خبايا علاقات مصر مع إسرائيل في عهد مبارك.. وتدخله لصالح رابين وبيريز مقابل شامير ونتنياهو

لم تختلف كثيرا مواقف مصر في جوهرها من إسرائيل في ولاية الرئيس حسني مبارك، مقارنة معها تحت قيادة الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وإن كانت أكثر هيبة ووقارا في عهد الرئيس الراحل الذي نجح أن يستعيد علاقات مصر العربية واستعادة مقر الجامعة العربية للقاهرة، بموازاة توثيق علاقاته مع دولة الاحتلال.

مبارك الذي حكم المدة الأطول في مصر الحديثة منذ محمد علي باشا، صمم على استعادة السيادة على طابا بعد تحكيم دولي بين مصر وإسرائيل، وبادر لسحب سفير بلاده من تل أبيب احتجاجا على اجتياح لبنان عام 1982، وكرر ذلك لاحقا احتجاجا بعد اجتياح الضفة الغربية عام 2002 في عدوان “السور الواقي”.

يديعوت أحرونوت: مبارك عزز علاقات التعاون والتنسيق الاستراتيجي مع إسرائيل سرا وعلانية في الجزء الثاني من ولايته

في المقابل، فإن السيسي قاد مصر لتنسيق أمني شبه معلن مع إسرائيل خلال عدوانها على غزة “الجرف الصامد” عام 2014، مما دفع المعلق السياسي البارز في القناة العبرية 13 رفيف دروكر للقول إن السيسي يتصرف وكأنه ليس فقط صديق حميم لإسرائيل، بل كعضو في حزب “الليكود”.

ومع ذلك فإن الرئيس الذي اعتبرته صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية أمس بـ”الفرعون الذي أطاح به الربيع العربي” ما لبث أن عزز علاقات التعاون والتنسيق الاستراتيجي مع إسرائيل سرا وعلانية في الجزء الثاني من ولايته، كما تجلى في موقف مصر من حرب لبنان الثانية عام 2006، عندما أفادت تسريبات إسرائيلية أن بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر والسعودية قد ضغطت على إسرائيل من أجل مواصلة الحرب ضد حزب الله.

نبيل عمرو
وفي السنوات الأخيرة، قاد وزير المخابرات المقرب من الرئيس المعزول، عمر سليمان، عملية التعاون والتنسيق مع إسرائيل خاصة بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 وسيطرتها على قطاع غزة وبعد ارتفاع نشاط الجماعات الإسلامية في مصر وظهور تنظيم “الدولة” في سيناء.

ربما يكون هذا الموقف من حماس هو الذي دفع وزير الإعلام والسفير الفلسطيني الأسبق في القاهرة نبيل عمرو للقول أمس ردا على سؤال راديو الناس في الناصرة داخل أراضي 48 عن موقف مبارك من فلسطين، إن مصر في عهد مبارك لم تكن طليقة اليد في هذا الشأن الفلسطيني؛ بسبب وجود شركاء كالولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل. متجاهلا ضغوط وإهانة مبارك للرئيس الراحل ياسر عرفات يوم دعاه للتوقيع على اتفاق القاهرة عام 1994 كتتمة لاتفاق أوسلو. واعتبر عمرو أن مصر برئاسة مبارك نظرت دائما لفلسطين كأنها من صلب الأمن القومي المصري كما كانت في فترة عبد الناصر. وتابع: “التقيته مرتين وكان دائم النصيحة لأبو عمار بأن يمضي قدما في السلام مع إسرائيل مثلما أنه لعب دورا مثابرا في محاولة رأب الصدع بين حركتي فتح وحماس”.

نبيل عمرو: مصر في عهد مبارك لم تكن طليقة اليد في الشأن الفلسطيني؛ بسبب وجود شركاء كالولايات المتحدة وأوروبا وإسرائيل

أقوال بل أفعال
وردا على سؤال حول اختلاف الموقف في عهد السيسي، قال نبيل عمرو إن الموقف تغير من ناحية المنطلقات والأولويات لكن مصر ما زالت تعتبر “الترياق” الذي يحمي غزة ويمنع عنها حروبا شاملة كي لا تذوق ما ذاقته في حروب سابقة وفي الشأن السياسي ما زالت مصر تقول إنه لا يمكن وجود استقرار بدون دولة فلسطينية.

ما تغير هو محيط مصر بعد استشراء الفوضى العربية من ليبيا للسودان، لكن في الموقف الفلسطيني، موقف مصر لم يتغير”. لكن المستشرق الإسرائيلي مردخاي كيدار ينفي ذلك، وقال للإذاعة الإسرائيلية العامة إن الأقوال المساندة لفلسطين ظلت أقوالا ولم ترتق للأفعال.

كيدار وهو مستوطن ذو توجهات يمينية وعنصرية، قال إن مصر في عهد مبارك لم تخدم القضية الفلسطينية مثلها مثل الكثير من دول العالم العربي الفاسد الذي لا مصلحة لنا بعلاقات معه”.

مردخاي كيدار: مصر في عهد مبارك لم تخدم القضية الفلسطينية مثلها مثل الكثير من دول العالم العربي الفاسد

بالطبع، تأثرت توجهات مبارك حيال إسرائيل بسياسة “الوضع الراهن” حفاظا على حكمه وبحسابات واعتبارات ومصالح إقليمية، وبرغبته بصيانة العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة وضمان بقاء البيت الأبيض مفتوحا من خلال بوابة تل أبيب، وإن كانت هذه قد تخلت عنه في لحظة الحقيقة بعدما دعاه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما للرحيل بعد مليونيات ميدان التحرير.

الموقف من إسرائيل الأولى والثانية
في بيان التعزية، قال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، إن الرئيس المصري الراحل حسني مبارك كان صديقا شخصيا له. بغض النظر عن صدق مقولة نتنياهو هناك إجماع في إسرائيل التي زارها مبارك مرة واحدة فقط لساعات خلال تشييع رئيس حكومتها إسحاق رابين عام 1995، لكنه مبارك كان حريصا على السلام معها رغم الضغوط المصرية والعربية عليه.

كذاب كذاب كذاب
لكنّ أوساطا إسرائيلية شكّكت ونفت أمس وجود علاقة صداقة شخصية بين مبارك ونتنياهو، واتهمته بمحاولة استثمار رحيل مبارك لدعايته الانتخابية.

وفي هذا السياق، قال وزير الطاقة والشرطة الأسبق موشيه شاحل للإذاعة الإسرائيلية العامة أمس: “في 1984 زرت القاهرة والتقيت مبارك وتحدثنا بالعربية بلهجتي العراقية داخل قصره. كان معنيا جدا بحل المشاكل مع الفلسطينيين، فهذا يخفف عنه كما قال لي. وفي سياق حديثه عنا وعن قادتنا قال إن شيمون بيريز محب للجرائد، أما اسحق رابين فكلمته هي كلمة شرف، أما بنيامين نتنياهو فقد ظننا أنه سيكون “ابن الشرق” لكنه كذاب كذاب كذاب”.

من جهتها أكدت محبة مبارك لرابين وبيريز، مراسلة الشؤون العربية في صحيفة ” يديعوت أحرونوت ” سمدار بيري التي كانت مقربة من مبارك وأجرت معه 30 مقابلة صحافية.

وفي تقرير موسع، تقول بيري: “ارتبط مبارك بعلاقة ودودة جدا مع رئيس إسرائيل الراحل عازر وايزمان كونه هو أيضا كان طيارا عسكريا”. وتتابع: “طالما عبر عن تقديره لرابين فيما وجد بيريز قلبا مفتوحا لدى مبارك، خاصة أن مصر استعادت طابا بفضله، وسمعته يقول إنه مستعد لتلبية أي طلب مساعدة يقدمه بيريز له”.

سؤال عن إعدام صدام
وتقول بيري إن مبارك لم يتوقف في حديثه عند نتنياهو مكتفيا بالقول: “لا أعرف ما الذي يريده”. وكشفت أنها كانت تقدم الأسئلة سلفا لمعاوني مبارك قبيل اللقاء الصحافي، ومع ذلك كانت أحيانا تقدم أسئلة غير متفق عليها ومنها على سبيل المثال: “ما رأيك بإعدام صدام حسين؟”. عن ذلك تقول: “تأهب المساعدون وقد استفزهم السؤال غير المتفق عليه لكنه طمأنهم وقال إنه لا بأس من الإجابة عليه فقال: لم تكن هناك حاجة لإعدام صدام حسين بهذا الشكل المهين وكان بالإمكان إنهاء حياته بطريقة محترمة أكثر لكل الأطراف”. وتضيف أنها سألته كيف؟ فقال “كأن يعطى حبة منوم مثلا”.

مبارك: كان يمكن إعدام صدام بطريقة أكثر احتراما، كأن يعطى حبة منوم مثلا

فندق نبيلة
في حديث عن تجربته التاريخية، يوضح عضو الكنيست الأسبق عبد الوهاب دراوشة أن مصر ومنظمة التحرير الفلسطينية رأتا أن حزبه “الحزب الديموقراطي العربي” حزب جديد ويمكن بتحالفه مع الحركة التقدمية برئاسة عضو الكنيست الأسبق محمد ميعاري، أن يفوز بخمسة أو ستة مقاعد، مما يرجح كفة اسحق رابين مقابل زعيم “الليكود” اسحق شامير، ولذلك بادر السفير محمد البسيوني لدعوتنا قبيل انتخابات 1992 إلى القاهرة. موضحا أن مصر والمنظمة كانت معنيتين بفوز رابين من أجل البدء في اتفاق سلام مع إسرائيل في ظل مفاوضات سرية تمت في أوسلو وقتها.

ويضيف: “الدعوة جاءت من مصر، وهناك التقينا القيادة الفلسطينية برئاسة محمود عباس. مصر كانت تقوم بدور أساسي كزعيمة العالم العربي وترغب بأن نزيد قوتنا وتأثيرنا ولذلك دعتنا. دعانا البسيوني وكان مطلعا على كل شيء. رحت أنا ومحمد ميعاري والشاعر سميح القاسم ورئيس لجنة المتابعة العليا إبراهيم نمر حسين، ونزلنا في فندق نبيلة في القاهرة، وهو فندق متواضع كي لا نجذب الانتباه. هناك التقينا مع أبو مازن ومستشار الرئيس مبارك، أسامة الباز، فتوصلنا لاتفاق بإقامة قائمة مشتركة بين الديموقراطي العربي وبين الحركة التقدمية على أساس أن من يأخذ الموقع الأول يأخذ الثالث ومن يأخذ الثاني يأخذ الرابع لكن ميعاري عاد ورفض المقترح”.

رابين وشامير
من جهته يروي محمد ميعاري لـ”القدس العربي” رواية مغايرة عن المداولات ومساعي القاهرة للتقريب بينه وبين دراوشة. ويقول: “هاتفني السفير المصري في تل أبيب البسيوني ودعاني لشرب كوب شاي مع زوجتي، وهناك أبلغني بوجود لقاء في القاهرة في اليوم التالي”.

وأوضح ميعاري أن اللقاء في القاهرة تم ترتيبه من قبل سعيد كمال مندوب منظمة التحرير في مصر. هناك دعونا لتشكيل كتلة مشتركة بجانب الحزب الشيوعي. فقلت: ما الهدف؟ فقالوا: نريد التعاون مع حزب العمل. فقلت: أنا لا أتعامل مع حزب العمل فهو أساس النكبة الفلسطينية ونحن كسياسيين لنا مواقف وموقفنا الأساسي التصدي له. أبو مازن سألني عن رابين؟ فقلت إنه فاشستي يتغطى بالاشتراكية. فقال: أنا أسألك عن رابين لا عن شامير. فكدت أصاب بالجنون واستفزني السؤال”. منوها أنه قد سبقت اللقاء اتصالات من جهات كثيرة لدفعه للتحالف في قائمة انتخابية واحدة مع الحزب الديموقراطي كي ترتفع احتمالات فوز رابين. وأضاف: “وقتها سألتهم لماذا تريدون تسويد وجه محمد ميعاري بخوض الانتخابات سوية مع دراوشة وحزب العمل اخجلوا على حالكم.

تراكتور للأقصى
ويقدم الشيخ رائد صلاح مثالا واضحا على التعامل الأدواتي مع العرب الفلسطينيين في إسرائيل من قبل العالم العربي، بكشفه عن محاولة مقايضة الحركة الإسلامية الشمالية المحظورة إسرائيليا.

ويقول رائد صلاح في كتابه الصادر الشهر الماضي (إضاءات على ميلاد الحركة الإسلامية) إن الرئاسة المصرية في عهد مبارك كانت معنية بنجاح حزب العمل الإسرائيلي في انتخابات 1996 وفيها تنافس نتنياهو مع خليفة رابين، شيمون بيريز وتغلب عليه.

ويتابع: “بطبيعة الحال كان الرئيس المصري يومها حسني مبارك، فاتصل بنا السفير محمد البسيوني وجلس معنا وحاول أن يقنعنا كي ندلي بأصواتنا لصالح حزب العمل”.

قبل ذلك كنا طالما نحلم أن يعترف الأزهر بكلية الدعوة والعلوم الإسلامية في أم الفحم داخل أراضي 48 وطلبنا ذلك مرة من البسيوني. وفي ذلك اللقاء، سلمنا السفير المصري ورقة خطية باسمه على اعتبار أنها اعتراف الأزهر الشريف بكلية الدعوة والعلوم الإسلامية، إلا أنه كان واضحا لنا أنها كانت مجرد ورقة ترضية لنا ومجرد حبر على ورق ليس إلا. وبطبيعة الحال أكدنا له في ذلك اللقاء أننا لا نشارك في انتخابات الكنيست”.

ويشير صلاح إلى ما هو أخطر من ذلك، فيقول: “ذات يوم زارني في بلدية أم الفحم شخصية فلسطينية كانت تعيش في مصر وكانت من المقربين إلى نظام حسني مبارك وكانت ذات مال ونفوذ، فحاولت أن تقنعني أن تدعم الحركة الإسلامية حزب العمل الصهيوني في انتخابات رئاسة الحكومة الإسرائيلية”.

ويوضح في كتابه، أن الشخصية المذكورة التي يبقيها محجوبة الهوية، قالت له ما في جعبتها ثم تركت ظرفا ورقيا على مكتبي وخرجت ولما نظرت فيه وجدت 40 ألف شيكل، فحاولت أن أعيد لتلك الشخصية ذاك المبلغ ولما خرجت مسرعا وجدتها قد غادرت ولعلها كانت تظن أنها اشترتني. اشترينا بالمبلغ جرارا للمسجد الأقصى المبارك حيث كان بحاجة ماسة إليه وقد خدم ذاك الجرار المسجد الأقصى المبارك سنوات طويلة.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.