لن تقام فيها الصلاة.. لماذا يجدد السيسي المعابد اليهودية بمصر؟

“لن تقام فيه الصلاة بشكل منتظم لأن المدينة لا تضم عددا كافيا من اليهود” هذا ما قالته صحيفة يديعوت أحرونوت اليوم السبت عقب ترميم السلطات المصرية معبد “إلياهو هانبي” في الإسكندرية.

ووفقا للصحيفة الإسرائيلية فإن الصلاة لم تقم في هذا المعبد منذ سنوات، لأن الشريعة اليهودية تشترط كركن أساسي في الصلاة ألا يقل عدد المصلين عن عشرة أشخاص بالغين (فوق 13 عاما) وأن يكونوا جميعهم ذكورا.

وافتتحت مصر المعبد أمس الجمعة بعد ترميمه بتكلفة وصلت إلى 68 مليون جنيه وفق ما أعلنه مسؤولون حكوميون. في حين تؤكد تقارير إعلامية أن التكلفة الحقيقية بلغت مئة مليون.

ويعتبر “إلياهو هانبى” أحد أكبر المعابد اليهودية بالشرق الأوسط، وتم تشييده عام 1345 ميلادية، ويسع سبعمئة مصلٍ، ويتكون من طابقين مخصص ثانيهما لصلاة السيدات، ويضم مكتبة مركزية تضم 63 نسخة قديمة من التوراة، إلى جانب مجموعة كبيرة من الكتب يعود تاريخ البعض منها إلى القرن 15.

وإلى جانب هذا المعبد يوجد في مصر 18 معبدا منها 11 بالعاصمة القاهرة، وفي الإسكندرية توجد سبعة وواحد بمحافظة الغربية. ولا تمارس الشعائر الدينية في تلك المعابد، باستثناء معبد بوابة السماء الواقع في شارع عدلي وسط القاهرة الذي تقام فيه بعض الاحتفالات الدينية.

وخصصت الحكومة في ديسمبر/كانون الأول 2018 مبلغ 1.3 مليار جنيه (يعادل 72 مليون دولار) لإحياء التراث اليهودي في البلاد، الأمر الذي أثار الجدل حول أسباب هذا الإنفاق، لاسيما وأن عدد أفراد الجالية اليهودية تقلص إلى خمسة جميعهم نساء مسنات، وهو ما يمنع إقامة الصلاة في هذه المعابد.

تراث مصري
وكان رد الحكومة على هذه الانتقادات على لسان وزير الآثار خالد العناني الذي أكد أنه لن ينتظر أن يمنحه أحد المال لترميم التراث اليهودي مؤكدا أن العناية به تمثل أولوية باعتباره تراثا مصريا يجب الاهتمام به.

تصريح الوزير جاء في معرض حديثه أمام البرلمان حول تخصيص 1.3 مليار جنيه لإحياء التراث اليهودي.

وتأتي خطوات وزارة الآثار متسقة وتنفيذية لرؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي أعلن في نوفمبر/تشرين الثاني 2018 عن استعداد مصر لبناء دور عبادة لليهود.

وكانت 11 مؤسسة يهودية من مختلف دول العالم تقدمت في فبراير/شباط 2016 بمذكرة تطالب فيها بالاعتراف بالتراث اليهودي، واستجابت الحكومة للمذكرة وشكلت لجنة لتسجيل التراث اليهودي، وأعلنت في أغسطس/آب 2017 عن مشروع لترميم معبد “إلياهو هانبى”.

تسامح ديني
وتحت عنوان “إلياهو هانبى” نشر الكاتب الصحفي حمدي رزق مقالا بصحيفة “المصري اليوم” تحدث فيه عن المعبد اليهودي.

ورأى رزق أن افتتاح المعبد ترجمة واقعية لرؤية الرئيس في أحقية جميع الديانات في بناء دور عبادة.

وعن حفل افتتاح المعبد قال “كنت أتمناه احتفالا عالميا، ليرى العالم بأسره كيف تتجسد حرية العبادة في مصر الجديدة، كيف ترعى مصر أصحاب الديانات جميعا”.

واعتبر الكاتب الاهتمام بالمعابد اليهودية تجسيد واعيا لحالة التسامح الديني عنوانها “مصر 30 يونيو” والتي أزاحت وفق قوله “ركام الطائفية والكراهية الدينية، وغسلت الوجوه من سخام الإخوان والتابعين الذين يكفّرون أصحاب الديانات الأخرى”.

ومن جانبها أعربت رئيسة الطائفة اليهودية ماجدة هارون عن سعادتها الغامرة بترميم وافتتاح المعبد اليهودي بالإسكندرية.

وأضافت في تصريح صحفي أنها تشعر بالفخر ببلدها وتتمنى التطوير لكل الآثار المصرية، موضحة أن المعبد اليهودي مزار أثري “ولكن لن نمنع أيا من الطائفة اليهودية بإقامة الشعائر وأداء الصلاة بداخله فهو مكان للعبادة” حسب قولها.

دعم السلطة
وأمام هذا النشاط الحكومي لما يسميه المسؤولون إحياء التراث اليهودي، يبرز التساؤل حول هدف السلطة من وراء هذا النشاط خلال هذا التوقيت تحديدا، ويقدم معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى إجابة عبر تقرير بعنوان “السيسي يُحيي التراث اليهودي في مصر”.

وبحسب التقرير فهناك ثلاثة دوافع تشرح بصورة أفضل خطاب الحكومة الإيجابي تجاه اليهود منذ تولي السيسي الحكم، أولها تحسين نظرة واشنطن إلى القاهرة.

وأوضح أن الحكومة تعتبر المنظمات والمواطنين اليهود الأميركيين بوابة إلى صناع القرار في واشنطن.

الدافع الثاني هو تعزيز السياحة، فيبدو أن المسؤولين المصريين يعتقدون أن استثمار المزيد من الأموال في استعادة التراث اليهودي سيساعد في تسويق البلاد كوجهة للسياحة اليهودية العالمية.

أما الدفاع الثالث فيتلخص في إظهار اعتدال الرئيس المصري، حيث يحاول مستشارو السيسي دعمه وإظهاره كزعيم متسامح بغية تخفيف حدة الغضب الشعبي ضده.

ولفت التقرير -الذي صدر قبل إجراء التعديلات الدستورية، في أبريل/نيسان الماضي- أنه من المرجح أن يندلع الغضب من جراء التعديلات الدستورية وغيرها من القرارات المقبلة مما يجعل التسامح الديني يحظى بتأييد المجتمع المسيحي الإنجيلي والأجهزة السياسية المرتبطة به.

ويمكن أن تُرى الصورة السياسية بشكل أوضح بالرجوع إلى فبراير/شباط الماضي حيث كشفت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية أن الرئيس المصري أبلغ وفدا أميركيا أن حكومة بلده ستبني معابد ومؤسسات مجتمعية يهودية إذا رغب اليهود في تأسيس طائفة في البلاد.

وبحسب الصحيفة فإن اللقاء الذي عقد في القاهرة جمع بين السيسي ووفد من أعضاء اللجنة اليهودية الأميركية.

ونقلت عن مؤسس اللجنة عزرا فريدلاندر، أن السيسي وعد بإجراء عملية تنظيف وتنظيم لمقابر اليهود بمنطقة البساتين في القاهرة، وهي مقبرة يعود تاريخها إلى القرن التاسع ويُعتقد أنها ثاني أقدم مقبرة يهودية في العالم.

كما نقل عن السيسي مخاوفه من استعادة جماعة الإخوان المسلمين السلطة إنه إذا لم يحصل هو على دعم أميركي.

وأكمل فريدلاندر “من الواضح أن السيسي يبحث عن الدعم في الولايات المتحدة، وأعتقد أنه من واجبنا الأخلاقي دعمه إلى أقصى حد ممكن”.

تجاهل الأولويات
من جهته رأى عضو حركة “نقابيون ضد التطبيع” د. أحمد رامي الحوفي أن بناء وترميم دور العبادة في مصر من المفترض أن يأتي كأولوية أقل بالنظر إلى الحاجة لبناء مدارس وبناء وتطوير المستشفيات خاصة وأن الشعب المصري يعاني نحو ثلثه من الفقر.

ولا يبدي الحوفي أي غضاضة من احتمال أن يكون ترميم المعابد اليهودية بوابة لعودة اليهود ذوي الأصول المصرية إلى مصر أو أوطانهم الأصلية، موضحا أنه حال حدوث ذلك سيتم تفكيك الكيان الصهيوني تلقائيا وهو ما يعتقد أن تل أبيب لن تسمح به.

وعما إذا كان ترميم المعابد محاولة من السيسي للتقرب إلى إسرائيل، قال عضو تجمع “نقابيون ضد التطبيع” -في حديثه للجزيرة نت- إن الرئيس الحالي لا يحتاج لهذا التصرف من أجل استمالة الكيان الصهيوني.
اعلان

وأوضح أن ترميم المعابد يعد تصرفا متسقا مع كل تصرفاته وقراراته الموالية للصهيونية، وتابع “لا أعتقد أن أحدا قدم خدمات للصهيونية مثلما فعل السيسي”.

المصدر : الجزيرة

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.