فلنرتقي يفكرنا

نجحت وسائل التواصل الاجتماعي في الكشف عن أن الحُمْق يمتلك تيارا عريضا داخل مجتمعاتنا، التي تعاني في الأصل من ضعف في التربية العقلية ومن خلل في التفكير المنطقي، حتى أن كثيرا من المرويات غير المنطقية تجد لها أشياعا ومناصرين كثيرين، حيث يتهافت هؤلاء على صفحات ومواقع الدجل والخرافة والشعوذة بأشكالها وأنواعها المختلفة، سواء ارتدَت أثواب الدين أو تلفّعت بأردية العلم، وسواء ظهرت في ميادين الثقافة أو في المناحي الطبية، حيث يتهافت الحمقى والمغفلون على قراءة المنشورات غير المعقولة وإبداء الإعجاب بالمرويات التي لا تقبلها العقول السوية. وقد قيل قديما: إذا أردتَ أن تَعلَم العاقل من الأحمق فحدّثه بالمُحال، فإن قبل بالمحال فاعلم أنه أحمق!

الجميل أن يتعلم الإنسان كيفية الارتقاء بتفكيره، فينظم تفكيره ويخضعه لعمليات منطقية تقوم على حساب كل مكونات وجوانب المسألة التي يعالجها، ويعتبر الوعي وإدراك كل الظروف والعوامل المحيطة بمعالجة المسائل التي تعترض الإنسان هو المفصل الحقيقي والمحك الأوضح لتقييم الإنسان، وهذا الوعي هو الذي يوجه الإنسان نحو سلوك واتخاذ قرارات بعينها، فالإدراك الحقيقي يقوم على الموازنة والمفاضلة بين عدة خيارات يجب أن تتخذ في هذا الشأن، وهنا يكمن حسن اختيار المرء لهذه الخيارات. في مسيرة الحياة يعترض الفرد ممرات ضيقة وأخرى وعرة يحتاج مهارة وقدرة فائقة لكي يتمكن من العبور خلالها دون أن تمسه بسوء، هذا العبور السليم يحتاج إلى أن يكون الفرد مدركاً لهذه العقبات ولطرق التجاوز حتى لا يقع في شباك عقبات أكبر بسبب سوء تصرفه مع العقبة الأولى . والإدراك يعني أن يكون الإنسان قادراً على تحليل المواقف والأمور التي تصل إليه من خلال حواسه الخمس والتعامل معها وفقا للتحليل السليم، إدراك مرتكز على ما يحمله في مكنونه من معرفة بالأمور .

البعض له القدرة على اكتساب الكثير من المعارف لكنه ــ للأسف ــ لا يجيد توظيفها في جوانب حياته، وهذا يبرر ظهور البعض بمظهر الجهلاء الذين لا يجيدون التصرف في المواقف الحرجة من هنا نقول إن الإنسان يحتاج إلى قدر كاف من الإدراك الحسي والمعرفي اللذين يصلان به إلى مرحلة الوعي ، هذا الوعي يخدم الإنسان بشكل فعال في تسيير أمور حياته . حيث سيظهر جلياً في سمات شخصيته وقدرته على تجاوز العقبات، وعندما يكون الفرد على قدر من الوعي فإن ذلك له دور فعال في المحيط على الطابع العام للمجتمع، حيث سيكون المجتمع أكثر رقيا وحضارة، وبالتالي يتطور تفكيره ووعيه إلى مستويات أعلى. ويخطئ البعض حين يظن أن الوعي هو أن يجمع الفرد أكبر قدر من المعلومات التي يسردها في المحافل والتجمعات البشرية، دون أن يكون لهذه المعلومات أي تأثير ملحوظ على ما يبدر منه من تصرفات وسلوكيات مع ذاته ومع المجتمع المحيط. فالبعض له القدرة على اكتساب الكثير من المعارف لكنه ــ للأسف ــ لا يجيد توظيفها في جوانب حياته، وهذا يبرر ظهور البعض بمظهر الجهلاء الذين لا يجيدون التصرف في المواقف الحرجة ، رغم مستوياتهم العلمية المتقدمة. كما يربط البعض الآخر الوعي بالدراسات والتحصيل العلمي، في حين أن مصادر المعرفة والعلوم تنوعت وتعددت في زماننا الحالي ولم تعد قاصرة على فئة معينة من الناس. ختاماً أقول… يحتاج مجتمعنا إلى المزيد من الوعي لأفراده لكي يتحقق له النهوض نحو القمة ولكي يكون الطابع العام للمجتمع حضاريا برقي أفراده.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.