جدل “البعثة الصينية والجنرالات”.. محلل يرد على وصفه بـ”يهودي حاقد”: جدي إمام واعتُبرت “جاسوسا للجزائر”

قبل أسبوع، هبطت في مطار الجزائر طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية الجزائرية قادمة من بكين وعلى متنها فريق طبي صيني. كما حملت الطائرة معدات وقاية وتحليل وأجهزة تنفس، بقيمة 420 ألف يورو.

وتلك هبة من شركة البناء الصينية العملاقة “سي أس سي إي سي” باسم الدولة الصينية.

كما سيتم بناء مستشفى صغير لتوفير خدمات الوقاية ومكافحة انتشار فيروس كورونا المستجد لصالح نحو أربعة آلاف عامل صيني وخمسة آلاف جزائري، حسب وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية.

ويشكل الصينيون أكبر جالية أجنبية في الجزائر، ويقدر عددهم بعشرات الآلاف ومعظمهم من العاملين في مشاريع البناء الكبرى.

وكانت مجموعة البناء الصينية هي التي بنت جامع الجزائر الكبير في العاصمة.

وأمام سرعة انتشار الوباء (986 حالة مؤكدة منها 83 حالة وفاة)، تقدمت الجزائر بطلب إلى الصين لشراء ملايين الأقنعة و30 ألف عدّة فحص وملابس واقية ومعدات أخرى.

كان كل شيء سيكون على ما يرام، كما تقول وكالة الصحافة الفرنسية في تقرير لها، لتقول: “تعرف الصين كيف تتذكر أصدقاءها في أوقات الشدائد، هكذا هرعت لنجدة الجزائر في مواجهة فيروس كورونا المستجد عبر تقديم مساعدة تعبر عن عمق علاقاتها التاريخية مع أكبر دولة في إفريقيا”، لولا أن جدلا كبيرا اشتعل في الجزائر بعد تصريحات المحلل الفرنسي فرانسيس غيلاس، على القناة الفرنسية “فرانس 24”، قال فيها إن المساعدة الطبية الصينية ذهبت مباشرة إلى مستشفى عسكري في العاصمة، وخصيصا للاهتمام بكبار الجنرالات في الجيش الجزائري.

وأثار ذلك غضب السلطات الجزائرية التي كذبت هذه المزاعم واستدعت السفير الفرنسي في الجزائر، كزافيي دريونكور، لإبلاغه “باحتجاجاتها القوية”. ورد السفير بأن “جميع وسائل الإعلام تتمتع باستقلال خطها التحريري في فرنسا، وهي محمية بالقانون”.

ومن جانبها، انتقدت السفارة الصينية في الجزائر في بيان “تصريحات كاذبة وتافهة تنم عن حقد وجهل بحقيقة المساعدة التي قدمتها شركة صينية للجزائر”.

دول مجاورة للجزائر كانت تعتبرني جاسوسا للمخابرات الجزائرية، فيما كانت فرنسا تشك في أني جاسوس لصالح المخابرات البريطانية

وقد شنت وسائل إعلام جزائرية، محسوبة على السلطة، حملة على الصحافي والمحلل فرانسيس غيلاس، وذهبت إلى وصفه بـ”اليهودي الفرنسي الحاقد على الجزائر”.

وفي المقابل نشر موقع “مغرب إيمرجون” (المنطقة المغاربية الناشئة) الجزائري المستقل، ردا من فرانسيس غيلاس أن “جده كان إماما في قرية تيزي هيبل (بمنطقة القبائل)”، وأن دولاً مجاورة للجزائر كانت تعتبره “جاسوسا للمخابرات الجزائرية”، فيما كانت فرنسا تشك في أنه “جاسوس لصالح المخابرات البريطانية”!

وكتب قائلا إنه “خلال العشرين سنة الأولى من عملي كصحفي في الجزائر (1975-1995)، بشكل أساسي في الفاينانشيال تايمز و”بي بي سي العالمية”، استفدت من مرشد لا مثيل له في شخص محمد يزيد الذي كان ممثل جبهة التحرير الوطني لدى الأمم المتحدة في نيويورك خلال حرب التحرير الوطني”.

وأضاف: “سمح لي مسؤولون آخرون، من الإطار الدبلوماسي أو العسكري أو الصناعي الجزائري، ولا سيما من قطاع النفط، أن أفهم بشكل أفضل هذه الدولة المعقدة التي هي الجزائر، التي يثقل كاهل التاريخ بثقلها الثقيل. ولقد فهمت هذا الوزن عند الكتابة في أوكسفورد، في أوائل السبعينيات، عن أطروحة عن التاريخ الاستعماري للجزائر بين عامي 1830 و1834.

وزاد أن “الجزائر ليست دولة سهلة الفهم، لكني كونت صداقات لا يمكن اختراقها عبر العقود. بمجرد أن يثق بك جزائري، فإنه إلى الأبد. وهذا ينطبق على العديد من الأصدقاء الشخصيين وكذلك على الآخرين الذين كانوا وما زالوا مسؤولين تنفيذيين في الجمعيات الوطنية أو الجيش أو الأمن أو رجال الأعمال الخاصين”.

واستطرد أن انتقاداته لم تكن أبدا موجهة للسلطة الجزائرية فقط، بل أيضا لجيرانها المباشرين، وكتب: “لقد انتقدت سياسة فرنسا تجاه الجزائر مؤخرًا وفي 1989-1992، وحينها ذكّرني مستشار للرئيس الفرنسي بأصولي، لأن جدي كان إماما جزائريا في تيزي هيبل (منطقة القبائل) وأنا لطالما كنت فخوراً بذلك. لقد انتقدت الدول التي قامت بالتدخل الغربي في ليبيا، وقد قلت أكثر من مرة في السنوات الأخيرة إن هذه الدول يجب أن تأخذ في الاعتبار أكثر المصالح الإستراتيجية للجزائر. أخطأت في بعض الأحيان، وكانت أحكامي خاطئة في بعض الأحيان. لكن اتهامي بأنني جاسوس في خدمة أنا لا أعرف من يجعلني ابتسم”.

انتقدت سياسة فرنسا تجاه الجزائر ومستشار لرئيس فرنسي ذكرني بأصولي، لأن جدي كان إماما جزائريا وأنا لطالما كنت فخوراً بذلك

وكتب مضيفا أن “الدولة الوحيدة التي رفض دعوة زيارتها في عام 1993 كانت المملكة العربية السعودية، مع العلم أن الأموال “الخاصة” من المملكة تساعد في تمويل بعض مجموعات الجماعة الإسلامية المسلحة (في الجزائر)”.

تبون: العلاقات الجزائرية ـ الصينية “حميمة”

وتحمل العلاقات الجزائرية ـ الصينية أبعادا تاريخية واقتصادية وثيقة، وقد وصف الرئيس تبون العلاقة بين البلدين بـ”الحميمة”، وانتقد تصريحات فرانسيس غيلاس واعتبر أنها ضمن “حملة تستهدف الجزائر الجديدة”.

وقال أستاذ العلاقات الدولية بجامعة الجزائر إسماعيل دبّش لوكالة فرنس برس إن “الجزائر لها علاقات خاصة مع الصين تعود إلى حرب التحرير (1954-1962)”.

وكانت جمهورية الصين الشعبية أول دولة غير عربية تعترف بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية بعد أسابيع فقط من إعلانها في أيلول/سبتمبر 1958.

ومنذ مؤتمر باندونغ (1955) الذي أدى إلى إنشاء حركة عدم الانحياز، تبنت الصين قضية جبهة التحرير الوطني ضد القوة الاستعمارية الفرنسية – “عن طريق إرسال الأسلحة والمال” كما كشف دبّش.

وفي المقابل دافعت الدولة الجزائرية حديثة النشأة عن حملة بكين لكسب الاعتراف بها باعتبارها الممثل الوحيد والشرعي للصين في الأمم المتحدة.

وفي نهاية فترة الستينيات المضطربة، تضامنت الجزائر بشكل كامل مع الصين باسم “مناهضة الإمبريالية”، حتى تم وصفها بـ “مكة الثوار” بعد استقبالها المناضلين اليساريين من جميع أنحاء العالم.

وخلال الحرب الأهلية في الجزائر التي عرفت بالعشرية السوداء (1992-2002)، كثفت الصين علاقاتها السياسية والاقتصادية، في حين سحبت العديد من الدول الغربية موظفيها الدبلوماسيين.

علاقة تاريخية بين بؤرة تفشي كورونا في الصين والجزائر

للمفارقات، فان مقاطعة هوباي (وسط)، البؤرة الأولى لوباء كوفيد 19، كانت في طليعة التعاون الطبي مع الجزائر.

ومنذ عام 1963، عمل أكثر من ثلاثة آلاف طبيب صيني مجاناً في الجزائر، في إطار بعثة طبية دائمة، من التوليد وأمراض النساء إلى الطب التقليدي مرورا بالجراحة، وفقا لوزارة الصحة الجزائرية.

لكن التعاون الصيني الجزائري يتجاوز الآن المساعدات الإنسانية.

مقاطعة هوباي، البؤرة الأولى لوباء كوفيد 19، كانت في طليعة التعاون الطبي الصيني مع الجزائر منذ عام 1963

فالصين تحتفظ بمركز أول دولة موردة للجزائر بصادرات بلغت قيمتها 517 مليون يورو في شهر كانون الثاني /يناير 2020 (أي أكثر من 18% من الواردات الجزائرية)، قبل إيطاليا وفرنسا، بحسب المديرية العامة للجمارك.

وفي أيلول/ سبتمبر 2018، انضمت الجزائر إلى “طريق الحرير الجديدة” والصينيون مهتمون بمشروع الميناء الإستراتيجي في شرشال (غرب الجزائر) المتوقف حاليا.

كما استثمروا في السنوات الأخيرة في مصافي النفط وشيدوا الطرق والسكك الحديدية في الجزائر.

ويرى البروفسور دبّش أن “معظم الدول الإفريقية تجد أن الاستثمارات الصينية أكثر ربحية وفعالية لأن تكلفة الخبرة الصينية أرخص”.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.