يوميات في التاريخ الإسلامي

منذ أن ظهر دين الإسلام وأهل الكتاب يكيدون لهذا الدين ولنبيه، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر.
وقد أخبر الله سبحانه وتعالى عن عداوتهم للمسلمين، وأنها من سننه الكونية، قال الله تعالى: وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا [البقرة:217].
وقال: مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ [البقرة:105].
وأخبر تعالى أنهم لا يقنعون بشيء حتى نتبعهم في دينهم, قال عزَّ وجلَّ: وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم [البقرة:120].
ولقد وقف النصارى من المسلمين موقف المعادي المبغض الشانئ, وحاولوا بكل ما أوتوا من قوة على مرِّ العصور أن يردوا هذه الأمة عن دينها, وسلكوا في هذا السبيل طرائق شتى، وخططاً مختلفة ملائمة لكل زمان ومكان.
ففي الماضي قاموا بحرب المسلمين وغزوهم في بلادهم، مع أنهم كانوا ينعمون في ظل عدالة الدولة الإسلامية أكثر مما يلقونه تحت حكم النصارى أنفسهم.
وما الحروب الصليبية عنا ببعيد، تلك الحروب التي استمرت قرنين من الزمان (490هـ -690)هـ، والتي قامت بين المسلمين في المشرق العربي وبين الصليبيين القادمين من أوربا؛ لاحتلال بيت المقدس وبلاد الشام ومصر، والقضاء على الإسلام، وَوَقْفِ انتشاره في أوربا.
وهي حروب دينية شنَّتها أوربا النصرانية الحاقدة بدعوى تحرير القدس من المسلمين، والحقيقة أنها قامت لإذلال المسلمين، ورغبة في القضاء على الإسلام.
ويذكر المؤرخون أن لتلك الحرب أسباباً كثيرة، ولعل أهمها وأجلاها وأوضحها ما يلي:
1- الحقد الصليبي، والعداء للإسلام.
2- ما أثاره الرهبان والبابوات في نفوس النصارى في أوربا, ومن تلك الإثارات ما قام به القديس بطرس؛ حيث أخذ يجوب أوربا على حماره، ويحرض الأوباش والعوام على تحرير القدس, والاستعداد لنزول المسيح.
3- رغبة النصارى في التوسع.
4- رغبة البابا أوربان الثاني في توحيد الكنيستين الشرقية والغربية, ومحاولته جمع النصارى تحت هدف مشترك، وهو قتال المسلمين, وغزوهم في بلادهم، وذلك عندما دعا البابا أوربان الثاني إلى مؤتمر (كليرمونت)، وألقى فيه كلمة مشهورة ملأها بالهجوم على المسلمين، وإثارة الأحقاد في نفوس النصارى, ثم أخرج في نهاية الخطبة صليباً، وعلَّقه على صدره, ودعا الحاضرين إلى تعليقه والدفاع عنه.
هذه بإجمال أسباب الحروب الصليبية.
وبعد ذلك بدأت أول حملة عام (490)هـ, بقيادة (جود فري دريموند)، واستولى على كثير من بلاد الشام، ثم تتابعت الحملات، واستولوا على كثير من بلاد المسلمين، وأهمها بيت المقدس عام (492)هـ, وما كانوا ليستطيعوا فعل ذلك لولا أن المسلمين متناحرون متفككون يشتغل بعضهم ببعض.
عندئذ قام النصارى بتلك الحروب، وقتلوا المسلمين شرَّ قتلة في كثير من الأماكن، وخصوصاً في بيت المقدس؛ حيث مثَّلوا في القتلى، فلم يوقروا كبيراً، ولم يرحموا صغيراً, حتى النساء لم تسلم منهم، بل إن الزهاد والعباد الذين انقطعوا للعبادة في بيت المقدس لم يسلموا منهم, حتى إن الخيل غاصت إلى الركب من جثث القتلى؛ حيث قتل الآلاف من أهل تلك البلاد.
ومهما يكن من شيء فإن المسلمين آنذاك كانوا يعرفون الداء والدواء؛ فالداء يكمن في بعدهم عن دينهم وعقيدتهم, والدواء بالرجوع إلى ذلك, فهم يعرفون سبيل العزة.
ومن هنا تعالت صيحات الجهاد، وارتفعت الدعوات مطالبة باستعادة الأراضي، وطرد عُبَّاد الصليب, ولذلك سادت الروح الجهادية في ذلك العصر.

ثم قيَّض الله سبحانه وتعالى رجالاً مؤمنين مخلصين مجاهدين، كأمثال عماد الدين زنكي, ونور الدين محمود، وصلاح الدين رحمهم الله أجمعين فاستعاد المسلمون بعد ذلك ما أخذه الصليبيون، واستردوا بيت المقدس.

واخيرا أكتشف الغرب الصليبي أن صحوة المسلمين وانتصاراتهم بعد كل نكسة تعود لتمسكهم بالإسلام .فوجه الغرب حربه كلها نحو الدين الإسلامي ومحاولة القضاء عليه وبدؤوا بالسير حثيثاً في سبيل ذلك الأمر، وأخذوا بوصية لويس التاسع الذي أُسِر بالمنصورة في إحدى الحروب الصليبية، وعندما خرج أوصى قومه بأن يعملوا على إذابة الإسلام من نفوس أهله، وإطفاء تلك الجذوة التي ما تفتأ تعود بقوة بعد أن يُظنَّ أن المسلمين قد انتهوا تماماً، ألا وهي العقيدة.
فطالما أن جذوة العقيدة تتقد في قلوب المسلمين فإنهم لن يهزموا، وإن هزموا فسيعودون مرة أخرى.
وقد سلكوا في هذا السبيل وسائل عديدة امتازت بالدقة والتنظيم، وتتلَّخص جهودهم في عدة وجوه وهي:
1- الاستشراق.
2- الاحتلال العسكري.
3- التنصير (التبشير) .

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.