ان لم تكن ابن حنبل فكن ابا الهيثم

منَ المقال الأسبوعي الشيخ كمال خطيب

قال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل: “كثيرًا ما كنت أسمع أبي يقول: اللهم اغفر لأبي الهيثم، اللهم ارحم أبا الهيثم. فقلت له ومن أبو الهيثم يا أبت؟ فقال رجل من الأعراب لم أر وجهه!! ففي الليلة التي سبقت جلدي وضعوني في زنزانة مظلمة فوكزني رجل وقال: أأنت أحمد بن حنبل؟ فقلت أجل، قال أتعرفني؟ قلت لا. فقال: أنا أبو الهيثم العيار اللص، شارب الخمر، قاطع الطريق مكتوب في ديوان أمير المؤمنين أني جلدت ثماني عشرة ألف جلدة وقد احتملت كل هذا في سبيل الشيطان، فاصبر أنت في سبيل الله يا أحمد. فلما أوثقوني وبدأ الجلد فكنت كلما نزل السوط على ظهري تذكرت كلام أبي الهيثم وقلت في نفسي اصبر في سبيل الله يا أحمد، إن لم تكن ابن حنبل فكن أبا الهيثم”.
إنها واحدة من قصص الثبات على الحق وعدم محاباة أهل الأهواء والمساومة على دين الأمة وثوابتها سطرها إمام أهل السنة أحمد بن حنبل رحمه الله. إنه الذي كان بمقدوره أن يعيش في رغد وهدأة بال بعيدًا عن السجن والزنزانة والإذلال والسياط، لكنه اختار الطريق الذي به يحفظ دين الأمة وثوابتها وإن كان الثمن غاليًا جدًا.
ولئن كان الإمام أحمد قد خذله العلماء والفقهاء من الذين كان يتوجب عليهم أن يكونوا من أصحاب كلمة الحق في وجه سلطان جائر لكنهم تمالأوا عليه وانحازوا للسلطان على حساب القرآن، وإذا بالإمام أحمد يأتيه النصر والتثبيت والمدد المعنوي من شارب خمر وقاطع طريق ولص شرير.
إنه الإمام أحمد في هذا الزمان يؤدي نفس الدور وإن كان بأسماء أخرى وأماكن هي ليست بغداد، وفتن ليست كفتنة خلق القرآن. إنهم الدعاة والعلماء والمفكرون الذين انحازوا للإسلام في الزمان الذي أدار الحكام ظهورهم له بل وطعنوه في الصدر وفي الظهر. إنها الزنازين مشرعة الأبواب وإنها السجون تبنى أكثر مما تبني المشافي والجامعات، وإنهم أشراف الأمة وأخيارها يودعون فيها لا لشيء إلا لأنهم صدعوا بكلمة الحق وانتصروا لدين الله تعالى.
نعم فإذا كان أهل الباطل يحتملون في سبيل الشيطان ومن أجل باطلهم، فأولى بأهل الحق أن يحتملوا في سبيل الله وفي سبيل راية الحق أن تظل مرفوعة عالية. ولأن البلاء يُصبّ على أخيار الأمة صبًا والسهام مصوّبة إليهم من كل جانب، فما أجمل أن نواسي بعضنا بعضًا وأن نتذكر كلما اشتدّ الظلم والبلاء ما قاله الإمام أحمد #اصبر في سبيل الله يا أحمد، فإن لم تكن ابن حنبل فكن أبا الهيثم. فيا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.

شاهد أيضاً

لمحات من بلاغة القرآن

كان للكلمة البليغة في نفوس العرب أثر كبير، بل سحر عجيب، يصنع الأعاجيب.