية المغلقة، على سبيل المثال المنطقة التي تغلقها سلطات الاحتلال في سلسلة جبال بيتونيا. وهذه بالمناسبة حالة القرى الفلسطينية المهجرة داخل أراضي 48 التي يمنع ترميم أي شيء فيها بما ذلك مساجد وكنائس ومقدسات حتى باتت كافتها متداعية كما يظهر بوضوح على سبيل المثال في قرية البصة المدمرة قضاء عكا حيث تتعرض كنيسة الروم للانهدام التدريجي وكذلك مسجدها.

المحميات الطبيعية

ثانيا: وضع المقامات في نطاق المحميات الطبيعية بالإضافة إلى المقامات الموجودة مسبقا ضمن المحميات الطبيعية فإدراج المقامات في المحميات الطبيعية يضعها تحت مسؤولية أولئك المكلفين بالحفاظ على الطبيعة وليس على معالم وقيم التراث والعبادة الدينية. وبالتالي، في الممارسة العملية، يصبح موقع التراث الثقافي والديني موقعا طبيعيا كونيا مفتوحا للجميع فاقدا خصوصيته.

وتؤكد “محسوم ووتش” الإسرائيلية أن هذه الخطوة الاستعمارية تتم على عدة مراحل: لفها بالنسيان وإخراجها من التراث الفلسطيني بواسطة عدم ذكر اسم المقامات، لا على اللافتات التوجيهية في الشوارع ولا على الإشارات في المواقع؛ فعادة ما تكون الإشارات التوجيهية التي تثبتها “سلطة الطبيعة والحدائق” تدل على معالم طبيعية وليس على اسم المقام – فمثلا محمية الولي أبو إسماعيل تسمى محمية الآلهة الأطلسية! كذلك لافتات التعليمات موجودة باللغتين الإنكليزية والعبرية فقط، كما يجري حَرف مُحتوى المواقع وتسييسها بوضع اللافتات والنصب التذكارية تخليدا لذكرى ضباط ومستوطنين.

على سبيل المثال، في المناطر بجانب المقامات توجد لافتات تمجد بواسطة اقتباسات توراتية استمرار سيطرة اليهود على كل البلاد، والخرائط الموضوعة في المناطر تشير إلى أسماء المستوطنات ولكن لم يُذكر فيها أي اسم للقرى الفلسطينية في المنطقة وهذا هو حال نحو 500 قرية فلسطينية مدمرة منذ نكبة 1948.

“هيئة الأديان” التابعة للاحتلال لا تعترف بالمقامات كأماكن مقدسة

ثالثا: عدم الاعتراف في “هيئة الأديان” التابعة لجيش الاحتلال بدور العبادة الفلسطينية كأماكن مقدسة تتوجب حمايتها. جاء في موقع “الإدارة المدنية” ما يلي: المؤسسة مكلفة بتنفيذ أمر الأماكن المقدسة الذي ينص على أنه ستتم حماية جميع الأماكن المقدسة من التدنيس وأي انتهاك آخر. ومع ذلك يقول التقرير الإسرائيلي إن الوضع مختلف تماما من الناحية العملية: يتم استثمار ميزانيات ضخمة في المواقع الدينية والمقامات التي تنسب إلى شخصيات من التوراة (على سبيل المثال قبر راحيل وقبر يوسف)، فيما وصول الفلسطينيين إليها محظور منذ فترة طويلة، أما دور العبادة الفلسطينية التي أقيمت تكريما للصحابة أو الأولياء المحليين في الضفة الغربية فيتم تركها عرضة للتخريب ويمنع وصول الفلسطينيين إليها بأوامر عسكرية.

عشرات المقامات

يورد التقرير أسماء عشرات المقامات التي يتوزع المساس بها وتعريضها للتخريب والدمار، ما بين سجنها في مستوطنات ومناطق تدريب عسكري، أو إدراجها في محميات طبيعية، أو عدم الاعتراف بها من قبل “هيئة الأديان” التابعة لجيش الاحتلال. وهي كالتالي كما وردت أسماؤها في التقرير:

مقام الصحابي سلمان الفارسي، مقام أبو إسماعيل، مقام الشيخ بلال بن رباح، مقام الشيخ غنام، مقام القبيبات، مقام الشيخ محمد، مقام الشيخ أحمد القصاب، مقام الشيخ عبد الله، مقام أبو جود مقام أم الشيخ، مقام الشيخ زيتون، مقام الشيخ عيسى، مقام ابن جبل، مقام الست زهراء، مقام النبي دانيال، مقام النبي يقين، مقام النبي نون، مقام النبي غيث، مقام الشيخ أبو ليمون، مقام النبي رباح، مقام الشيخ أبو زريد، مقام الشيخ زيد، مقام الشيخ أحمد التبان، مقام مجدوب، مقام الشيخ النبي ليمون، مقام علم الهدى، مقام الشيخ أبو يزيد، مقام الشيخ القطرواني، قبر راحيل، قبر يوسف، النبي صموئيل، الحرم الإبراهيمي، النبي موسى، مقام يوشا، مقام ذو نون، مقام ذو الكفل، مقام السبعين، مقام الشيخ المفضل، مقام أبو العيزي ومقام النبي متى. يفصل التقرير موقع كل واحد من المقامات المذكورة، ووضعيته الحالية من ناحية هندسية ومعمارية والتخريب الذي ربما لحق به أو المخاطر التي تتهدده.

الجيش استولى على جبل سلمان الفارسي ومنحه لمستوطني يتسهار

ويقدم التقرير على سبيل المثال وصفا لوضع مقام الصحابي سلمان الفارسي الواقع في جبل سلمان – وهو مسجون في محمية سلمان الفارسي في قلب مستوطنة يتسهار. وتمت المصادقة على المحمية بمساحة 25 دونما، ومدخلها من خلال مستوطنة يتسهار حيث لا يُسمح للفلسطينيين بالدخول أبدا.

أقيم المقام على شرف الصحابي سلمان الفارسي وهو مبنى من طابقين له سقف قبة، محاط ببستان من البلوط القديم وبجواره بئر ماء. يقدر عالم الآثار جدعون سليماني أنه بني منذ حوالي 400 عام ويقف اليوم مهملا، الجدران تقشرت وفيها شقوق عميقة وهناك حاجة إلى ترميم وصيانة فورية في أجزاء واسعة منه.

وتؤكد المنظمة الإسرائيلية أن الإهمال واضح في كل أجزاء المقام والبئر أمامه مسدودة، وخلال زيارة ناشطات “محسوم ووتش” للموقع في 20 أبريل/ نيسان 2016، وجدن شريطا من القماش الأحمر معلقا على الحائط بالمسامير وقناعا لهندي أحمر ومفرشا أحمر على طاولة متهالكة – تم تصوير هذه العناصر التي تشير إلى استخدام الموقع كمكان للهو من قبل شبيبة المستوطنين الذين يعيشون في المنطقة.

ويتابع: “في زيارة بعد ثلاثة أشهر وجدنا فرشة في الطابق العلوي للمقام بين الحجارة التي سقطت من جدرانها. هناك شقوق في الجدران في الطابق السفلي، حجارة سقطت من الجدران، أكوام من البرغش التي تملأ المكان. وفي زيارة يوم 13 يوليو/تموز 2016 شوهد عدد من الفتيان يعتلون سطح المبنى ويطيرون طائرات ورقية من هناك”. ويشير إلى أن الموقع لا يذكر اسم المقام سلمان الفارسي بينما من ناحية أخرى، هناك لافتات وضعها مستوطنون في “متسبيه هار” لذكرى قتلى من “يتسهار” ولوحة ممولة من إحدى العائلات تشير إلى مكان مستوطنات مرئية من نقطة المراقبة، مع اقتباس توراتي جاء فيه: “لأَن جَمِيعَ الأَرْضِ التِي أَنْتَ تَرَى لَكَ أُعْطِيهَا وَلِنَسْلِكَ إلى الأَبَدِ” (التكوين 13:15)، و”الإعلان السياسي- الاستيطاني واضح خلف وضعها هنا. وبطبيعة الحال فلم يتم ذكر أي بلدة عربية في اللوحة”.

سلطة الطبيعة والحدائق

أما على لافتة سلطة الطبيعة والحدائق، فقد تمت الإشارة إلى الموقع باسم “ألوني يتسهار” بالعبرية والإنكليزية. وتنوه المنظمة الإسرائيلية إلى أن بوابة مستوطنة يتسهار مفتوحة فقط لحاملي بطاقات الهوية الإسرائيلية وحاملي جوازات السفر الأجنبية.

وتضيف: “لكن عندما وصلنا إلى البوابة في 2 آب/أغسطس 2017 مع سائق من كفر قاسم، رفض الحارس السماح له بدخول منطقة المستوطنة. وأوضح في اتصال هاتفي أن الرفض كان بسبب “الحرص على سلامة السائق” وكانت اللهجة الاستعلائية العنيفة واضحة طبعا ولا تخفي التهديد الصريح”.

حرمان ست قرى فلسطينية

يشار إلى أنه عند سفح الجبل ست قرى فلسطينية، حتى العام 1982 كان سكان القرى يؤمون المقام حيث كانت تقام الاحتفالات والتقاليد والشعائر المأخوذة عن الأجداد هناك. ولكن في العام 1982 استولى الجيش على الجبل ومنحه بأكمله بعد عام لمستوطني يتسهار، المستوطنة التي تبعد عن مدينة نابلس ثمانية كيلومترات جنوب غربها في الطرف الجنوبي لجبل جرزيم وعلى الطريق الواصل بين طولكرم ونابلس ورام الله، وهي مقامة على أراضي المواطنين المصادرة لقرى بورين وعصيرة القبلية وعوريف ومادما وحوارة.

منذ ذلك الحين أبناء بورين ومادما وعصيرة القبلية وعينبوس وعوريف وحوارة ممنوعون من زيارة الموقع المقدس. ويورد التقرير شهادة للمواطن سمير موسى من بورين فيقول: “ولدت في هذه القرية، لكن للأسف لا أستطيع الوصول إلى الكثير من المواقع التي ترتبط فيها ذكريات طفولتي وشبابي. صادر المستوطنون الجبال حول القرية وسرقوها، والتي هي في الواقع ملك للقرويين. أكثر ما يؤلم ويؤذي هو أننا كذلك غير قادرين على الوصول إلى مكاننا المقدس مسجد سلمان الفارسي الواقع على الجبل. الجبل نفسه يسمى جبل سلمان. بالنسبة لنا هذا مكان مقدس. كنا نذهب إلى هذا المسجد نصلي، وكان أطفالنا يلعبون في باحات المسجد ويتسلقون الأشجار بالقرب من المسجد. في العام 1983 تمت مصادرة هذه الأراضي بأمر عسكري. وزعم الجيش أنه صادرها لأسباب أمنية، ولم يمنح أصحاب الأرض فرصة للطعن أو الاعتراض. لقد علمنا أن فترة الاستئناف منحت المعترضين أربعين يوما فقط، لكن الرسالة جاءت متأخرة 35 يوما، تاركة خمسة أيام فقط للاستئناف – هذه الفترة الزمنية ليست كافية للناس لجمع الوثائق وتعيين المحامين للطعن في قرار مصادرة الأراضي. تمت المصادرة بأمر عسكري”.

ويتابع: “يتسهار يسكنها مستوطنون متطرفون. يقومون بتطويقنا وحرق أشجارنا ومنعنا من الوصول إلى المناطق البعيدة عن مركز المستوطنة. تم قطع وحرق الأشجار القديمة التي تعود إلى آلاف السنين. إنهم أناس ذوو ميول إجرامية. إحدى النساء أصيبت برصاصة بينما كانت تعمل على شجرة زيتون وسقطت على الأرض. المضايقات مستمرة حتى يومنا هذا. من منزلي عندما أنظر إلى الجبل أتذكر فترة طفولتي في تلك المنطقة، وبصراحة أنا مليء بالحزن والأسى. بأي حق يمنعوننا من ممارسة حقنا الطبيعي في الصلاة في مسجدنا لنستعيد ذاكرتنا ونحفظ تاريخنا وتراثنا؟”.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.