وإنّمَا نَفِرُّ مِن قَدَرِ الله إلى قَدَر الله

بقلم نور أبوغوش

تعُجُّ الحياةُ بالفِتَن، ما ظهر مِنها وما بَطَن، وما أنتَ في هذه الفتَن إلى كسائرٍ إلى الله في عمرةٍ أو حج تمتَمَ بعد عقدِ نيته قائلاً: “مَحَلِّي حيثُ حبَسْتَني”؛ وكأنّه يقول: إن حبسني حابسٌ أو منعني مانِعٌ مِن مرضٍ أو غيره فهذه نيتي قد عقدتها فتقبّلها منِّي أينما كنت وكيفما حَلَلْت.

فمَن كان قد عقد نواياه بالذهاب إلى المدارس والجامعات طلباً للعلم مُتَلَمِّساً طريق الجنة، فنيته قائمةٌ وإن حبسه عن ذلك حابس.. ومَن كان قد عقد نواياه بإعمار المساجد بالعبادة ليتعلّق القلبُ بها، فنيته قائمةٌ وإن منعه من ذلك مانع.. ومَن كان ومَن كان ومَن كان كلٌ وِفقَ نواياه وسير قلبه.

لماذا حدثت فتنةٌ كهذه في العالم اليوم؟

أهي حرب بيولوجية؟ أم اقتصادية؟ أم أن هذا عقاب إلهيّ؟ أم أنها مجرد طفرةٍ جينية؟

لا أحد اليوم يملك جواباً شافياً لطبيعة الأمر إن كان حدثاً طارئاً أو أمراً مُحدَثاً.. ولا أحد اليوم ولا غداً ولا بأي من الحياة يملك أن يصدر بياناً أو قراراً بأن ما حدث عقاب أو جزاء فما هذي إلّا أمور بين يدي الله لا علم للبشر بها..

وهنا يأيتك ما تربيتَ عليه مراراً بأن: “فليقل خيراً أو ليصمت”.. إن وجدت فيما تكتبه أو تتناقله أو تقوله خيراً فباشر الناس به وحدثهم، أمّا إن كان محض رعبٍ وإلقاء تُهَمٍ وغيره فاصمت عنه وأمسك عليك لسانك.

ماذا نفعل أمام هذه الفتن؟

اسألوا أهل الذكر.. وأهل الذكر في هذه الفتنة هم الأطباء والمُختَصّين.. اتبعوا ما يرشدون إليه من تعقيم وتطهير وسُبُلِ وقايةٍ وطرق حماية وتتبعوا الأعراض دون وسوسةٍ ولا إهمال بلا إفراطٍ ولا تفريط..

إن كنتَ ممن جعلتك هذي الفتنة تجلس اليوم في بيتك أو إن كنتَ مِمّن زادت ساعات جلوسه في بيته، فاجعل هذا الجلوس استراحةً لك ما استطعت إلى ذلك سبيلاً تنجز فيها ما تراكم عليه من أعمال أو قراءة أو ترتيب أو غيره، لا تدخل إلى هذه الفترة وتخرج كما أنت، تذكّر كل ما كنت تردد أن لا وقت لفعله وافعل.. تذكر سورة القرآن التي تمنيت حفظها، أو تلك التي تمنيت معرفة تفسيرها، أو البرنامج الذي وددت مشاهدته، أو الكتاب الذي أجلت قراءته، أو الأبحاث التي كان عليك تحضيرها، أو الأمور التي أردت ترتيبها، أو الرسائل التي أجّلت قراءتها أو إرسالها، أو أو أو .. كُلٌ وفق مكانه وموقعه.

سَل الله ألّا تطول المدة، وأن نكون مِمّن عرفنا النعم بدوامها لا بحرمانها فـرُبّ نعمة اعتدنا وجودها من الممكن أن يكون حرمانها بلحظة.. لنتعلم أن نسأل الله في أيامنا المقبلة الراحة دون بلاء والإجازة دون فتنٍ أو ابتلاء..

إن صور الشوارع وهي خاليةٌ من ساكنيها، وأخبار الجثث التي تموت بعيداً عن أهلها، وكلّ ما يحدث فيه شيء من الحزن الذي ربما يجعلك تقول: إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلى ما يرضي الله: إنّا لله وإنّا إليه راجعون.

فهذا الذكر ليس لأبواب العزاء وعنونة أسماء الموتى فحسب، لكنه العقيدة التي تثبتها الحياة: هذا العالم كاملاً، بكل زواياه وكل ثناياه إنما هو خلق الله الذي يسير إلى الله..

نحن جميعاً في هذا الكون من شرقنا إلى غربنا ومن جنوبنا إلى شمالنا، لسنا إلّا بشر مهمتنا ألّا تحولنا الحياة إلى آلات وألّا تنسينا الدنيا أن هناك موعدٌ آخر..

وبين هذا وذاك نتذكر ما قاله عمر بن الخطاب وطاعون عمواس قد انتشر فقال عندما لامه الناس عن أمر للجيوش أن تتراجع عن دخول بلاد الشام: “نفر من قدر اللَّه إلى قدر اللَّه؛ أرأيت لو كان لك إبل فهبطت وادياً له عدوتان إحداهما خصبة والأخرى جدبة أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر اللَّه، وإن رعيت الجدبة رعيتها بقدر اللَّه؟”..

أنت سائرٌ بين أقدار الحياة وإنما عليك اختيار أفضلها وأحسنها، فاختر المواقع والطرق التي تجتهد أنها أكثر بُعداً عن العدوى، واجعل الطمأنينة زادك فإنما هو أمرٌ وسيمضي وإنما هي غمامة وستمرّ. يا رب

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.