حتى لا تعبثوا بها

بقلم :عبدالرحمن محمد الخولاني

حدثني اليوم زميلي المهندس أحمد ؛ وهو ابنُ أسرةٍ رجالاتها من كبار منسوبي وزارة الخارجية السعودية ، وأظن أن أحد عمومته كان سفيراً لخادم الحرمين الشريفين في سويسرا ، وهذه الأسرة كثيرة السفر والترحال

يقول سافرتُ في بعثةٍ إلى اليابان ، واصطحبتُ معي أسرتي الصغيرة ، فسكنّا في أحد أحياء المدينة التي ابتُعِثتُ إليها ، ثم كان أولُ قرارٍ أتخذه هو أن أجلب لزوجتي وأبنائي من يعلّمهم اللغة اليابانية ؛ حتى لا تنقضي فترة البعثة إلا ونحن قد استفدنا جميعاً من هذه الفرصة .

يقول خرجتُ إلى الشارع القريب من منزلي فوجدتُ امرأةً ظننتها في العقد الخامس من عمرها ، تظهر عليها علامات الجدِّيَّة والإهتمام بالزي المحتشم ، فقلتُ في نفسي لعل هذه المرأة هي ضالتي التي أبحث عنها لزوجتي وأبنائي

استوقفتُها فعرضتُ عليها طلبي ، ثم وافَقَت بلا قيد أو شرط ، أردتُ أن أتحدث معها عن الأجر الشهري لقاء قيامها بتعليم أسرتي اللغة اليابانية ، فلم تعطني فرصة ، أيقنتُ حينها أنها في أمس الحاجة ولو إلى قليل من المال بسبب موافقتها التي لم تستغرق معي ثوانٍ معدودات

شَرَعَت المرأة في تعليم زوجتي وأبنائي ، وبعد مرور عامين ونصف العام من انضباطها في المواعيد ، والحضور والإنصراف لا أقول بالدقيقة بل بالثانية ، فإذا بدراجتها الهوائية ( البسكليتة ) تتعطل ، فعرضت عليها أن أوصلها إلى منزلها فقبلت بعد إلحاح

يحدثني الزميل وقد اتّسعت عيناه من الدهشة .. دخلتُ بها إلى فناء منزلها فإذا بهذه الفيلا الضخمة الرائعة ؛ في حيٍّ راقٍ ، وإذا بهذه السيارة الفارهة من نوع لكزس ، ( وكأني بالزميل يقول : بَصُرتُ بما لم تبصروا به ) فسألتُها عن هذا كله ؛ وليتني لم أسألها ، فقالت نعم .. أنا سيدة هذا المكان وهو ملكي

يقول ثم سألتها ما الذي دعاك إلى القبول بتعليم أبنائي براتب لا يكاد يُذكر أمام ما رأيت ؟ فكانت المفاجأة ؛ وكان الرد الذي أرهق عقلي وتفكيري منذ لحظته إلى يومنا هذا ، قالت لي : يا سيدي .. أنا لم آتِ إلى منزلكم لأعلمكم اللغة اليابانية فحسب ، أنا أتيت إلى منزلكم لكي أعلمكم ثقافتنا حتى لا تعبثوا بها

حتى لا تعبثوا بها

همسة :

هل ارتبطنا نحن بثقافتنا الإسلامية عُشْرَ ما ارتبطت به المرأة اليابانية بثقافتها ؟

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.