تونسيون عائدون من ووهان: هربنا من “فيروس” البطالة بتونس فوقعنا في جحيم كورونا

مهندسون وطلبة وحاملو دكتوراه، ضاقت بهم سبل العيش بتونس، فانصرفوا للبحث عن آفاق أرحب للعمل والدراسة بالصين، لكن رياح فيروس كورونا الجديد المميت التي عصفت بووهان المنكوبة غيّرت مسار حياتهم ليعودوا أدراجهم هربا من رائحة الموت التي تحاصر المدينة.
عشرة من الجالية التونسية المقيمة بووهان بؤرة فيروس كورونا، بينهم نساء ورجال ورضيع، تمكنوا من العودة لتونس بعد أن أطلقوا نداءات استغاثة متكررة، ليخضعوا بعدها للمراقبة الدقيقة، من باب الوقاية رغم ثبوت سلامتهم من الوباء.

وكانت رئاسة الحكومة التونسية قد أكدت ببلاغ رسمي في الثالث من فبراير/شباط الجاري إجلاء عشرة مواطنين مقيمين في ووهان بالتنسيق مع السلطات الجزائرية، ليخضعوا للعزل الاحتياطي مدة 14 يوما.

أيام خوف وجوع
فرحة لطفي السلاوي ابن عاصمة الأغالبة القيروان بالحصول على عقد مجز في جامعة “هواتشونغ للعلوم والتكنولوجيا” بمدينة ووهان لم تدم طويلا، وهو الذي ذاق مرارة البطالة في تونس رغم حصوله على الدكتوراه في الفيزياء، وبحوثه المنشورة في مجلات علمية دولية.

سافر -كما يروي للجزيرة نت- في 13 من نوفمبر/تشرين الثاني 2019 لمدينة ووهان ممنيا النفس بمستقبل أفضل، لكن هروبه من “فيروس البطالة” كما يصفه اصطدم بجحيم “فيروس كورونا” بالصين.

أيام من الخوف والجوع عاشها الشاب في هذه المدينة، بعد أن تحول فيروس كورونا إلى وباء، وتحولت معه ووهان إلى مدينة أشباح، لزم لطفي بيته لأكثر من أسبوعين لا يغادرها إلا للضرورة القصوى خوفا من العدوى.

قاربت المؤونة التي بحوزته على النفاد، وظل يعيش على أكل الزبادي والبيض ليسد رمقه، وكان هاجس الموت بعيدا عن أهله ووطنه يلاحقه طوال تلك الفترة.

استطاع بعدها أن يفر بجلده رفقة العشرات من الجالية في ووهان بعد تنسيق مع السلطات التونسية والجزائرية التي أمنت رحلة خاصة من الجزائر نحو الصين، ثم منها إلى تونس عن طريق طائرة عسكرية تونسية.

يؤكد للجزيرة نت -وهو موجود حاليا في مكان سري ويخضع للمراقبة الصحية المشددة رفقة أفراد الجالية العائدة من ووهان- أنه لا يفكر في العودة للصين، بعد أن عاش تجربة مريرة قد يكون وقعها أكثر مرارة على نفسه من البطالة.

غريزة الأبوة
قصة المهندس المعماري والمستثمر الشاب سيف الدين عزيز، العائد من ووهان، قد لا تقل دراماتيكية في تفاصيلها عن ابن بلده لطفي، وهو المتزوج والأب لرضيع هو “نوارة عينه” فقد استطاع -كما يقول للجزيرة نت- أن يهرب به من فك الموت.

وجه سيف نداء استغاثة عبر الشبكات الاجتماعية للسلطات التونسية، بعد أن تحول فيروس كورونا إلى وباء أطبق أنفاسه على المدينة، وبعد أن عاش 15 يوما من الرعب حبيس بيته رفقة زوجته وابنه الصغير، قارب فيها الماء والغذاء على النفاد.

فكر في لحظة جنونية مدفوعا بغريزة الأبوة أن يستقل سيارته الخاصة ويفر من ووهان رفقة زوجته والرضيع، بعد أن حصل على ترخيص رسمي من السلطات لمغادرتها، لكن شعور الخوف من المجهول في الطريق جعله يعدل عن قراره.

تمكن ابن مدينة طبلبة الساحلية من العودة لتونس رفقة زوجته وابنه بعد أن تم إجلاؤهم مع الوفد المقيم في ووهان، لكنه ترك وراءه قصة نجاح يدعو الله أن تتواصل، وهو الذي يدير شركة استيراد وتصدير استطاعت أن تفرض مكانتها في الأسواق الصينية رغم المنافسة الشرسة.

خطة وقائية
بعد تفشي فيروس كورونا أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ، ووضعت السلطات في تونس كغيرها من الدول خطة وقائية للحد من تفشي المرض.
وفعلت تونس إجراءات الرقابة الصحية على المعابر الحدودية والمطارات والموانئ من خلال استخدام الماسحات الحرارية للتأكد من سلامة المسافرين القادمين لتونس، -بالتنسيق مع الصحة العالمية- للوقوف على تطورات انتشار الفيروس ونظم الوقاية والعلاج.

تفعيل إجراءات الوقاية
وفي هذا الصدد، أكدت إنصاف بن علية المديرة العامة للمرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة -للجزيرة نت- خلو تونس من أي حالة مؤكدة أو مشتبه بها تتعلق بفيروس كورونا، لكنها شددت بالمقابل على مواصلة السلطات عملية ترصد الحالات وتفعيل إجراءات الوقاية وتجهيز أماكن الحجر الصحي من باب الاحتياط.

غريزة الأبوة دفعت بسيف الدين لإطلاق نداءات استغاثة للخروج من ووهان (الجزيرة)
ولفتت إلى تركيز السلطات منظومة القيس الحراري بجميع مطارات البلاد خصوصا المسافرين القادمين من الصين، بالتوازي مع حملات تثقيف صحي حول أعراض كورونا وسبل الوقاية منها بالتنسيق مع وزارات كالداخلية والدفاع والسياحة.

وبخصوص التونسيين العشرة -بينهم رضيع- الذين تم إجلاؤهم من ووهان، أوضحت بن علية أنهم يخضعون لمراقبة صحية دقيقة من باب الوقاية، لكنها أكدت خلوهم من فيروس كورونا، بانتظار انتهاء مدة عزلهم.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.