كورونا.. الفزع المصطنع

محمود عبد الهادي
كاتب صحفي وباحث فلسطيني

أكثر من ٨٠٠ ألف إصابة و٤٠ ألف وفاة تسبب فيها فيروس كورونا (كوفيد١٩) في الأشهر الثلاثة الماضية، أصابت العالم بحالة من الفزع والرعب لم يشهدها من قبل، دفعت معظم دول العالم إلى اعتماد إجراءات وقاية غير مسبوقة بغض النظر عن آثارها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية الفادحة. في حين تصيب الإنفلونزا سنوياً أكثر من مليار شخص وتودي بحياة أكثر من مليون وفاة على مستوى العالم، دون اتخاذ أي إجراءات استثنائية مثل تلك التي نشهدها في مواجهة كوفيد١٩.

ثلاثة أشهر والناس يعيشون حالة من الخوف والفزع لم يشهدوها من قبل، تعطلت المدارس والجامعات والأسواق والمؤسسات والمصانع والمطارات وحركة المواصلات ودور العبادة والأندية..، وفُرض حظر التجول، ودخل الناس فيما يشبه الحجر المنزلي حتى الآن، يتابعون أرقام الإصابات والوفيات المتصاعدة التي تبثها المؤسسات الإعلامية والجهات المختصة لحظة بلحظة، وهم في حالة شديدة من الخوف والهلع، يتخيلون فيها الموت يقف لهم بالمرصاد، في كل حركة وسكنة. وصار شعار (خليك في البيت) -الذي توحد العالم تحته- عنواناً يكشف حجم الفزع والهلع الذي يسيطر على أصحاب القرار في دول العالم قبل شعوبهم.

فهل فعلاً بلغ فيروس كيوفيد١٩هذه الدرجة من الخطورة، وبات يهدد البشرية؟
لماذا لم يتم التعامل معه على غرار الإنفلونزا؟
أم إن عوامل عديدة ساهمت في خروج الأمر عن السيطرة بغير داعٍ، ووصوله إلى ما وصل إليه؟

هذا المقال يهدف إلى إشعال الضوء الأحمر وقرع جرس الإنذار في وجه حالة الفزع والهلع التي تسود دول العالم، ويدعوها إلى الخروج منها، وإيقاف الإجراءات الاستثنائية غير المسبوقة التي قامت بها في مواجهة الفيروس، وإعادة الحياة الطبيعية إلى ما كانت عليه، والمحافظة على اقتصاداتها من الانهيار، قبل أن تنتقل إلى مرحلة أكثر تعقيداً وأصعب احتواءً؛ مستنداً في ذلك على المعلومات الواردة في تقارير الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي والمراكز الرسمية المتخصصة.

سر الفزع من كورونا:
– هل سبب الفزع نوع الفيروس وندرته وخطورته وسرعة انتشاره؟
– هل سبب الفزع هو ارتفاع عدد الإصابات والوفيات؟
– أم إنه فزع مصطنع أريد له أن يكون كذلك؟
– وإذا كان الفزع مصطنعاً؛ فما الذي ينبغي على دول العالم القيام به للتعامل معه؟

أولاً: هل الفزع بسبب نوع الفيروس وندرته وخطورته وسرعة انتشاره؟
تعرّف منظمة الصحة العالمية فيروس كورونا بأنه فصيلة كبيرة من الفيروسات المعدية التي قد تسبب المرض للحيوان والإنسان، وتتراوح حدتها عند الإنسان من نزلات البرد الشائعة إلى الأمراض الأشد ضرراً التي تصيب الجهاز التنفسي، مثل متلازمة الشرق الأوسط التنفسية والمتلازمة التنفسية الحادة (السارس)، وقد ظهر الفيروس في الصين وكوريا الجنوبية منتصف ٢٠١٥ وتم احتواؤه، ثم ظهر في صورة أخرى باسم “السارس”، وتم احتواؤه كذلك دون أية إجراءات استثنائية على النحو الذي يشهده العالم حالياً، ثم ظهر الفيروس مجدداً في الصين في ديسمبر/كانون الأول الماضي تحت اسم فيروس “كورونا المستجد” الذي تم الاصطلاح عليه لاحقاً باسم “كوفيد١٩”.

وهو كغيره من الفيروسات المسببة لنزلات البرد والتهاب الجهاز التنفسي، والتي يزداد تأثيرها على الأشخاص الذين يعانون من ضعف جهاز المناعة وأمراض الجهاز التنفسي وغيرها من الأمراض المزمنة كالقلب والسكري والضغط..، ولم يتم -حتى الآن- اكتشاف لقاح حاسم يقضي عليه، وإنما يتم الاعتماد في مقاومته على دعم جهاز المناعة في الجسم والتخفيف من أعراضه. وفيروس كورونا من الفيروسات الموسمية التي تطور نفسها وتنشط بصورة كبيرة في شهور الشتاء، وينتقل من شخص إلى شخص عن طريق الأنف أو الفم أو العين، بملامسة الرذاذ المنبعث من فم الشخص المصاب أو أنفه أثناء التنفس والعطس، ولم تثبت الدراسات حتى الآن أنه ينتقل عن طريق الهواء.

وتشير التقارير إلى إن المرض الذي تسببه الإصابة بفيروس (كوفيد١٩) خفيف بشكل عام وخاصة لدى الأطفال والشباب، وأعراضه الأكثر شيوعاً هي الحمى والإرهاق والسعال الجاف، وقد يعاني بعض المرضى من الآلام والأوجاع، أو احتقان الأنف، أو الرشح، أو ألم الحلق، أو الإسهال. وعادة ما تكون هذه الأعراض خفيفة وتبدأ تدريجياً، وقد يصاب بعض الناس بالعدوى دون أن تظهر عليهم أي أعراض ودون أن يشعروا بالمرض، ويتعافى نحو ٨٠٪ من الأشخاص دون الحاجة إلى علاج خاص، و١٥٪ منهم يحتاجون إلى علاج خاص، و٥٪ أو أقل يحتاجون إلى عناية فائقة.

“ثلاثة أشهر والناس يعيشون حالة من الخوف والفزع لم يشهدوها من قبل، تعطلت المدارس والجامعات والأسواق والمؤسسات والمصانع والمطارات وحركة المواصلات ودور العبادة والأندية..، وفرض حظر التجول، ودخل الناس فيما يشبه الحجر المنزلي حتى الآن، يتابعون أرقام الإصابات والوفيات المتصاعدة التي تبثها المؤسسات الإعلامية والجهات المختصة لحظة بلحظة، وهم في حالة شديدة من الخوف والهلع، يتخيلون فيها الموت يقف لهم بالمرصاد، في كل حركة وسكنة”

وقد أجرت العديد من المراكز المختصة مقارنات بين فيروس كوفيد١٩ وفيروس الإنفلونزا، وكانت التشابهات بينهما أكثر من الاختلافات: في التوقيت والأعراض والانتشار وكيفية العدوى وكيفية العلاج ودورة الحياة ودرجة الخطورة على أصحاب الأمراض المزمنة التنفسية والقلبية والدماغية والسكري وضغط الدم، وغير المزمنة كالسرطان والإيدز. المدة التي تظهر فيها الأعراض بعد الإصابة بفيروس كوفيد١٩ من ٥-٦ أيام وفي الإنفلونزا ٣ أيام، وتكون الأعراض في كل منهما خفيفة إلى متوسطة وأحياناً شديدة وقد تكون خطيرة تؤدي إلى الوفاة، وبينما يشكل كوفيد١٩ خطورة كبيرة على المتقدمين في السن من ذوي الأمراض المزمنة؛ فإن الإنفلونزا يشكل خطورة كبيرة على المتقدمين في السن من ذوي الأمراض المزمنة إضافة إلى الحوامل والأطفال.

هذه المعلومات ليست بقصد التهوين من شأن فيروس كوفيد١٩ والتقليل من ضرره على صحة الإنسان، ولا من ضرورة اتخاذ الإجراءات المناسبة للوقاية منه والتخفيف من آثاره، ولكنها بهدف التحقق مما إن كان الفيروس يستحق كل هذا الفزع، وينبغي التعامل معه على هذا النحو الاستثنائي غير المسبوق الذي يعيشه العالم الآن، أم إن الأمر غير ذلك؟ وقد وضحت المعلومات السابقة أنه لا يوجد فيها ما يدعو إلى الإجراءات الاستثنائية أكثر مما تحتاجه الإنفلونزا.

ثانياً: هل الفزع بسبب ارتفاع عدد الإصابات والوفيات؟
إذا كان سبب الفزع هو ارتفاع عدد الإصابات والوفيات التي خلفها كوفيد١٩ مقارنة بغيره، فمن باب أولى أن يفزع العالم بصورة أكبر لما ورد في تقرير الأمم المتحدة للوفيات في عام ٢٠١٩، الذي ذكر أن عدد وفيات العالم بلغت في هذا العام ٥٨.٤ مليون إنسان، أي بمعدل ١٦٠ ألف إنسان يومياً. هذا الرقم الإجمالي يساوي تقريباً عدد الذين قتلوا أو ماتوا بسبب الحرب العالمية الثانية بصورة مباشرة وغير مباشرة.

وصل إجمالي عدد الإصابات والوفيات التي سببها كوفيد١٩ في الشهور الثلاثة الماضية (يناير/كانو الأول – مارس/آذار) حوالي ٨٠٠ ألف إصابة و٤٠ ألف وفاة، وإذا أخذنا متوسط الأيام العشرة الأخيرة فقط من شهر مارس/آذار كمعدل يومي لهذه المدة، حيث استقر معدل الزيادة نسبياً عن الأيام الأولى لانتشار الفيروس، فسيكون المعدل اليومي حوالي ٥٨ ألف إصابة و٢٩٠٠ وفاة، فإن فيروس الإنفلونزا يتسبب سنوياً في حوالي مليار إصابة وأكثر من مليون وفاة في العالم من أصحاب الأمراض التنفسية وغير التنفسية، فإذا كان موسم الأنفلونزا هو ثمانية أشهر (من أكتوبر/تشرين الأول إلى مايو/أيار) فإن المعدل اليومي لفيروس الإنفلونزا يصل إلى ٤ مليون إصابة وأكثر من ٤٠٠٠ وفاة.
فلماذا كل هذا الفزع إذاً؟ ولماذا لم يتم التعامل مع كوفيد١٩ على غرار التعامل مع فيروس الإنفلونزا؟

شاشات الاتصال الإعلامي والتواصل الاجتماعي تحصي يومياً -حالة بحالة- إصابات كوفيد١٩ ووفياتها بصورة لم تحدث من قبل، على الرغم من أن الإصابات والوفيات التي تسببها الإنفلونزا في الوقت نفسه لم تتوقف.

ومن جهة ثانية، إذا كان الفزع بسبب ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، فإن أمراضاً أخرى معدية وغير معدية تهدد البشرية وأشد فتكاً من الإنفلونزا وكوفيد١٩ لم يحرك للعالم لها ساكناً على النحو الذي رأيناه، فأمراض القلب تفتك بحوالي ٨،٥ ملايين إنسان سنوياً، أي بمعدل ٢٣ ألف إنسان يومياً، والأمراض الدماغية تفتك بحوالي ٦،٥ ملايين إنسان سنوياً، أي بمعدل ١٨ ألف إنسان يومياً، والإيدز يحصد سنوياً حوالي ١،٨ مليون إنسان، والسل يحصد حوالي ١،٤ مليون إنسان سنوياً، والإسهال يحصد حوالي ٢،٥ مليون إنسان.

هذه الأمراض لم يفزع لها أحد على مستوى العالم باستثناء الدوائر والمراكز المختصة، ولم تتخذ أية إجراءات استثنائية لتخفيضها، ولم تنشغل بها الحكومات وأجهزة الإعلام والنخب والعوام على النحو المفزع الذي يحدث الآن.

“إذا كان الفزع بسبب ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، فإن أمراضاً أخرى معدية وغير معدية تهدد البشرية، أشد فتكاً من الإنفلونزا وكوفيد١٩، لم يحرك للعالم لها ساكناً على النحو الذي رأيناه، فأمراض القلب تفتك بحوالي ٨،٥ ملايين إنسان سنوياً، أي بمعدل ٢٣ ألف إنسان يومياً، والأمراض الدماغية تفتك بحوالي ٦،٥ مليون إنسان سنوياً، أي بمعدل ١٨ ألف إنسان يومياً، والإيدز يحصد سنوياً حوالي ١،٨ مليون إنسان، والسل الذي يحصد حوالي ١،٤ مليون إنسان سنوياً، والإسهال الذي يحصد حوالي ٢،٥ مليون إنسان”

لقد أظهرت بيانات الجدول السابق أن معدل الوفيات التي يتسبب فيها كوفيد١٩ هو أعلى بكثير من معدل الوفيات التي يتسبب فيها فيروس الإنفلونزا، ولكننا نضع في الحسبان أن ارتفاع النسبة الحالية من الناحية الحسابية يتأثر بكثير من العوامل، منها على سبيل المثال:

– حالة الفزع القائمة التي بدأت سياسياً وإعلامياً قبل استكمال المعلومات.
– اختلاط أعداد الإصابات والوفيات الناجمة عن كوفيد١٩ بتلك الناجمة عن الإنفلونزا.
– حداثة فيروس كوفيد١٩ وعدم استقرار المعلومات حوله لدى المراكز المختصة.
– صعوبة الوصول إلى معلومات نهائية لاكتمال الدورة وتحليل بياناتها واستخلاص نتائجها.
– انخفاض نسبة الإصابات والوفيات التي تسببها الإنفلونزا في الموسمين الأخيرين بسبب انتشار تعاطي لقاح الإنفلونزا فيها.

وقد أظهرت البيانات تفاوتاً في نسبة الوفيات من إجمالي الإصابات بين دولة وأخرى، مما يؤكد وجود عوامل ذات تأثير فعلي في نسبة الوفيات لم تكتمل دراستها بعد على النحو الموضح في الجدول التالي، وهي في العموم تبقى نسبة مرتفعة مثيرة للقلق مقارنة بنسبة وفيات الإنفلونزا:

فإذا لم يكن سبب الفزع هو ارتفاع عدد الإصابات والوفيات، فما سبب الفزع إذن هل هو فزع مصطنع؟

وقبل الإجابة على ذلك؛ لنتعرف أكثر على فيروس الإنفلونزا ومدى الخطورة التي يسببها سنوياً، ولكنه مع ذلك لم يسبق له أن قوبل بأي إجراءات استثنائية مثل تلك التي حظي بها فيروس كوفيد١٩.

الإنفلونزا.. الفيروس المنسي:
تصيب الإنفلونزا أكثر من مليار إنسان سنوياً أي حوالي سُبع سكان الكرة الأرضية، وتودي بحياة حوالي ٦٥٠ ألف شخص سنوياً من أصحاب الأمراض التنفسية، والرقم الحقيقي أعلى من ذلك بكثير حسب تقديرات منظمة الصحة العالمية إذا أضفنا له أصحاب مرضى القلب والمخ والإيدز والأعصاب، وربما وصل الرقم إلى أكثر من مليون وفاة سنوياً. وفيروس الإنفلونزا موسمي، له عدة مجموعات، ويتطور باستمرار، ويصيب الناس في مواسم البرد من كل عام، ويكلف العالم حوالي ٦٠ مليار دولار سنوياً.

تحول الفيروس إلى “جائحة” عدة مرات منذ القرن الماضي، المرة الأولى كانت عام ١٩١٨م، أثناء الحرب العالمية الأولى، فيما عُرف بالإنفلونزا الإسبانية التي أصابت أكثر من نصف مليار إنسان أي ثلث سكان الكرة الأرضية في ذلك الوقت، وأودت بحياة أكثر من ٥٠ مليون إنسان، والثانية كانت في عام ١٩٥٧م وحصدت حوالي مليون إنسان، أما الثالثة فكانت في عام ١٩٦٨م أودت بحياة حوالي ٣ ملايين إنسان، وآخرها كانت عام ٢٠٠٩م حيث بلغ متوسط عدد الوفيات الناجمة عنه في الولايات المتحدة ٣٦٠ ألف شخص، أي حوالي ١٠٠٠ وفاة يومياً.

ونظراً لخطورة وباء الإنفلونزا؛ فقد أنشأت منظمة الصحة العالمية عام ١٩٥٢م ما يُعرف بـ”النظام العالمي لمراقبة الانفلونزا والاستجابة لها” (GISRS)، ومهمته الأساسية هي العمل على حماية الناس من تهديد وباء الإنفلونزا، وتتعاون معه مراكز وطنية وإقليمية متخصصة في الدول الأعضاء.

“رغم العدد الهائل للإصابات والوفيات التي سببها فيروس الإنفلونزا فإننا لم نشهد أي إجراءات استثنائية قامت بها الولايات المتحدة على النحو الذي تحركت فيه لمواجهة فيروس كوفيد١٩، حيث تم اعتماد أكثر من تريليوني دولار لمواجهة الآثار الاقتصادية والصحية للفيروس، وهذا المبلغ يقترب من نصف موازنة الدولة للعام الحالي ٢٠٢٠م. فلماذا لم تفزع الولايات المتحدة للإنفلونزا التي يموت بسببها أكثر من ٤٠ ألف إنسان سنوياً”

ومن أجل التصدي لفيروس الإنفلونزا؛ أطلقت منظمة الصحة العالمية في ١١ مارس/آذار من العام الماضي إستراتيجية عالمية لمكافحة الإنفلونزا تمتد من ٢٠١٩ وحتى ٢٠٣٠م، وتهدف إلى زيادة الوعي بفيروسات الإنفلونزا والتحذير من مخاطرها، والتقليل من عدد الإصابات والوفيات التي تتسبب فيها، وحث دول العالم على التعاون والقيام بالدور المطلوب في مواجهتها.

وقد أصاب الفيروس العام الماضي حوالي مليار إنسان، وأدى إلى وفاة أكثر من مليون آخرين، ورغم شراسة هذا الفيروس وتكراره بشكل منتظم في كل عام، فإن العالم لم يقم تجاهه بأية إجراءات استثنائية كالتي نشهدها هذه الأيام في التعاطي مع فيروس كوفيد١٩.

الولايات المتحدة في بؤرة الفزع:
منذ عدة أيام والولايات المتحدة تتصدر قائمة الدول الأعلى في عدد الإصابات والوفيات بفيروس كوفيد١٩ مما أصاب المؤسسات الرسمية بحالة شديدة من الفزع غير المبرر، فإذا أخذنا حالة تفشي مرض الإنفلونزا في الولايات المتحدة الأميركية على سبيل المثال، فإن الإنسان ينعقد لسانه من شدة الدهشة وهو يقرأ البيانات التي أوردها مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) الأميركي عن حالة مرض الإنفلونزا وحسب تقرير منظمة الصحة العالمية فقد بلغ إجمالي الإصابات والوفيات نهاية يوم ٣١ مارس/آذار بفيروس كوفيد١٩ في الولايات المتحدة حوالي ١٦٣ ألف إصابة و٢٨٥٠ وفاة، وإذا أخذنا متوسط الإصابات والوفيات للأيام العشرة الأخيرة من شهر مارس/آذار فقط فسنجد المعدل اليومي ١٣،٥ ألف إصابة و٢٢٠ وفاة,

ورغم العدد الهائل للإصابات والوفيات التي سببها فيروس الإنفلونزا فإننا لم نشهد أي إجراءات استثنائية قامت بها الولايات المتحدة على النحو الذي تحركت فيه لمواجهة فيروس كوفيد١٩، حيث تم اعتماد أكثر من تريليوني دولار لمواجهة الآثار الاقتصادية والصحية للفيروس، وهذا المبلغ يقترب من نصف موازنة الدولة للعام الحالي ٢٠٢٠م.

فلماذا لم تفزع الولايات المتحدة للإنفلونزا التي يموت بسببها أكثر من ٤٠ ألف إنسان سنوياً. لقد بلغ متوسط عدد الوفيات الناجمة عن مرض الإنفلونزا في موسم ٢٠٠٨ /٢٠٠٩ حوالي ٣٦٠ ألف شخص، أي حوالي ١٠٠٠ وفاة يومياً، ومع ذلك لم تتخذ أي إجراءات استثنائية كالتي تجري في الولايات المتحدة حالياً لمواجهة كوفيد١٩.

هذه المقارنة بين معدلات الإصابات والوفيات لكل من فيروس كوفيد١٩ والإنفلونزا يمكن إجراؤها لسائر الدول وسنجد النتائج متشابهة.

اصطناع الفزع!
إذا كان فيروس كوفيد١٩ يتشابه كثيراً مع فيروس الإنفلونزا وليس فيروساً استثنائياً لا يمكن مواجهته إلا بإجراءات استثنائية باهظة التكلفة، وإذا كانت أرقام الإصابات والوفيات التي يتسبب فيها ليست استثنائية مقارنة بالأرقام المخيفة المتوفرة حول الإصابات والوفيات التي يتسبب فيها فيروس الإنفلونزا وغيره من الأمراض الفتاكة؛ فلماذا إذن كل هذا الفزع والهلع؟ هل كان الفزع مصطنعاً؟ وهل تم اصطناعه عن عمد؟

جميع المؤشرات السابقة تدعونا إلى إعادة النظر في كيفية سير الأمور منذ ظهرت الإصابة الأولى بفيروس كوفيد١٩، حتى نتعرف على الجهات والعوامل التي تسببت في صناعة حالة الفزع التي أدت إلى حالة الاستنفار التي يعيشها العالم هذه الأيام، وفي مقدمة هذه الجهات والعوامل:

1. القادة السياسيون:
الطريقة التي تعامل بها القادة السياسيون مع أزمة كوفيد١٩ منذ بدايتها كانت مفزعة ومثيرة للاستنفار والخوف والهلع، حيث صعد على السطح الحديث مجدداً عن الحرب البيولوجية، وهندسة الفيروسات، والاتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة من جهة والصين وإيران وروسيا من جهة أخرى، حول: مَن يقف وراء صناعة الفيروس ونشره في العالم وكيف تم نشره؟ وما أعقب ذلك من التخبط في تعامل القادة مع أزمة الفيروس ما بين الاستنفار والإنكار، وما بين التهوين والتهويل، وما بين التروي والتقاعس والاستعجال.

2. منظمة الصحة العالمية:
رغم الجهود التي تبذلها المنظمة في التنمية الصحية على مستوى العالم، ولأسباب داخلية ذات صلة بالعجز المالي وتأخر تسديد الدول الأعضاء لالتزاماتهم المالية تجاه المنظمة؛ فقد تعاملت المنظمة مع كوفيد١٩ بانفعالية أكثر من انفعالية بعض قادة دول العالم، وانساقت وراء ملاحقة أرقام الإصابات والوفيات دون أن تستفيد من البيانات المتراكمة لديها عن الإنفلونزا وغيرها من الأوبئة، ودون أن تقدم للعالم نصائحها الحكيمة حول كيفية التعامل الرشيد مع كوفيد١٩.

3. الإعلام:
لم تدخر الأجهزة الإعلامية جهداً في صناعة الفزع وإثارة الخوف والهلع بين الناس، بما لديها من أساليب معالجة وتغطية متعددة القوالب والأشكال، بقصد أو بدون قصد، فهي بطبيعة عملها تتغذى على الكوارث والحروب والأزمات، وهي بطبيعة عملها تجري وراء الحدث ونادراً ما تعطيه حقه من الدراسة والبحث قبل ركوب الموجة والإسراع في ملاحقة التفاصيل.

“تؤكد جميع البيانات الواردة في هذا المقال أن حالة الفزع التي يعيشها العالم هذه الأيام منذ أكثر من شهر بسبب فيروس كورونا المستجد، هي حالة مصطنعة، وأن الإجراءات الاستثنائية باهظة التكلفة التي قامت بها العديد من دول العالم لمواجهة خطر هذا الفيروس، لم تكن في محلها، وأنه لم يكن هناك داعٍ لإغلاق المدارس والجامعات والأسواق وأماكن التجمعات، ودور العبادة، وتعطيل الأعمال وفرض الحجر المنزلي، وغير ذلك من الإجراءات الاستثنائية التي لم يسبق لها مثيل، حتى بدا الأمر وكأن العالم يعيش حالة حرب بيولوجية فعلية”

لم نشهد أي دور للإعلام في السنوات السابقة في متابعة يومية لعدد الإصابات والوفيات اليومية للإنفلونزا أو الأمراض التي تحصد الملايين سنوياً، باستثناء أخبار متفرقة مصاحبة لصدور تقارير المؤسسات المختصة.

4. الخبراء:
المختصون في علم الفيروسات أو الأدوية أو الطب أو إدارة الأزمات أصابهم الفزع كذلك، وتعاملوا مع أزمة كوفيد١٩ بتفاصيلها الداخلية، بعيداً عن الأزمات السابقة المماثلة وبياناتها ونتائجها والخبرات المستمدة منها.

5. منصات التواصل الاجتماعي:
ساهمت جحافل منصات التواصل الاجتماعي وقطعانه بشكل كبير في إذكاء الفزع والخوف والرعب لدى المسؤولين والعامة؛ فهي منصات مفتوحة لكل الأفراد والمجموعات والمؤسسات، تضخ فيها ما تشاء من مواد يتلقفها العامة ويتداولونها بينهم دون حسيب أو رقيب، ودونما اعتبار للآثار التي قد تترتب على نفوس الأشخاص الذين يستقبلونها.

6. خصائص الأزمات:
من أبرز خصائص الأزمة خاصية كرة الثلج وخاصية كرة اللهب، والأولى تشير إلى أن الأزمة كلما طال أمدها كبرت مثل كرة الثلج حتى يصبح من الصعب تحريكها، والثانية تشير إلى أن الأزمة كلما طال أمدها زادت فداحتها، وقد أدى الجهل بعلم الأزمات إلى انخراط العديد من الدول فيها وركوب موجتها، حتى أصبح من الصعب عليها التراجع.

ختام القول:
تؤكد كافة البيانات الواردة في هذا المقال أن حالة الفزع التي يعيشها العالم -منذ أكثر من شهر بسبب فيروس كورونا المستجد- هي حالة مصطنعة، وأن الإجراءات الاستثنائية باهظة التكلفة التي قام بها العديد من دول العالم لمواجهة خطر هذا الفيروس لم تكن في محلها، وأنه لم يكن هناك داعٍ لإغلاق المدارس والجامعات والأسواق وأماكن التجمعات، ودور العبادة، وتعطيل الأعمال وفرض الحجر المنزلي، وغير ذلك من الإجراءات الاستثنائية التي لم يسبق لها مثيل، حتى بدا الأمر وكأن العالم يعيش حالة حرب بيولوجية فعلية.

إن على دول العالم المسارعة إلى إيقاف كافة هذه الإجراءات وإعادة الحياة إلى ما كانت عليه، وإيقاف نزيف الخسائر الاقتصادية الباهظة التي تتكبدها، مع غيرها من الأضرار الاجتماعية والنفسية.

وعلى الأغلب؛ فإن موسم هذا الفيروس سينتهي تلقائيا في الأسبوع العشرين من هذا العام، أي نهاية مايو/أيار المقبل على أقصى تقدير، شأنه في ذلك شأن الإنفلونزا، وقد يعود من جديد في الموسم القادم، وإن أول الإجراءات التي ينبغي على الدول الانصراف إليها لمواجهته وغيره من الأوبئة المماثلة هو دعم النظام الصحي فيها، ووضع خطط لرعاية كبار السن وتعزيز جهاز المناعة لدى عموم الناس، ونشر الثقافة الصحية السليمة بين جميع الأعمار.

أما السؤال عما إن كان هذا الفيروس قد تطور ذاتياً على هذا النحو، أم إن جهات معينة قامت بتطويره وبثه، وكذلك السؤال عما إن كان هذا الفزع قد تم التخطيط له وإدارته لتحقيق أهداف إستراتيجية سياسية واقتصادية واجتماعية… عدة أسئلة تتطلب إجابات

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.