السيسي وسلطة اختيار المفتي.. مكايدة لشيخ الأزهر أم تهديد له؟

حالة غير مسبوقة من الصمت لاذ بها كثير من مشايخ ورجالات الأزهر تجاه قانون تنظيم دار الإفتاء المصرية الذي ناقشه مجلس النواب هذا الأسبوع، والذي يمثل انقلابا في آلية اختيار مفتي الجمهورية ليضعه في النهاية في يد رئيس الجمهورية بدلا من اختياره من قبل هيئة كبار العلماء في انتخاب حر مباشر.

وكان لافتا أن كثيرا من المسؤولين، سواء في دار الإفتاء أو الأزهر، رفضوا التعليق على هذا القانون لوسائل الإعلام.

سر الصمت
وأعطى أستاذ بجامعة الأزهر -رفض ذكر اسمه- العذر لكل من رفض التعليق على القانون، قائلا إنهم في موقف حرج، فمن يعلن موافقته على القانون سيغضب الأزهر وقياداته التي ترفض فيما بينها نزع الأمر من يد الأزهر، ومن يرفض فإنه يغامر بوضع نفسه كمعارض للنظام السياسي.

واستطرد الأكاديمي الأزهري في حديثه للجزيرة نت موضحا أن كثيرا من زملائه في الجامعة والمشيخة -وهو منهم- وقفوا حائرين أمام القانون وأجلوا إعلان مواقفهم حتى على حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.

وينهي مشروع القانون الذي أقرته اللجنة الدينية بمجلس النواب الطريقة التي اعتمدت عام 2012 في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي والتي تقضي بانتخاب المفتي من خلال اقتراع سري مباشر، يصوت فيه أعضاء هيئة كبار العلماء التي يترأسها شيخ الأزهر.

آلية مغايرة
في المقابل، يؤسس القانون لآلية مغايرة توقف سلطة هيئة كبار العلماء عند اختيار ثلاثة مرشحين للمنصب من داخل الهيئة أو من خارجها، ثم ترفع ترشيحاتها تلك لرئيس الجمهورية الذي منحه القانون سلطة مطلقة في الاختيار من بين المرشحين الثلاثة.

وقد اكتفى شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بتوجيه خطاب رسمي لمجلس النواب يطالبه بإرسال مشروع القانون الذي تقدم به رئيس اللجنة الدينية بمجلس النواب أسامة العبد مع ستين نائبا آخرين لإبداء الرأي فيه، وعقد مجمع البحوث الإسلامية -حسب تقارير إعلامية- اجتماعا طارئا ناقشوا فيه مشروع القانون.

صراع مكتوم يتواصل بين شيخ الأزهر والسيسي منذ سنوات (الجزيرة)
صراع مكتوم يتواصل بين شيخ الأزهر والسيسي منذ سنوات (الجزيرة)
رفض الأزهر
لكن النائب البرلماني محمد حامد أبرز داعمي المشروع ألمح -خلال تصريحات صحفية- إلى رفض مشيخة الأزهر للقانون، واصفا موقفها بالتشدد غير المقبول، والمعرقل لمسيرة الإصلاح المرجوة، على حد قوله.

ويرى وكيل اللجنة الدينية بالبرلمان المصري سابقا الدكتور محمد الصغير أن القانون بمثابة حلقة جديدة من حلقات التضييق على شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، لدفعه للاستقالة حتى يتمكن السيسي من اختيار شيخ للأزهر يتماهى بشكل أكبر مع النظام الحالي ويتبنى وجهة نظر القيادة الحالية في قضية تجديد الخطاب الديني وتغيير الثوابت.

دفع الطيب للاستقالة
وفي تصريحات للجزيرة نت، أضاف الصغير الذي كان مستشارا لوزير الأوقاف في عهد الرئيس الراحل محمد مرسي ويقيم حاليا خارج مصر، أن السيسي حين أدرك صعوبة إقالة شيخ الأزهر نظرا لعلاقاته مع المشير حسين طنطاوي ومحمد بن زايد كفيل السيسي -على حد تعبيره- راهن على تكوين الشيخ الذي ينتمي لأهل صعيد مصر المعروف عنهم سرعة الغضب، وترك الأمور إذا وجدوا أن الخناق يضيق عليهم، ويأمل أن يأتي قرار ترك المنصب من الشيخ نفسه.

ورغم مواقف المفتي الحالي الدكتور شوقي علام المتماهية مع إرادة السيسي وحكومته، فإن السيسي لا يريد ترك ثغرة واحدة تحتمل وصول رجل إلى منصب المفتي لا يكون على هوى سياساته، على حد قول الصغير.

طي الأزهر
ويرى الكاتب الصحفي جمال سلطان أن القانون يشكل جزءا من الصراع الدائر بين شيخ الأزهر والرئيس السيسي، وأن نظام الحكم العسكري لمصر منذ يوليو/تموز 1952 دأب على طي المؤسسات الدينية تحت عباءته.
اعلان

وقال سلطان في تصريح سابق لقناة الجزيرة إن الفكر العسكري لا يستقيم مع الديمقراطية والانتخاب، مؤكدا أن الأمر لا يتعلق بشخص المفتي، فالمفتي الحالي يتماهى تماما مع النظام لكن السيسي قلق على من يأتي من بعده.

فمشهد وجود رموز لثورة 25 يناير من أبناء الأزهر ودار الإفتاء ما زال ماثلا في أذهان العسكر، ويمثل مصدر قلق للجيش من مؤسسات الأزهر، مما دفع السيسي إلى التخطيط للهيمنة على الأزهر، حسبما قال سلطان.

ملامح القانون
وطبقا لمشروع القانون، يعين المفتي بقرار من رئيس الجمهورية بناء على ترشيح هيئة كبار العلماء، ويبقى في منصبه حتى بلوغه السن القانونية للتقاعد، ويجوز بقاؤه بعد بلوغه سن التقاعد بموافقة هيئة كبار العلماء لمدة أربع سنوات، وفي حالة خلو منصب المفتي أو غيابه يندب وزير العدل بقرار منه من يقوم مقامه.

ويتقاضى المفتي، وفقا لمشروع القانون، المرتب والمزايا المقررة للوزراء، ويعامل معاملة الوزراء في المراسم والمرتب والمخصصات.

ويصدر المفتي قرارا بتعيين أمين عام من الدرجة الممتازة لدار الإفتاء المصرية، وللمفتي إعادة تقييم وظائف دار الإفتاء المصرية أو استحداث وظائف جديدة.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.