عقار رمديسيفير لكورونا.. ترويج أميركي وتشكيك صيني.. بماذا يختلف عن كلوروكين؟

أعلن رئيس المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في الولايات المتحدة الدكتور أنطوني فاوتشي، أمس الأربعاء، أن عقار رمديسيفير أظهر “أثرا واضحا” في مساعدة مرضى فيروس كورونا المستجد المسبب لمرض كوفيد-19 على التعافي.

وجاء ذلك بعد نشر نتائج تجربة سريرية واسعة لهذا الدواء المضاد للفيروسات، كانت موضع ترقب شديد، معتبرا أن ذلك يشكل دليلا على أنه يمكن وقف فيروس كورونا المستجد عبر دواء.

ونقدم هنا أبرز المعطيات عن عقار رمديسيفير، ولماذا شككت دراسة صينية فيه؟ وبماذا يختلف عن عقار كلوروكين؟ وما أحدث المعطيات عنه؟ وماذا تختلف هذه العقاقير عما يسعى باحثون في جامعة أكسفورد حاليا لتطويره؟

ونبدأ أولا مع عقار رمديسيفير الذي تحدث عنه فاوتشي -مستشار الرئيس الأميركي دونالد ترامب- بتصريحاته في البيت الأبيض، بُعيد إعلان مختبر “غيلياد ساينس” الأميركي الذي ينتجه أن العقار حقق أهدافه الأولية، في أكبر وأوسع دراسة تجري حتى الآن حول هذا المرض.

وقال فاوتشي إن المعطيات تظهر أن رمديسيفير ترك أثرا واضحا ومهما وإيجابيا، في تقليص فترة شفاء مرضى فيروس كورونا المستجد، مضيفا أنها تثبت أن الدواء يمكنه وقف هذا الفيروس.

ومن المرتقب أن يصدر المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية -الذي يرأسه فاوتشي- ملخصا بالتفصيل عن النتائج.

لكن الدراسة تشكل أول إثبات على أن دواءً ما يمكنه تحسين النتائج في محاربة كوفيد-19 الذي تسبب في أكثر من 217 ألف وفاة في العالم، وألحق أضرارا كبرى بالاقتصاد العالمي.

تسريع
وفي وقت لاحق جاء في بيان أصدرته معاهد الصحة الأميركية التي أجرت الدراسة، أن عقار رمديسيفير المضاد للفيروسات أدى إلى تسريع فترة تعافي مرضى كوفيد-19 بنسبة 31%.

وأوضح البيان أنه مقارنة مع المرضى الذين تلقوا دواء وهميا، تعافى الذين عولجوا بعقار رمديسيفير الذي ينتجه مختبر غيلياد الأميركي خلال 11 يوما بدلا من 15 يوما.

وشملت التجربة 1036 مريضا في 47 موقعا في الولايات المتحدة و21 في أوروبا وآسيا، وهذه الدراسة تعد حتى الآن الأوسع نطاقا بشأن هذا العقار مما باتت نتائجه متوافرة.

وبالنسبة لمعدل الوفيات، لم تكن النتيجة بارزة، أي أن الفارق كان طفيفا بين المجموعتين، أو قد يكون ذلك مصادفة.

لكن المجموعة التي تلقت علاج رمديسيفير سجلت نسبة وفيات بلغت 8%، مقابل 11% لدى المجموعة التي تلقت علاجا وهميا، مما يشير إلى أن الدواء يعزز فرص النجاة من المرض.

يمكن وقف الفيروس
وتابع فاوتشي “أنه دليل مهم جدا ويثبت أن بإمكاننا وقف الفيروس”، مبديا تفاؤلا حذرا. واعتبر أن عقار رمديسيفير يمكن أن يصبح من الآن وصاعدا العلاج المقياس لمكافحة الحالات الخطيرة من كوفيد-19.

وقال فاوتشي إن النتائج الأولية كانت واضحة لدرجة أن المسؤولين عن التجربة قرروا نشرها ليتمكن المرضى الذين عولجوا بأدوية وهمية من الحصول من الآن وصاعدا على رمديسيفير.

وكان مختبر “غيلياد ساينس” أول من أعلن الأربعاء عن نتائج إيجابية للدراسة، وقال في بيان إن “غيلياد ساينسس تلقت نتائج إيجابية من الدراسة التي أجراها المعهد الوطني لأمراض الحساسية والأمراض المعدية على عقارها المضاد للفيروسات رمديسيفير لعلاج كوفيد-19″، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.

ويأتي ذلك فيما تجري عدة تجارب سريرية في العالم لإيجاد علاج فعال ضد كوفيد-19، علما بأن المعاهد الأميركية قد بدأت التجربة في 21 فبراير/شباط.

لكن مجلة “ذي لانسيت” الطبية نشرت الأربعاء أيضا نتائج مخيبة للآمال لدراسة صينية أضيق نطاقا تمت عبر المقارنة مع دواء وهمي، وأظهرت أن المرضى الذين عولجوا بعقار رمديسيفير لم تظهر عليهم نتائج أفضل من تلك التي سجلت بالأدوية الوهمية.

دراسة صينية متعارضة
والتعارض بين دراسات ليس أمرا غير معتاد، لكن دراسة معاهد الصحة الأميركية تعد من أكبر الدراسات، وكانت موضع ترقب شديد مع التجربة الأوروبية “ديسكوفري” التي لا تزال نتائجها منتظرة.

وكان رمديسيفير طُوّر بداية لمواجهة وباء إيبولا، ولكنه لم يعتمد لأي مرض.

وقد أجريت الدراسة الصينية من 6 فبراير/شباط حتى 12 مارس/آذار في عشرة مستشفيات في ووهان، وكانت نتائجها تسربت في 23 أبريل/نيسان لفترة وجيزة على موقع منظمة الصحة العالمية الإلكتروني.

وشارك في الدراسة الصينية 237 مريضا، ثلثاهم عولجوا بعقار رمديسيفير، وكان الأطباء يريدون أكثر من 450 مشاركا، لكن الوباء توقف في ووهان قبل التمكن من بلوغ هذا الرقم.

وكتب معد الدراسة الرئيسي البروفسور بين كاو -كما نقلت عنه المجلة- “للأسف، تجربتنا أظهرت أنه رغم أن المرضى يتحملون جيدا عقار رمديسيفير، لكن لم تظهر له فائدة مهمة مقارنة مع دواء وهمي”.

وأضاف “ليست هذه النتيجة التي كنا نأمل بها، لكن يجب الأخذ بالاعتبار أننا لم نتمكن من إشراك سوى 237 مريضا من أصل هدف 453، لأن الوباء تمت السيطرة عليه في ووهان”.

وتم إعطاء 158 مريضا عقار رمديسيفير بشكل يومي و79 دواء وهميا طوال فترة عشرة أيام.

ولم تظهر الدراسة أي فارق مهم بين المجموعتين من حيث تحسن الحالة السريرية للمرضى (21 مقابل ما معدله 23)، كما أن معدل الوفاة كان هو نفسه لدى المجموعتين وكان بحدود 14% لكل منهما.

وبحسب المعدين، فإن الدراسة محدودة بعض الشيء لأنه تم وقفها بشكل سابق لأوانه حين تراجع عدد المرضى بشكل كبير في ووهان.

وتابع البروفسور “سيكون من الضروري إجراء دراسات أخرى لتحديد ما إذا كان إعطاء علاج رمديسيفير بشكل مبكر وبجرعات أقوى أو مع أدوية أخرى مضادة للفيروسات، يمكن أن يكون أكثر فاعلية على المرضى المصابين بحالات خطرة”.

ومن أجل التوصل إلى علاج فعال، يجب النظر إلى الجرعات.

ونشرت “غيلياد ساينسس” الأربعاء أيضا نتائج لتجربة سريرية (سيمبل) جرت في الولايات المتحدة وآسيا وأوروبا، وكانت تهدف إلى مقارنة جرعتين مختلفتين من رمديسيفير.

وبحسب النتائج، فإن من شأن علاج لخمسة أيام تحسين الحالة السريرية للمرضى، بالطريقة نفسها لعلاج لعشرة أيام.

ماذا يختلف رمديسيفير عن كلوروكين؟
عقار رمديسيفير هو دواء مضاد للفيروسات، وهو يختلف عن هيدروكسي كلوروكين، فالأخير مضاد للملاريا، ووفقا لمعطيات علمية لم تثبت فعاليته في علاج كورونا.

وحذرت إدارة الغذاء والدواء الأميركية الجمعة من استخدام هيدروكسي كلوروكين مع مرضى كوفيد-19 خارج المستشفيات والتجارب السريرية، مشيرة في تحذيراتها إلى مشاكل خطيرة قد يحدثها للقلب.

وفي كندا، أفادت وكالة الصحة العامة الكندية في مذكرة نشرتها السبت على موقعها الإلكتروني، أن “كلوروكين وهيدروكسي كلوروكين قد يتسببان بأعراض جانبية خطيرة. يجب عدم استخدام هذه الأدوية إلا بإشراف طبي”.

وأعربت عن “قلقها حيال شراء بعض الأشخاص كلوروكين وهيدروكسي كلوروكين بشكل مباشر لمنع الإصابة بكوفيد-19 أو علاجه”، مشيرة إلى أن من شأن ذلك التسبب “بمشاكل خطيرة في نظام نبضات القلب”.

وأوضح بيان وكالة الصحة العامة الكندية أن هذين العقارين المصادق عليهما لمعالجة الملاريا وبعض أمراض الجهاز المناعي مثل الذئبة والتهاب المفاصل الروماتويدي، يمكن أن “يسببا أضرارا في الكبد والكلى، وانخفاضا في نسبة السكر في الدم ومشاكل في الجهاز العصبي مثل الدوار والغيبوبة ونوبات الصرع”.

واعتبرت أن هذين العقارين “يمكن أن يؤثرا على انتظام نبضات القلب، مما قد يؤدي إلى الوفاة”، مؤكدة أن “الأطفال على وجه الخصوص هم شديدو الحساسية لهذين العقارين، وحتى الجرعات الخفيفة يمكن أن تشكل خطرا عليهم”.

ولفتت إلى ضرورة الحصول على “نتائج دراسات مهمة معدة خصيصا لتحديد ما إذا كانت منافع كلوروكين وهيدروكسي كلوروكين أكبر من مخاطرهما في علاج كوفيد-19″، واعتبرت أنه في الوقت الراهن “البيانات المستمدة من التجارب السريرية محدودة، والنتائج لا تبين بشكل قاطع فاعلية هذين العقارين ضد كوفيد-19”.

وكالة الأدوية الأوروبية أيضا
ويوم الخميس الماضي، قالت وكالة الأدوية الأوروبية -ومقرها أمستردام- إن منافع دوائي كلوروكين وهيدروكسي كلوروكين “لم تثبت بعد”.

وجاء في بيان للوكالة أن “الدراسات الأخيرة تفيد بتسبب كلوروكين وهيدروكسي كلوروكين بمشاكل خطيرة وأحيانا مميتة، على صلة بمشكلات في انتظام ضربات القلب، خاصة عند أخذ جرعات كبيرة أو الاستخدام مع المضاد الحيوي أزيثرومايسين”.

واعتبرت أن هذين الدواءين يمكن أن يسببا مشاكل في الكبد والكلى، وتلفا في الخلايا العصبية يمكن أن يؤدي إلى نوبات وإلى انخفاض ضغط الدم.

وأضافت الوكالة أن بيانات التجارب السريرية للدواءين لا تزال “محدودة للغاية وغير حاسمة، ولم تثبت منافع هذين الدواءين ضد كوفيد-19”.

ماذا عن تجربة جامعة أكسفورد؟
أما تجربة جامعة أكسفورد التي بدأت قبل أيام فهي لا تعمل على إيجاد علاج لكورونا، بل لقاح: وهو مستحضر يُعطى للشخص لتكوين مناعة في جسمه ضد مرض معين، ويتكون من جراثيم المرض التي تم قتلها أو إضعافها، وعند دخولها الجسم فإنها تحفز جهاز المناعة على تكوين أجسام مضادة لمرض معين وذاكرة مناعية، بحيث يتذكر جهاز المناعة الميكروب المُمْرض فيهاجمه ويقضي عليه فورا عندما يدخل الجسم في المرة اللاحقة.

وبدأت جامعة أكسفورد أولى التجارب السريرية الخاصة باللقاح، وتشمل تجاربها في المرحلة الأولى 500 متطوع على مدى ثلاثة أسابيع، ويأمل فريق البحث في الجامعة أن يبدأ إنتاج اللقاح بصورة واسعة في سبتمبر/أيلول القادم وفي ألمانيا.

وتدعم المفوضية الأوروبية كل الجهود المبذولة في سبيل إيجاد تلك اللقاحات، وتنظم مؤتمرا دوليا عبر الإنترنت في 4 مايو/أيار لجمع التبرعات من أجل دعم مختلف سبل مواجهة انتشار الفيروس.

كما أطلقت الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، مبادرة لتسريع وتيرة إنتاج لقاحات وعلاجات من المرض.

المصدر : الجزيرة,مواقع إلكترونية,الفرنسية,رويترز،

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.