فورين بوليسي: الخارجية الأمريكية تدرس معاقبة مصر بعد وفاة مواطن أمريكي في سجونها

كشفت مجلة “فورين بوليسي” عن تفكير الإدارة الأمريكية في قطع جزء من المساعدات لمصر، بعد وفاة مواطن أمريكي في سجون نظام عبد الفتاح السيسي.

وفي تقرير حصري أعده كل من جاك ديستش وروبي غريمر وكولام لينتش، قالوا فيه إن وزارة الخارجية الأمريكية طرحت فكرة قطع جزء كبير من المساعدة السنوية إلى مصر (1.3 مليار دولار) بعدما توفي مصطفى قاسم، المواطن الأمريكي في السجون المصرية.

وبنت المجلة معلوماتها على أربعة مصادر عليمة بالموضوع، ففي مذكرة أرسلها في بداية آذار/ مارس مكتب شؤون الشرق الأدنى إلى وزير الخارجية مايك بومبيو، وجرى وصف محتوياتها إلى المجلة.

واقترح أكبر دبلوماسي أمريكي خيار قطع 300 مليون دولار من حزمة المساعدات العسكرية السنوية، بعد وفاة قاسم، الأمريكي- المصري والذي ناشد الرئيس دونالد ترامب بدون نجاح التدخل والإفراج عنه.

وقالت المجلة إن التحرك ربما دفع الكونغرس باتجاه معاقبة مصر الحليفة القديمة للولايات المتحدة. ففي رسالة أرسلها الشهر الماضي كل من السناتور الديمقراطي باتريك ليهي، وزميله كريس فون هولين ناشدا فيها بومبيو لحجب 300 مليون دولار من الدعم العسكري الأمريكي للقاهرة، وفرض عقوبات ضد المسؤولين المصريين “المتورطين مباشرة وبطريقة غير مباشرة” في وفاة قاسم.

ومنذ توليه منصب الخارجية قبل عامين، قرر بومبيو تجاهل اعتبارات حقوق الإنسان، ومنح الضوء الأخضر للمساعدات الأمريكية إلى مصر، مما قاد بعض الخبراء للشك في تغير بالموقف الأمريكي حتى بعد وفاة مواطن أمريكي في السجون المصرية.

ولو قررت الإدارة الأمريكية اقتطاع جزء من المساعدة السنوية ومعاقبة مصر بسبب وفاة قاسم، فستكون بمثابة نقطة مشتعلة في علاقات اتسمت بالدفء واستمرت على مدى أربعة عقود.

وترددت إدارة ترامب بتحدي سجل مصر في حقوق الإنسان، والتي تعد الدولة الثانية من ناحية الحصول على المساعدات الأمريكية، وتسمح لوزارة الدفاع بالإشراف على المساعدات وعبور بوارجها عبر قناة السويس. وتعاونت مصر مع الولايات المتحدة وإسرائيل في مجال مكافحة الإرهاب.

ورغم تدهور حقوق الإنسان في مصر إلا أن ترامب احتفى بعبد الفتاح السيسي ودعاه إلى البيت الأبيض وفي القمم الدولية. ففي قمة الدول السبع العام الماضي بفرنسا، سُمع ترامب وهو يسأل “أين ديكتاتوري المفضل؟”.

وفي أيلول/ سبتمبر، دافع عن السيسي بعد اندلاع تظاهرات في مصر. وقال: “كل واحد يواجه مظاهرات”. وأضاف بعد لقائه مع السيسي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك: “لا، أنا لست قلقا، فلدى مصر قائد عظيم”.

وخشي المدافعون عن قاسم من أن تأخر الإدارة بالرد يعني أنها ليست مستعدة لاتخاذ موقف. وانتهز المشرعون في “الكابيتول هيل” وفاة قاسم على أنها مثال عن تردي حالة حقوق الإنسان في مصر.

وكان قاسم قد أعلن إضرابا عن الطعام، ولم يتلق سوى السوائل، فيما لم تقدم له السلطات في السجن العناية الطبية اللازمة.

وكتب ليهي وفون هولين في رسالتهما إلى بومبيو في 25 شباط/فبراير: “نعرف أن بين الولايات المتحدة ومصر مصالح مهمة” و”لو استمرت العلاقات كأن شيئا لم يحدث، فإننا سنرسل إشارات خطيرة من أننا لن نستخدم نفوذنا لمساعدة أمريكيين سجنوا ظلما في مصر، بمن فيهم عدد لا يزال في السجون المصرية الآن. وأننا لن نحاسب الحكومة المصرية عندما ترتكب انتهاكات خطيرة كهذه ضد أمريكيين”.

وقال ليهي وفون هولين إنهما أرسلا رسالة مماثلة إلى ترامب في 16 كانون الثاني/ يناير ولم يتلقيا ردا. وأضافا: “قد يجادل البعض أن تطبيق القانون بهذه الطريقة لم يكن كافيا، لأن حكومة السيسي ستتلقى ملياري دولار كمساعدات أمريكية في السنة المالية 2019- 2020 و”لكنها سترسل رسالة واضحة أن المساعدة الأمريكية ليس حقا وأنها ملتزمة بحماية حقوق وسلامة المواطنين الأمريكيين. وأننا نرفض جهود السيسي لتقويض حكم القانون في مصر”.

ولا يعرف أثر رسالة المشرعيْن على توصية قسم شؤون الشرق الأدنى لبومبيو، خاصة أنهما لم يتلقيا بعد أي رد من وزارة الخارجية.

وفي رد على سؤال من “فورين بوليسي” قال مسؤول في الخارجية، إنها لا ترد على أسئلة تتعلق بقسم فيها، ولكنه أكد: “نشعر بأسى شديد على الموت غير الضروري لمصطفى قاسم ونقوم بمراجعة الخيارات والنقاش مع الكونغرس” و”في أعقاب الوفاة المأساوية التي كان يمكن تجنبها لمصطفى قاسم سنواصل التأكيد لمصر على قلقنا من طريقة معاملة المعتقلين بمن فيهم المواطنون الأمريكيون”. وكعضو في لجنة الاعتمادات بالكونغرس، حجز ليهي الناقد الطويل لمصر وسجلها في حقوق الإنسان، 105 ملايين دولار من المساعدة الأمريكية للقاهرة، والتي أرادت عبرها شراء مروحيات أباتشي وصواريخ هيل فاير.

وقبل عامين، فرض على مصر تجميدا على التمويل كرد على اعتقال قاسم وفشل الحكومة المصرية بدفع التعويضات المناسبة للأمريكية التي أصيبت بجراح خطيرة بعد العملية الفاشلة التي قتلت فيها سياحا عام 2015، ولرفضها منح القوات الأمريكية الرقابة على طريقة استخدام أسلحتها في مكافحة الإرهاب بسيناء.

وبناء على القوانين التي صدرت منذ الربيع العربي، يحق للكونغرس تجميد 300 مليون دولار من المساعدات السنوية حتى تعطي الخارجية الموافقة أن مصر التزمت بسلسلة من الشروط المتعلقة بحقوق الإنسان أو أنها ألغت الشروط بناء على الأمن القومي.

وتحصل مصر على مساعدة سنوية أمريكية بقيمة 1.3 مليار دولار، منذ توقيع معاهدة السلام مع إسرائيل. ورغم الدعوات المتكررة من نائب الرئيس مايك بنس للإفراج عن قاسم، إلا أن وفاته لم تدفع إدارة ترامب لمعاقبة مصر. وقال مسؤول في الخارجية للصحافيين بعد وفاة المواطن الأمريكي: “من المبكر الحديث عن عقوبات ضد مصر”.

وقالت محامية قاسم، بارفين مادهيراجو: “مات قاسم بعد سنوات من المعاناة وجهود عبثية أمريكية لدفع السيسي للقيام بالعمل الصحيح”. وأضافت: “يتحمل الرئيس السيسي المسؤولية عن وفاة قاسم. وسمحت له إدارة ترامب بالإفلات من العقاب. ومن أجل مصطفى وعدد من الأمريكيين وآلاف من الأبرياء المصريين الذين يعانون من خطر عظيم، يجب على الولايات المتحدة اتخاذ الخطوات التي دعا إليها أعضاء مجلس الشيوخ”.

وفي تقرير أرسلته الخارجية إلى الكونغرس، قالت فيه إن قاسم توقف عن تقديم استئنافات ضد الحكم الصادر بحقه على أمل سحب السلطات المصرية جنسيته وترحيله إلى نيويورك. وقال جيم ريتش، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس: “في وقت وفاة قاسم في 13 كانون الثاني/ يناير، اكتملت كل الإجراءات القانونية المتعلقة بتخليه عن جنسيته المصرية. وكنا ننتظر قرار وزارة الداخلية إصدار الحكم بشأن تخليه عن الجنسية”.

واعتقل قاسم بدون اتهامات لست سنوات، وأكد أنه سجن بالخطأ عندما كان يزور بلده في آب/ أغسطس 2013، وتزامن ذلك مع مذبحة رابعة. وأكد محامو قاسم أنه لم يشارك في اعتصام رابعة. وظل خمس سنوات في السجن قبل أن تصدر عليه محكمة مصرية في عام 2018، حكما بالسجن لمدة 15 عاما. وهناك ثلاثة مصريين آخرين، وهم ريم الدسوقي وخالد حسن ومحمد العماش، واثنان من حملة الإقامة الدائمة، وهما علا قرضاوي وحسام خلف المعتقلان، بسبب آرائهما السياسية.

ورغم إفراج دول مثل إيران ولبنان عن أمريكيين لظروفهم الصحية، إلا أن مصر لم تظهر اي تعاطف. وقالت مجموعة عمل تحاول الإفراج عن المعتقلين إنه “من غير المفهوم عدم رد مصر التي تعد حليفا للولايات المتحدة وتتلقى 1.5 مليار دولار من أموال دافعي الضريبة الأمريكيين بالطريقة التي ردت فيها إيران ولبنان ودول أخرى على الدعوات للإفراج عن أمريكيين لأسباب إنسانية”.

وكشف التقرير السنوي لوزارة الخارجية عن عدد من الحالات التي قامت بها مصر باعتقالات تعسفية وقتل في السجون. وعبّر كل من محمد سلطان وآية حجازي اللذين أفرج عنهما من سجون مصر عن انتقادات لنظام السيسي بعد عودتهما إلى الولايات المتحدة.

ويرى مسؤولون أن الورقة الصعبة في معاقبة مصر أو أي دولة هو ليندزي غراهام، السناتور الجمهوري عن ساوث كارولينا، الذي يترأس مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، وأوقف العام الماضي بندا في اعتمادات المساعدة لمصر كانت تقضي باقتطاع 14 مليون دولار لعدم دفع مصر التعويضات المناسبة لإبريل كورلي التي أصيبت في هجوم 2015.

وقال أندرو ميلر، نائب مدير مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، إن غراهام يتمسك أنه هو من يقرر وعلينا انتظار أثر وفاة قاسم عليه.

وتقول المجلة إنه في الوقت الذي ظل فيه قاسم بالسجن، وفشل المحاولات الأمريكية للإفراج عنه، كان البنتاغون يبحث مقترحا لتوسيع المساعدات العسكرية لمصر بعدة مليارات.

وتقول ميشيل دان، المسؤولة السابقة في الخارجية وخبيرة الشرق الأوسط بوقفية كارنيغي للسلام العالمي، إن استمرار تقديم الدعم العسكري لمصر يساعد الجيش في السيطرة على البلد “من خلال مواصلة الدعم العسكري ولمدة طويلة. وعندما تضيف 40 مليار على مدى عقود فما تفعله الولايات المتحدة هو أنها تغذي الوحش لكي يبتلع البلاد” قاصدة بالوحش الجيش المصري.

وقالت إن على مصر مواجهة التداعيات لوفاة مواطن أمريكي في السجن، وتساءلت عن سبب تلكؤ إدارة ترامب في التحرك: “أشعر بالقلق من أن السلطات المصرية لم تتوقع تداعيات عندما سجنت ظلما مواطنا أمريكيا وتركته يموت يائسا في سجن مصري” و”أثبت المسؤولون الأمريكيون صحة اعتقادهم، لم تحصل تداعيات”.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.