ديدي راوولت.. هل وجد نبي الكلوروكين دواء الكورونا؟

رمزي بوودن

مدون وطالب طب

في وقت كان العالم مذعورا لتوه من جائحة الكورونا التي قد بدأت تحصد ضحاياها مبكرا، خرج صباح يوم 25 فبراير 2020 البروفيسور الفرنسي “ديدي راوولت” بفيديو من مستشفى لاتيمون الجامعي بمدينة مارسيليا جنوب فرنسا يتحدث عن اكتشاف عاجل معلنا أن 500 مغ من دواء الكلوروكين لمدة عشرة أيام كانت كفيلة لتحسين حالة جميع المصابين بفيروس الكوفيد-19، لقد كان الأمر مثيرا جدا حين اعتبرها “نهاية حرب الكورونا” ثم ذهب بالقول بأنها “إحتماليا المرض التنفسي الأسهل علاجا على الإطلاق”، وهكذا أضحى راوولت حديث كل لسان سواء كان لسان طبيب أو قائد سياسي أو إعلامي أو شخص بسيط لا يعرف من الكورونا سوى إسمه، ورأى العالم أنه أمام نور نبي الكلوروكين في ليل الكورونا القاتم الذي يشتد ظلمة من وقت لآخر.

ولد ديدي راوولت في العاصمة السنغالية داكار عام 1952 ثم انتقل إلى فرنسا في عمر التاسعة قبل أن يلتحق بكلية الطب كونه تخصص والده الذي رفض تمويل أي فرع جامعي لإبنه باستثناءه، تخصص في الأمراض المعدية والبيولوجيا ثم شغل عام 2008 منصب مدير وحدة البحث في الأمراض المعدية (URMITE) بفرنسا والسنغال أين استطاع أن يكتشف عشرات من أنواع البكتيريا منها إثنان يحملان إسمه. وهو الآن أستاذ في كلية الطب بمدينة مارسيليا وحائز على لقب خبير عالمي، كما أنه مدير المعهد المتوسطي للأوبئة (IMI) وعضو في اللجنة العلمية الفرنسية لوباء الكورونا التي لا يحضر اجتماعاتها.

توصل البروفيسور الفرنسي إلى بروتوكوله العلاجي بناء على دراستين قام بها مجموعة باحثين صينيين عن طريق تقنية (le repositioning) وتعني إستخدام أدوية قديمة معروفة دون أضرار سامة ضد فيروسات جديدة في الوسط المختبري(in vitro)، انها طريقة أكثر براغماتية من البحث عن لقاح جديد ضد فيروس بالكاد نعرفه. واصل البروفيسور بحثه بناء على ما سبق- وباعتباره خبيرا في دراسة دواء الكلوروكين الذي يستخدم عادة ضد الملاريا وكذا خبرته عن فيروس (SARS CoV 1) إبن عم الفيروس الحالي- قام بتجربة سريرية نشر نتائجها يوم 20 مارس متوصلا إلى نتائج إيجابية على المرضى باستخدام بروتوكول الإيدروكسي-كلوروكين (Hydroxychloroquine) والمضاد الحيوي آزيتروميسين (Azithromycine).

عمليا في مدينة مرسيليا وبالضبط في مستشفى البروفيسور راوولت نسبة الشفاء تجاوزت 91 بالمئة، كما أن البروتوكول تم اعتماده في عديد الدول الإفريقية مثل بوركينافاسو، السنغال، المغرب
بالرغم أن الدراسة أرغمت الباحثين في مشروع (Discovery) الأوروبي على إدراج إسم الدواء في تجاربهم بعد أن تم حذفه من قبل، إلا أنها جلبت ضجة عالمية كبيرة في أوساط الأطباء الذي رأوا أن أشياء كثيرة شابها القصور في عمل ديدي راوولت تتعلق أساسا بنظام الدراسة والمعايير والخطوات المتبعة، بمعنى أن كثيرا منهم يعتقد أنها لا تستوفي معايير “دراسة” كاملة بما فيها مجلة (International Journal of Antimicrobial Agents) التي نشرتها تحت صفة “إستباقية” (pré-publication)، وعموما فقد ثم إستقبال الأمر بين الرفض والتحفظ خصوصا مع التضارب الموجود عن فعالية الدواء في الوسط الحي (in vivo) ما عدا الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أعجبه الأمر لأسباب لا علاقة لها بالطب، ووصل الأمر باتهام ديدي راوولت ب”الإحتيال العلمي” واعتبروا أن طريقة إعلانه عن العلاج كان أقرب إلى خطاب مشعوذ يستعرض سحره ه منه إلى خطاب طبيب موضوعي.

أجرى البروفيسور الفرنسي مع فريق بحثه ثلاث تجارب سريرية أخرى على المصابين، ورغم أن نتائجها تؤكد فعالية الإيدروكسي-كلوروكين، إلا أنها كانت دراسات طبية تفتقر لخطوات ميثودولوجيا دراسة كاملة من بينها: العدد القليل للحالات العيادية، اختلاف درجات خطورة هذه الحالات، غياب العناصر الشاهدة (les cas contrôles) التي تستعمل في المقارنة، التباين في جرعات الدواء المعطاة وغيرها. هذه القفزات تجاوزها ديدي راوولت مثلما تجاوز الإنتقادات معتبرا أنه شخص عملي لا يعبأ بالكلام، كما أننا “لا نحتاج لإضاعة الوقت أكثر” حسبه. رغم هذا صادقت الحكومة الفرنسية على البروتوكول بصفة محدودة للحالات شديدة الخطورة وذاك خارج الترخيص بالإعتماد والتسويق (AMM).

لكن هل يمكن القول أن ديدي راوولت قد وجد العلاج الحقيقي لفيروس الكورونا؟ الحقيقة أن هناك عدم إجماع في الوسط البحثي العالمي عن فعالية البروتوكول الفرنسي باعتبار نتائج الأبحاث متضاربة حوله، حتى أن هناك دراسات سريرية ربطت بينه وبين إرتفاع الوفيات متسببا في إضطرابات نبضات القلب (Arythmies cardiaques)، لكن عمليا في مدينة مرسيليا وبالضبط في مستشفى البروفيسور راوولت نسبة الشفاء تجاوزت 91 بالمئة، كما أن البروتوكول تم اعتماده في عديد الدول الإفريقية مثل بوركينافاسو، السنغال، المغرب وهنا في الجزائر أيضا التي تشهد انخفاضا ما في عدد الوفيات بفضله على حد قول المسؤولين، كما يتم اتباعه في دول أوروبا الناطقة بالفرنسية، أمريكا الجنوبية، الصين والولايات المتحدة الأمريكية. لذا من من غير الممكن الجزم المطلق بالإجابة على سؤال كذلك خصوصا في ميدان الطب الذي تعتبر نسبيته أكثر شيء يجعله مثيرا للإهتمام مثلما كان يخبرنا أحد أساتذتنا.

في حوار لقناة BFM، سألت الصحفية “آبولين دومالارب” الطبيب الفرنسي عن رأيه في الضجة التي تحدث بسبب دوائه، فأجاب -وهو يداعب لحيته-:”أنا لا أهتم!” كما صرح عن اتهامات وانتقادات الأطباء له:”إنها موجة إثارة، إنهم مذهولون بكون أن فيروسا قاتلا جديدا علاجه هو مجرد دواء قديم يستعمل منذ 80 سنة وبخس ومتوفر في كل العالم، إنهم يعتقدون أنني سأفوز بجائزة نوبل بسبب هذا. إنه أكثر شيء مضحك رأيته في حياتي المهنية” وأضاف:”يتصل بي أطباء ومختصون من جميع بلدان العالم سوى فرنسا، لكنني أتفهم ذلك”. لعله السبب الذي جعل فريق بحثه كله يتكون من خبراء ذوي أصول إفريقية وعربية بعيدا عن الفرنسيين.

قبل أيام نشر ديدي راوولت في حسابه على تويتر مقولة للزعيم الهندي غاندي:” في البداية سيتجاهلونك، ثم سيسخرون منك، ثم سيحاربونك وفي الأخير ستنتصر!” لا أعرف بأي مرحلة يمر راوولت الآن ولا أعرف إن كان سينتصر أم لا، لكن ما أعرفه أن الحكمة معبرة جدا.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.