التربية بالحب.. حتى لا تحول طفلك لمتنمر

عهود القيشاوي

التنمر هو تعد لفظي أو جسدي على شخص ما، بغية شعور المتنمر بالسيادة والسلطة وأنه أعلى درجة من الضحية، ينبذ المتنمر ضحيته بالألقاب المهينة أمام الجميع، وإن لزمه الأمر أن يثبت عليته! سيعتدي على الضحية جسديا، كل ما يرغب الجاني به أن يظهر مظهر القوي لافتا انتباه من حوله منتزعا اهتمام الجميع. يعتقد بأنه إن كان مهابا سيهتم الكل لأمره ويتقرب منه! ويصبح ذا شعبية فيؤكد على قوته وسلطته.

لماذا يسعى المتنمر للظهور بمظهر القوي؟
يرغب المتنمر بالشعور بأنه ملحوظ!! شخصية ضعيفة يرقعها بمشاعر لحظية يشعر بها حين يهين ضحيته! خصوصا لو لقي فعله استحسان من أقرانه كالضحك على الضحية. إن تفاعلهم مع المشهد الذي مثله كان بالنسبة له هو الشيء المنشود.. بضحكهم أعطوه انتباههم، أعطوه ثناءهم، أعطوه الوجود الذي يسعى، وبذلك نخلص إلى أن السبب الرئيسي للتنمر هو ضعف شخصية الجاني والضحية، والتي تسبب بضعفها المحيط الغير داعم للأفراد! فكيف نحمي أطفالنا شر التنمر؟

في البداية علينا أن نعي أن التنمر لن ينته ما دامت الخليقة، فمشكلة التنمر لها جذور ضاربة منذ عقود، لن تنته إن لم ينته كل فرد على البسيطة من ممارسة الأسباب المؤدية لها، والتي تمثل أسلوب الحياة التي يعيشها البشر! بداية من الأسرة للمجتمع للعالم بأسره! وهذا بالطبع لن يحدث طالما هناك مقدار ذرة من نزعة الشر في النفس البشرية، إنه لمن محض الخيال أن نتصور عالما مثاليا، الكل فيه قوي ومحب! لذلك فإن المتنمرين على الدوام سيتواجدون في الصورة، ولن تخلو حياتنا وحياة أطفالنا تماما من مشاهد التنمر.

لكن!! ليس من المستحيل أن نتصور عائلة مثالية.. الكل فيها محب وداعم للآخر.. وهذا بالضبط ما نحتاجه لنقوي شخصية أطفالنا، فنحميهم من آثار التنمر الموجود من حولهم، نحتاج لتكوين عائلة تنظر لأفرادها بعين الحب والتقدير وتزرع فيهم الثقة بالنفس وتقوي من شخصياتهم وتدعم جانبهم، لا ننكر أننا وكأسر عربية! لدينا من الحب لأفراد عائلاتنا الكثير، لكن لدينا صعوبة في اظهار هذا الحب، نظرا لعوامل ثقافية متفشية عززت من ربط مفهوم اظهار الحب أو الحاجة له بالضعف.. مما أدى إلى نشأة جيل غير متزن عاطفيا.. لديه فجوة من الحاجة للحب تحتاج للملء.. ولديه فيض من الحب لمن حوله لا يستطيع اظهاره.. فبالنسبة له هو ضعف، فيحاول مواراة هذا الضعف خلف قناع من القوة والتسلط.

إن جئت بطفل إلى هذا العالم كن على قدر من المسئولية وأوله الاهتمام، هو لم يأت بمحض الصدفة وإنما جاء بقرار منك.. فتحمل مسئولية قراراتك وأعط طفلك الاهتمام
ولنتدارك هذا الأمر علينا أن نبدأ بالانتقال من طريقة التربية التقليدية التي تسببت بكل ما سبق إلى التربية بالحب والتي تشجع على اظهار مشاعر الحب بين أفراد الأسرة الواحدة، لتقوي الترابط فيما بينهم ولتعزز من ثقة كل فرد منهم بنفسه، بالتربية بالحب ننشئ طفلا قوي الشخصية متزن النفسية.. لا يتنمر على أقرانه ولا يتأثر سلبيا إن تنمر أحد أقرانه عليه، حيث أن التربية بالحب تغلق الفجوات التي يحاول الطفل المتنمر ملؤها، فهو لن يتنمر إن كان يشعر بأنه موجود ومحبوب ورأيه مأخوذ بعين الاعتبار.. ولن يجد الوهن طريقا إلى نفسه فهو محصن من تأثير المتنمرين، فهو يعرف تماما كيف يتصرف إن تعرض للتنمر، ويتعامل مع الأمر بطريقة إيجابية! لا تعطي فرصة للخوف أو الحزن أو أي مشاعر سلبية لأن تتغلغل في نفسه.

ما هي أسس التربية بالحب؟
الأساس الأول هو إدراك الوالدان أن هذا الطفل الذي يربون هو إنسان موجود.. ليس بشيء مادي ولا ملكية خاصة وإنما إنسان له كيان وعقل ولديه مشاعر.. وعليهما أن يتعاملا معه على هذا الأساس، حتى يؤمن هو بنفسه وبإنسانيته وإلا فسيستصغر نفسه أمام الآخرين وقد يستحق لنفسه الانتقام منهم بالتنمر عليهم فيكون الجاني.. أو يستحق على نفسه ما يصدر منهم من تنمر فيكون الضحية.

الأساس الثاني هو إغداق الطفل بالحب.. فأظهر حبك لطفلك بالقول وبالفعل لتشبع حاجته منه، قل لطفلك أنك تحبه، قل له أنا أحبك كثيرا! اهمسها في أذنه مرارا وتكرارا، قلها بصوت عال، قلها أمام الأهل وقلها أمام الأصدقاء، فإن قوة الطفل وثقته بنفسه وشخصيته تنمو وتتعزز لما يعرف أنه محبوب من قبل أبويه حيث يشبعان لديه الحاجة للحب، وأكثر من الأحضان، احتضن طفلك وربت على ظهره، وملس بيديك على رأسه! وانظر بعينيه.. وداعبه.. ودغدغه! طفلك صغير وبحاجة للحب، وأنت لديك فيض من هذا الحب فلا تخف من إغداقه عليه! هو ليس بضعف!

الأساس الثالث هو الاهتمام، فإن جئت بطفل إلى هذا العالم كن على قدر من المسئولية وأوله الاهتمام، هو لم يأت بمحض الصدفة وإنما جاء بقرار منك.. فتحمل مسئولية قراراتك وأعط طفلك الاهتمام، يبدأ اهتمامك بطفلك منذ اللحظة التي تختار له فيها اسمه يليق به.. اسم يشعره بالسعادة والفخر كلما ناداه به أحدهم. اسم لا يتخذه أحدهم سبيلا للتنمر على الطفل، اهتم بطفلك أيضا من خلال اللعب معه! نعم.. لديك أعمال! ولديك مسئوليات.. لكن.. أيضا لديك طفل يحتاج للعب.. فاقتطع من يومك وقتا خصيصا للعب معه.. ارسم معه.. لون معه.. ابن معه برجا من المكعبات.. حل معه الأحجيات.. اجر معه.. اقفز معه.. ارقص معه.. غن معه.. اقرأ له كتابا.. احك له حكاية.. شاهد معه فيلم كرتون.. نافسه بلعبة لوحية أو الكترونية.. أو فقط! اجلس بجواره واستمع لأحاديثه المتشابكة وحتى الغير مفهومة، اهتم بطفلك من خلال الحديث معه خاصة في الوقت ما قبل النوم.. إن الوقت الذي تقضيه مع طفلك تحادثه ويحادثك، يعزز لديه من مهارة الحديث والاستماع وتقرب من المسافات فيما بينكم، فإن تعرض لموقف تنمر خارج المنزل! ستكون أنت أول من يفكر في محادثته عن الأمر واستشارة نصائحه..

الأساس الرابع هو الإيمان بأطفالنا وبمهاراتهم والعمل على تنميتها فيهم، فإن رأيت في طفلك ميولا لرياضة ما أو لاحظت فيه موهبة ما، قم بدعمه وتشجيعه على ممارستها فإن الطفل الذي يمارس رياضة أو هواية.. لديه ثقة بنفسه وبقوته أعلى من أقرانه، كما وأن أحد أسرار نجاح الأفراد في حياتهم هو ممارستهم لمواهبهم كمهنة لهم! فأفسح له المجال وهيئ له الظروف.

طفلك بذرة!! وأنت من يسق هذه البذرة وأنت من يهيئ لها الأجواء الملائمة لتنمو وتزهر!! فإن اعتنيت بها بحب وحرص.. أزهرت وترعرعت وقاومت العوامل البيئية المحيطة
الأساس الخامس هو إشراك الطفل في اتخاذ القرارات، فإن ارتأى الأبوان تغيير أمر ما يخص العائلة، كالانتقال من المنزل مثلا.. يجب عليهم إشراك الطفل فيسألونه عن رأيه بالأمر، حيث أن الأطفال الذين يشاركون في اتخاذ القرارات الكبيرة والقرارات التي تخص أمورهم الحياتية اليومية! يشعرون بأهميتهم وبوجودهم وستجدهم أقدر على التعامل مع المتنمرين وأقل أقرانهم تنمرا.. ذلك بسبب توازن نزعة التسلط في نفوسهم والذي خلقته العائلة حين شاركته باتخاذ القرارات.

الأساس السادس هو الثقة والدعم فإن حادثك طفلك عن أمر يزعجه، أو اشتكى لك من شخص يتنمر عليه! فلا تقم بلومه فيما يعرف بلوم الضحية! وإنما افهم منه حيثيات الموضوع وكن واثقا من صدقه.. حدثه بصراحة عن التنمر! فإن أول علاج لضحايا التنمر هو الوعي.. طمئنه أنك إلى جانبه، قم بفعل كل ما تستطيع من أجل حمايته، ودربه أيضا على حماية نفسه.. كأن تشاركه في دروس تعلم فنون الدفاع عن النفس مثلا.

الأساس السابع هو القدوة الحسنة.. إن المثال الأول الذي يحتذ به طفلك هو أنت! فكن نعم المثال ونعم القدوة! بأن لا تتنمر عليهم! ولا على أحد (كأمهم مثلا) أمامهم! حتى لا يتنمروا بدورهم تقليدا لك أو انتقاما منك.. وإجابة على السؤال الذي يدور بذهنك الآن.. وهل أنا أتنمر على أطفالي؟؟
اعلان

نعم! فإن صراخك عليهم وتجاهلك لحديثهم واستهزاءك بإنجازاتهم وسخريتك من تعبيرهم واستنكارك لأسئلتهم ومديحك لأطفال الآخرين أمامهم، وذم تصرفاتهم ومقارنتك إياهم بأبناء فلان! حتى وإن كان دون قصد منك.. ما هو إلا تنمر، يتأثرون نفسيا على إثره فإما يصبحون جناة يرقعون ضعفهم بالتنمر على الآخرين! أو ضحايا بشخصيات هزيلة.. لا يستطيعون تحمل الإهانة ولا حتى الدفاع عن النفس، على العكس إن اتبعت أسلوب التربية بالحب.. أثمرت تربيتك عن طفل متزن قوي الشخصية! واثق من نفسه لا يؤذه كلام الآخرين الجارح ولا يحتاج لأن يثبت قوته فهو بداخله مقتنع تماما بها.

في النهاية ألخص بأن طفلك بذرة! وأنت من يسق هذه البذرة وأنت من يهيئ لها الأجواء الملائمة لتنمو وتزهر! فإن اعتنيت بها بحب وحرص.. أزهرت وترعرعت وقاومت العوامل البيئية المحيطة، وإن سقيتها بلا مقدار! وكأنك لم تسقها أبدا فهي ستنبت ضعيفة هزيلة.. تنهار مع أول هبة رياح! وإن لم تكن عاتية!

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.